رغم أن الكثيرين في أنحاء العالم الإسلامي قد اعتبروا أن نتيجة الاستفتاء علي حظر بناء المآذن والذي صوت عليه 5,57% من الشعب السويسري بالموافقة صدمة حقيقية طالب البعض علي خلفيتها بمقاطعة المنتجات والبضائع السويسرية، إلا أن الصورة - بشكل عام - لم يكن من الممكن أن تكتمل كل جوانبها إلا بالتعرف علي رؤية الجاليات الإسلامية هناك.. ما هو تحليلها للموقف الأزمة؟! وما هي تداعيات ما يطرحه العالم الإسلامي في الخارج علي مسلمي سويسرا في الداخل؟! وما هو السبب الحقيقي وراء هذا التصادم الغريب في حقيقته علي مجتمع مسالم بطبعه ظل لفترات طويلة يرفض إقامة جيش وطني؟!.. وما رأيهم في قرارات المقاطعة التي تلت هذا الأمر؟! وتداعياتها عليهم؟! يوسف إبرام - إمام المؤسسة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي بجنيف - يري أن ظاهرة الإسلاموفوبيا وانتشارها والحملات الدعائية المستمرة ضد الإسلام هي السبب الرئيسي للوصول إلي ما نحن فيه الآن، خاصة أن أحداث 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة والتي تبعتها أحداث أخري في مدريد ولندن وغيرها من بلدان وعواصم العالم أدت إلي تراكمات، وبناء جدار بين المسلم وبين غير المسلم داخل المجتمع الغربي! وهو ما استغله بشدة حزب اليمين المُتطرف السويسري لإيصال الناس هناك لحالة من الفزع! إبراهيم صلاح - المسئول عن مسلمي برن - يري أن هناك سبباً خفياً كان له أهمية في حسم المسألة الإسلامية - السويسرية وتتمثل في أن هناك تحريضا صهيونيا شديدا للعمل ضد كُل ما هو مسلم، وأن وجود شخصية مثل آفي لبكين - ضابط الاستخبارات الإسرائيلي المتقاعد وزوجته يهودية الديانة من أصل مصري والتي تعمل في الإذاعة الإسرائيلية - دليل يؤكد ما يقوله.. فلابكين تستضيفه عدة جهات أوروبية لإلقاء محاضرات تهدف للتحامل علي الإسلام، ويقود حملة علي كل ما هو مسلم، وهو ليس الوحيد، بل إن الصحف السويسرية أيضاً تتخذ نفس النهج، ولعل قيام وزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي بارتداء غطاء للرأس عند مقابلتها للرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومهاجمة الصحف السويسرية لها بسبب ما قامت به دليل آخر علي التحريض الصهيوني الخفي والذي كان وراء ما يحدث الآن. فسويسرا كما هو معروف عنها من سماحة وعدالة واحترام المسلمين وغير المسلمين تثبت بعد هذا الاستفتاء أن هناك شرخاً حاداً في هذا المبدأ، إلي جانب أن اليمين المتطرف يستغل ظاهرة الإسلاموفوبيا لإزاحة الحكومة الحالية، والحصول علي أكبر كم من المقاعد، خاصة أنها متعاطفة مع القضية الفلسطينية! -- يشير يوسف إبرام إلي أن من دعا لهذا الاستفتاء أصبح متورطاً أمام الشعب السويسري بأنه لا يراعي مصالحهم هناك، فهو بهذا الاستفتاء يطعن ويقسم المواطنين السويسريين إلي مسلمين وغير مسلمين، وهذا أمر غير مقبول، لهذا كان تمالكنا للأعصاب وفتح طُرق العقل للرد علي هذا الموقف قد أثار إعجاب العديد من السياسيين في سويسرا، وهو شيء إيجابي للغاية.. إلا أن د. محمد كرموز يري أنه - ومع الأسف - سنجد أن 10 % أو 15 % علي حد أقصي من المُسلمين هناك هم من اهتموا بمُتابعة الموضوع.. فما بين المُستاء وغير المُبالي نجد ردود أفعال مُتشنجة! أما بالنسبة لدعوات المُقاطعة التي انتشرت هنا وهناك فإنها ليست الحل لأي شيء، وهو ما يُعبر عنه يوسف إبرام قائلا: ''من كان يُريد نُصرة الإسلام فعلاً كان عليه أن يتصل بالسُلطات مُنذ 3 أشهر، أما الآن وقد فُصِل في الأمر، فلا ينبغي حل المسألة بالعواطف أو بالحماسة أو بالتصرفات غير المسئولة، فنتيجة التصويت لا تُعبر عن رأي الحكومة أو البرلمان بل تعبر عن رأي شعبي، أي تعبير دُيمقراطي كما يري الكثيرون، وبالتالي فالمُقاطعة