يقول المثل المصرى "الجوعان يحلم بسوق العيش"، أما المثل الإنجليزى فيقول: "لو كانت الأحلام خيولاً لكان المتسولون أول من يمتطونها". فمنذ أن هبط آدم إلى الأرض وأحفاده يحلمون بالعودة إلى الجنة، فكأنما قدر الإنسان أن يحلم ولا يتوقف عن الحلم حتى تنتهى الحياة على الأرض، فبالحلم تفوق الإنسان على كل الكائنات الحية، وبالحلم شيد الإمبراطوريات وأنشأ الحضارات واخترع واكتشف وابتكر وجعل الحياة فى تغير وتطور لا نهاية له. ورغم أن أغلب أحلامى للعام المنصرف لم تتحقق فقد امتطيت خيل أحلامى للعام القادم، وأنا أردد: "لا يأس مع الحياة"، وستجد أن أغلب أحلامى ما هى إلا أضغاث أحلام وشطحات وبعضها كوابيس جاءت كلها على شكل مشاهد فى سيناريو الحياة. المشهد أو الحلم الأول مكانه ميدان التحرير إلى حيث تتدفق مئات الآلاف من النساء المصريات من كل الأعمار، وكل الفئات، وفى لحظة محددة يقمن بخلع الحجاب والنقاب اللذين فرضا عليهن باسم الدين كذباً، ويلقين بهما تحت أقدامهن ثم يشعلن فيهما النار رافعات لافتات تعلن انتهاء عصر الخضوع وبداية عصر الكرامة والعودة إلى الإسلام الصحيح الذى حرر المرأة من عبودية الجاهلية وأزيائها، وجعل من النساء شقائق الرجال، لا جواريهم. المشهد أو الحلم الثانى فى نقابة الصحفيين إلى حيث يتدفق أعضاء النقابة لانتخاب رئيس الجمهورية، وذلك بعد أن أقر مجلس الشعب تغيير قانون انتخاب رئيس الجمهورية ليتم على خمس مراحل، انتهت أولها بين أعضاء مجلسى الشعب والشورى الذين أجمعوا على انتخاب خمسة من بين كل المتقدمين بعد استعراض تاريخ كل منهم ومدى أحقيته للترشح، وفى المرحلة الثانية تعرض الأسماء الخمسة على النقابات المهنية لكى يختار أعضاؤها ثلاثة من المرشحين الخمسة، وفى المرحلة الثالثة تعرض الأسماء الثلاثة على أعضاء الاتحاد العام لعمال مصر لغربلتهم إلى اثنين فقط من المرشحين، أما المرحلة الرابعة فهى إجراء عدة مناظرات بين المرشحين الفائزين تعرض على شاشات التليفزيون ويتابعها كل الشعب لكى يتسنى للمواطنين أن يختاروا من يثبت أنه الأصلح، ويقدم البرنامج الأفضل، وأخيراً تأتى المرحلة الخامسة والأخيرة أو النهائية، وهى اختيار أحد المرشحين بواسطة كل حاملى بطاقات الرقم القومى بلا استثناء. المشهد أو الحلم الثالث أتابع مناظرة بين المرشحين النهائيين لرئاسة الجمهورية وهما رجل وامرأة كما حدث فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، وأستمع باهتمام للتحليل السياسى والأرقام والوقائع التى ترد على لسان السيدة المرشحة، وردودها المقنعة على اعتراضات المرشح وتفنيدها لأفكاره بهدوء وثقة وبلا حساسية، ولا يهمنى أن تتفوق المرأة وتحصل على منصب رئيس مصر بقدر ما يهمنى أن يستعيد العالم احترامه العميق للشعب المصرى، ويتذكر أنه كان أول شعب فى التاريخ يمنح ثقته لبناته ويعترف بحقهن فى الجلوس على أريكة الحكم. المشهد أو الحلم الرابع أرى نفسى ومعى مجموعة من أصدقائى العرب والأجانب نتجول فى بعض شوارع مصر، وقد اختفى من بيوتها وشوارعها وعقول ساكنيها التلوث السمعى والبصرى والفكرى، وعاد المصريون إلى السلوكيات والأخلاقيات التى كانوا عليها آلاف السنين.. لا زحام ولا طوابير، أما غارات الكبت الجنسى فى الأعياد فقد أصبحت شيئاً ألقينا به إلى قاع النسيان. المشهد أو الحلم الخامس أرى فيه مواطنين يتعانقان أحدهما مسلم يهنئ الآخر القبطى على عيده، وفى يده هدية تعرب عن المودة الخالصة بينهما.. وقد رجعت