بخلاف وفاة المهندس «عدلى أبادير» الأب الروحى لأقباط المهجر، والممول الأكبر لحركاتها ومؤتمراتها فى الخارج، وأيضا للكنيسة القبطية فى الداخل.. فإن ملف تلك المنظمات، وأنشطتها المتصاعدة فى العام السابق بشكل ملحوظ مع تزايد حوادث العنف الطائفى فيه، التى تجلت فى تظاهرات أمام البيت الأبيض وقت زيارة السيد الرئيس فى أغسطس الماضى لواشنطن، تنذر بأن الملف فى 0102 سيبدو أكثر التهابا، وأن تحولا ما سيجرى فى خريطة قيادة أقباط المهجر، وأن صراعا سيشتعل على زعامة أقباط الخارج.. وجاءت وفاة «أبادير» لتؤججه، خصوصا مع الغموض الذى يكتنف مصير منظمته! ليست مبالغة أن يصف البعض من الأقباط سواء البسطاء أو المستفيدين منه «أبادير» أنهم برحيله يشعرون باليتم، بصفته أحد الصقور، فكان الكثيرون يرونه بطلا فى نظرهم، وإن كان الأمر مختلفا بالنسبة للنخبة من الموجودين فى الخارج، والباحثين عن مساحات وأدوار احتفظ بها «أبادير» لنفسه! القراءة لسيرته العملية فى مصر، تفسر مدى تطرفه تجاه الدولة المصرية وخروجه عن النص، فيبدو أنه موتور من الدولة، بأكثر من كونه مدافعا عن حقوق الأقباط، بعد أن أسس فى سويسرا منظمته «القبطية لحقوق الإنسان» التى اختارها مقرا لاستثماراته بعد أن خرج من مصر بأمواله - ولم يعد له فيها سوى بعض الممتلكات - وكان ذراعها القوية وأحد أنشطتها المؤثرة المنبثقة عن الجمعية هى منظمة «الأقباط متحدون» والتى لعبت أدوارا مثيرة فى ملف الأقباط، وعقدت عبرها اجتماعات ومؤتمرات، وأيضا تصعيد حاول به «أبادير» أن يدول به قضية أقباط مصر، وأنهم يتعرضون لعنف طائفى، وسعى لذلك عبر حركات إعلامية بهلوانية بعرض ذلك فى مذكرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة! كل ذلك وأكثر كان دافعا لأن تتصدر منظمته وموقعه الإلكترونى النشط المشهد القبطى فى الخارج، خصوصا أنه كان يمول أنشطة منظمته بمبالغ مالية طائلة، ويلقى دعما كنسيا من الداخل بصفته أحد كبار المتبرعين لها، وتكشف ذلك وقت أن كان محبوسا 18 شهرا على ذمة قضية الصناعة الشهيرة وأرسل له البابا محامى الكنيسة لمؤازرته، رغم أنه كان يلقى معاملة أكثر من ممتازة فى سجن الاستئناف بشهادة محامى الكنيسة وأن غرفة الحجز كانت مفروشة له وكل طلباته يتم إجابتها فى حينه! بوفاته متوقع أن يجرى صراع على مستويين.. الأول داخل منظمته ومن يتولى إدارتها خصوصا أن ابنته الكبرى «ماجدة» والتى كانت بعيدة عن الأحداث فى حياته، تتطلع لإدارة المنظمة خلفا لوالدها، وتسعى لذلك بقوة، وإن كانت تجرى حاليا ترتيبات سرية لقيادة المنظمة لم يعقها سوى الترتيب لجنازة والدها التى جرت أول أمس الخميس حيث دفن حسب رغبته فى سويسرا وليس فى مصر! يصارع «ماجدة عدلى أبادير» على زعامة المنظمة، ابن عمتها «مدحت قلادة» الذى كان ولا يزال مسئول العلاقات العامة للمنظمة، والوجه الإعلامى الأبرز بعد «عدلى أبادير» بصفته كاتبا أيضا وتنشر مقالاته على موقع المنظمة وعدد من الصحف المصرية تتقدمها جريدة «اليوم السابع»! «قلادة» هو المحرك، والعقل المدبر للمنظمة فى فترة العام المنصرم، وقت أن كان «عدلى أبادير» يمر بوعكة صحية شديدة أدت إلى دخوله الغيبوبة كما أنه من أسس اتحاد المنظمات الأوروبية لأول مرة، وإن كانت تقابله أزمة فى التمويل الذى أصبح فى يد أبناء «أبادير» حيث انصرف أولاده البنون للبيزنس، وكذلك «ماجدة» التى تتولى استكمال مسيرة والدها! ما تقدم يثير بعض مخاوف مواجهة المنظمة لأزمة سيولة، خصوصا أن خريطة المنظمة حتى الآن لم يدرج عليها أى مؤتمر أو نشاط يحتاج دعما ماليا كبيرا، وهى أمور مؤجلة لما بعد الانتهاء من توزيع تركة «أبادير» على أولاده، وإن كانت المخاوف الأكبر أن تقل تبرعاتهم إلى الكنيسة القبطية! مهما كانت رؤية بعض المراقبين أن المنظمة فى أساسها كيان مؤسس لا خوف على مصيرها.. إلا أن هذا الكلام مردود عليه بأن لولا «أبادير» الأب ما كانت أن تصدرت «أقباط متحدون» المشهد فى الخارج، والدليل أن نشاط المنظمة حاليا يقتصر على أداء إعلامى لأحداث 2004 الأخيرة فى «ديروط» و«فرشوط» وتوثيقها وترجمتها وإرسالها إلى حكومات وجهات دولية لفتح تحقيق فيها ومحاكمة المسئولين عنها! بهذا يكون الصراع الأول، على تركة «أبادير» محسوما عائليا، أما زعامة أقباط الخارج عموما، وبخلاف «ماجدة أبادير» و«قلادة» فى سويسرا يبرز اسم «مايكل منير» من واشنطن، والذى ترتفع أسهمه بما يشير أيضا إلي تحويل قبلة قيادة وزعامة أقباط المهجر من سويسرا وقت «أبادير» الأب إلى أمريكا، خصوصا أن الولاياتالمتحدة هى مصنع القرار الذى يتصوره الأقباط لإدارة ملفهم لكن أموال «أبادير» كانت أقوى، وكان بانتقاله إلى أمريكا بالملف القبطى تسبقه ملايينه الطائلة! «مايكل منير» يعد الاسم الأكثر توافقا بين الجماهير القبطية وحتى لدى الحكومة المصرية والإدارة الأمريكية، خصوصا بعد انتقاله من مقاعد الصقور إلى صف المعتدلين، وفتح قنوات اتصال مع الإدارة المصرية، وتميز خطابه مؤخرا بالعقلانية ورفضه تدويل قضية الأقباط، أو التظاهر وأن الحل بالحوار المجدى داخل مصر! «منير» المتوازن تسبقه مساحات قبول لكونه شابا وخريجا من الجامعة الأمريكية، فهو يجمع بين العلم وكاريزما الشباب ويقود منظمة كبرى وهى «أقباط أمريكا» ويرتبط بعلاقات قوية بالجيلين الثانى والثالث من أقباط المهجر.. كما أنه أيضا على علاقة جيدة جدا وصوت مسموع داخل الإدارة الأمريكية، لكن تحوله إلى صفوف المعتدلين ورفضه التغيير من الخارج، كان سببا فى هجوم قيادات أقباط الخارج عليه، واتهامهم لهم بخيانتهم، وفتح عليه نيران النقد لأدائه، وتساءلوا ماذا فعل أسلوب مايكل منير المهادن للقضية القبطية؟!.. وهو رد عليهم وماذا فعلتم أنتم إلا استعداء الحكومة والشعب ضدكم؟!! ينافس «مايكل منير» على كرسى الزعامة أيضا د. منير إدوارد وهو جراح من أثرياء نيوجيرسى، ويرأس أكبر وأقدم منظمة قبطية فى أمريكا «الهيئة القبطية الأمريكية وتربطه صلات قوية بالجمهوريين، وكان عضوا فى لجنة المائة مع الرئيس الأمريكى السابق «جورج بوش» الابن، ويوصف بأنه متشدد ومتعصب إلا قليلا، ومعروف على المستوى الرسمى والجماهيرى فى أمريكا وتبرز وسائل الإعلام تصريحاته، ويصنف على قدرته توصيل المطالب القبطية للإدارة هناك أو تعتمد استراتيجيته على الطريق القوى - على حد وصفه - وذلك بالاتصال بالحكومة والكونجرس للضغط على الحكومة المصرية.. إلا أنه يواجه حاليا بمعارضة داخل منظمته وخارجها من شباب أقباط المهجر الذين انجذبوا لتيار «مايكل منير» فى الحوار مع الدولة المصرية، ويعبر «منير إدوارد» غالبا عن غضبه من هذا الأسلوب ويعتبره خروجا على مسار القضية! من بعيد يلاحقهم المهندس «كميل حليم» الذى برز اسمه قبل عامين بشكل لافت عبر منظمته «التجمع القبطى الأمريكى» فى شيكاغو، إلا أن أرضيته أخذت فى التآكل بعد أن أقام اتحادا مع د. سعد الدين إبراهيم المرفوض حاليا من الأقباط بعد تشجيعه ودفاعه عن الإخوان المسلمين، وسعى لذلك لدى الإدارة الأمريكية، وكرره مع حماس، وهو ما رفضه الأقباط من «إبراهيم»، وبتحالف «كميل حليم» معه تقلصت شعبيته وقلت فرصه المحدودة أصلا، رغم أن البعض يصفه بالمناضل القوى، نظرا لأنه يمول أنشطة جمعيته من أمواله الخاصة! كذلك لا يمكن تجاوز «موريس صادق» وهو أكثر قادة المهجر تعصبا وتشنجا، ليس ضد الدولة فقط، ولكن لكل ما هو إسلامى أيضا، ويسخر منظمته «الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية» لهذا السبب، وربما يكون أكثر ورثة «أبادير» تعصبا وتطرفا، ويسعى للزعامة عبر مخطط شيطانى فى 2010 بالضغط الاقتصادى على مصر، من خلال حملة يخطط لها لمقاطعة المنتجات المصرية المصدرة للولايات المتحدة عبر اتفاقية الكويز! حيث إن هذه المنتجات تعرض بكميات وفيرة فى أكبر المتاجر الأمريكية مثل Wollmart - Mosys - Cossoci وغيرها وبأسعار منافسة، وتلقى قبولا ورواجا لدى الأمريكان! «موريس صادق» يسعى عبر حملته الموتورة، أن يوزع منشورات فى الشوارع وملصقات فى تلك المتاجر لمقاطعة تلك المنتجات بحجة أن أموالها وعوائدها تستخدم ضد أقباط مصر، وأن الحكومة والشعب يأخذان هذه الأموال لقتل الأقباط والاعتداء عليهم ويدعم ذلك بصور ملفقة لحوادث طائفية، كذلك يسعى «موريس» لمخاطبة أصحاب ومديرى تلك السلاسل التجارية على مستوى كل الولايات! «صادق» اتخذ الخطوة التى وصفها بالموجهة، ردا على غض الإدارة الأمريكية الطرف عن مطالب الأقباط لدى الحكومة المصرية، فرأى أن النضال الاقتصادى هو الأجدى خصوصا الامتيازات المتحققة من وراء اتفاقية الكويز للمنتجات المصرية فى السوق الأمريكية! جدير بالذكر أن «موريس» كان أن استعان باليهود وإسرائيل وقادتهم للاستعداء على مصر، فى خطوة تستوجب محاكمته بالخيانة العظمى، وتقوض أى جهود له أو مصداقية لقضيته وآرائه! فى هذا الإطار تظل باقى المنظمات القبطية فى أمريكا تواصل أدوارها الثانوية مثل «الأقباط الأحرار» فى نيوجيرسى ويرأسها «يعقوب قرياقص» و«أقباط كاليفورنيا» ويرأسها منير بشاى.. وإن كانت الهيئة القبطية فى كندا ويرأسها د. سليم نجيب إدوار أكثر لمعانا وتأثيرا فى الشارع القبطى ربما لا تحققه المنظمة الثانية فى كندا «أقباط حول العالم» ويرأسها د. شريف منصور. أوروبيا، لم تبرز قيادات فى فرنسا، أو هولندا، وإنجلترا بالشكل ذاته كما فى الولاياتالمتحدة، لأن الأخيرة هى صانعة القرار، ويسهل التحرك والتأثير مع أعضاء الكونجرس خاصة الموالين لإسرائيل، والذين يجدون فى ورقة أقباط المهجر فرصة للضغط على الحكومة المصرية، متصورين أنه بادعاءاتهم يمكن أن يفرضوا عقوبات، أو إحراج الدولة المصرية دوليا، وهو أمر لم تثبت صحته، أو تنجح محاولاته عبر السنوات الماضية! على ما تقدم، يمكن أن ينحصر بذلك الصراع على تركة «أبادير» بين الثلاثى «ماجدة أبادير» و«مدحت قلادة» - المعروف بتعصبه وغموضه - ومايكل منير.. وإن كانت أسهم الأخير هى الأعلى بصفته الوجه المقبول داخليا وخارجيا للقيام بهذا الدور، وإذا تم ذلك فإن قبلة أقباط المهجر ستحدد إقامتها فى الولاياتالمتحدة خصوصا مع اهتمام واعتماد كثير من الأساقفة على تبرعات الأقباط هناك.