إلى أرض الكنانة وحدتها الوطنية واختفى العنف وتلاشت الفتنة الطائفية، وعاد للإنسان المصرى سلامه النفسى وثقته فى بلاده، فلا تعصب لدين ولا عراقيل أمام حق كل طائفة فى ممارسة شعائرها وبناء دور عبادتها. المشهد أو الحلم السادس يستعرض سماء مصر وقد أصبحت صافية الزرقة بعد أن انقشعت إلى الأبد سحابة قش الأرز، وكل السحابات السوداء للفساد والمحسوبية واللامبالاة وروح السلبية التى تفشت بين أبناء الجيل الجديد.. أراهم عاكفين على البناء والعمل يرفضون الهروب إلى مجتمعات لا تمنحهم إلا الفتات، وتضعهم تحت سيطرة وجشع الكفيل أو تعيدهم جثثاً بعد أن ماتوا غرقاً فى بحار الحلم الزائف. المشهد أو الحلم السابع أرانى فى زيارة لبعض الأصدقاء النوبيين فى قراهم الجديدة.. بعد أن حُلت كل مشاكلهم وعوملوا المعاملة التى تليق بتاريخهم العريق، ويدور بيننا الحوار حول الوزير النوبى الذى يمارس عمله بكل همة، والوزير الآخر من بدو سيناء والخمس وزيرات للداخلية والدفاع والتعليم العالى والتربية والتعليم والاقتصاد اللاتى يعطين درسا فى الكفاءة والالتزام لكل من جرؤ ذات يوم على حرمان المرأة من حقها فى ممارسة الحكم وتحمل المسئوليات العامة. المشهد أو الحلم الثامن أرانى فيه وسط أحفادى وحفيداتى ونحن نتابع بتوتر شديد وبهجة خالصة إعلان فوز أمريكى- مصرى الأصل برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية.. لقد استعاد المهاجرون المصريون توحدهم وانخرطوا فى المجتمعات الجديدة التى هاجروا إليها بإرادتهم الحرة، وأصبح فى دول أوروبا وأمريكا شخصيات مصرية تحظى بالمكانة والثقة وتتفاعل إيجابيا مع المجتمع ، وصار بعضهم أو أحدهم جديرا برئاسة دولة أو هيئة مهمة.. لم يعد هذا الحلم مستحيلا بعد أن صعد ابن مواطن كينى إلى سدة الحكم فى أقوى بلد فى العالم. فى المشهد أو الحلم التاسع أتابع نتائج دورى كرة السلة بين جميع المدارس الابتدائية فى مصر، بعد أن أصبحت كل الرياضات عنصرا أساسيا فى المنهج الدراسى وأصبح كل تلميذ فى أى مرحلة دراسية عضوا فى فريق رياضى: كرة اليد أو السلة أو الڤولى أو التنس أو ألعاب القوى وحتى الشطرنج.. إلخ، ويتبارى الطلاب فى كل مرحلة مع بعضهم البعض، فتكون المدرسة والجامعة والمعهد هى المفارخ التى تقدم لمصر أبطالها فى الفن والرياضة، ولن يتحقق هذا الحلم إلا إذا تحررت شاشاتنا المحلية الفضائية من غزو فلول الرياضيين السابقين الذين احتلوا كل القنوات فى كل الأوقات، وأصبحوا "يلتون ويعجنون" فى تفاصيل سخيفة حول مباريات وأبطال كرة القدم.. لقد صار التليفزيون "البيت بيتهم" يشغلون المشاهدين بصراعاتهم الصغيرة، ويتراشقون بالألفاظ ويقدمون للنشء نماذج أبعد ما تكون عن الروح الرياضية السامية.. فمتى يحل محل هؤلاء أطباء يحدثوننا فى الصحة وأدباء يعرضون إبداعاتهم من قصص وقصائد ومفكرون يرتفعون بمستوى الإنسان المصرى إلى سماوات الفكر التى غبنا عنها كثيراً! لقد تحولت برامج "اللت والعجن شو" إلى فضائح صادمة للرأى العام، وأصبحنا نسمع على الهواء مكالمات هاتفية بين شخصيات حظيت - فى غفلة من الزمن- بالشهرة والتواجد المكثف على الشاشة الصغيرة بل وعلى مقعد فى مجلس الشعب، وسمعناها تتفوه بأقذع السباب لغرمائها.. تلك هى الرموز التى يدعى البعض شعبيتها، وحقها فى أن تصدع رؤوسنا بكلام فارغ لا معنى له. ؟ العاشر كابوس فقد ألقى بى حصانى من فوق ظهره محتجا على سذاجتى.. وعلى الوقت الذى أضاعه معى محلقا فى فضاءات المستحيل.