تعني أننا ضد حُرية التعبير والديمقراطية. كما يجب ألا ننسي أن هناك 43% تقريباً صوتوا بلا، وهي نسبة تُعبر عن الأفراد في الأحزاب والبرلمان والحكومة والسلطات الدينية، وهؤلاء يُشكرون علي ما قاموا به، هذا بجانب أن المُقاطعة سيدفع ثمنها الأقلية المُسلمة، وهو ما سيزيد من حالة العداء. وبحسب محمد كرموز فإنه تم الاتفاق علي اتخاذ عِدة إجراءات، مِنها القيام بمُبادرة ثانية ضد ما حدث تتمثل في إجراء تصويت جديد، بالإضافة إلي اتخاذ إجراءات الطعن في التصويت أمام محكمة حقوق الإنسان في شتراسبورج، كما أن إجراءات الطعن أمام الأمم المُتحدة - كما يذكر يوسف إبرام - هي التي دعت الأمين العام إلي تأسيس لجنة قانونية للبحث في الأمر، وكذلك الطعن علي هذه النتيجة أمام البرلمان السويسري والمحكمة الفيدرالية ومحكمة حقوق الإنسان. -- ويتفق كُل من يوسف إبرام وإبراهيم صلاحعلي وجود إيجابيات فيما حدث، ويلخصها يوسف إبرام : الجميع أصبح واحداً الآن، فقبل شجب الفاتيكان وغيرها من المؤسسات الدينية اليهودية والمسيحية أُريد أن أُثمن موقف السُلطات الكنسية مُنذ البداية، وهو موقف مُشرف وأفضل بكثير مِمَا قامت به الحكومة، فالكنيسة الكاثوليكية والمعبد اليهودي وغيرهما من الجهات أرسلت رسائل شجب وطعن، إلي درجة القيام بمُظاهرة: كُلنا مسلمون، حيث تظاهر 4000 من غير المُسلمين أمام الكاتدرائية الكُبري بجنيف، وهو مكان مُقدس للبروتستانت، وهذه المُظاهرة وغيرها من ردود الأفعال أثمن الأشياء التي حدثت حتي الآن . -- يأتي التساؤل عن احتمالية وجود استفتاءات أخري لوجود ما يُسميه إبرام بالانقسام السويسري - السويسري، حيث نجد سويسرا مُنقسمة لقسمين سويسرا المدينة وسويسرا البادية..يُحاول الطرف الأول أن يتفهم الوضع مع المُسلمين، ويأتي الثاني علي العكس من هذا تماماً، فقد كانت هناك مُقابلة بين التليفزيون الألماني وأحد القاطنين في البادية، وقد سأله المُذيع: بماذا تصوت؟، فقال الرجل: سأصوت بحظر المآذن لأنني أكره المُسلمين، فلا أحد يعيش هنا مُسلما!.. وهذا الإعلان الصريح هو نفس ما قام به أحد أعضاء اليمين المُتطرف، حينما أذاع رأيه علانية بأنه ينبغي طرد المُسلمين من سويسرا، مِمَا أدي إلي أن يتم رفع قضية علي هذا العضو لأنه أخل بالأسس التي تقوم عليها سويسرا الآن، والتي أصبحت بعد هذه النتيجة للأسف مُخلخلة . إذن مثل هذه المقولات السابقة والتي تنتشر كالنار في الهشيم لها وقعها علي مُسلمي أوروبا وليس علي مُسلمي سويسرا فقط، بدليل ظهور شبه قرار بحظر المآذن في فرنسا أيضا كما أن هناك تحركات في الدنمارك وهولندا والنمسا ضد الإسلام، لذلك نجد - بحسب مسلمي سويسرا - بعض البلاد كفرنسا وهولندا وإيطاليا يمتدحون الحكومة السويسرية التي تُحافظ علي هويتها ضد المَد الإسلامي أو ما يُعرف بIslamizationبل إنك تجد البرلمان الفرنسي يُناقش مسألة الهوية الفرنسية الآن، وهو في رأيي يُريد أن يجد سبيله للقضية التي تؤرقه وهو وضع المُسلمين في فرنسا''! -- رغم تصريح وزيرة الخارجية السويسرية ''ميشلين كالمي راي بأن النقاش لم يكُن نزيهاً، وأن الجهات المسئولة عن الاستفتاء استخدمت الكذب والخوف لإعطاء انطباع بأن هناك مئات المآذن التي ستُبني في سويسرا، إلا أن مثل هذا التصريح - وغيره من التصريحات الأخري - هدأت الوضع نسبياً، لكنها لم تُعالج المشكلة.. فالغموض يُغلف الأوضاع هناك، وهو علي حد تعبير يوسف إبرام بأنهاطمأنت الأموات المُسلمين فقط لا أكثر ولا أقل!. في الوقت نفسه نجد أن هناك أصواتاً تحتج علي ما حدث - ولعل مُظاهرة المآذن الورقية والتي شهدتها مدينة جنيف يوم 2 ديسمبر خير دليل علي هذا - وهناك أصوات أخري تري أنه ليس من المُهم المآذن.. فالأهم دور العبادة، لكن هذا ما يرفضه تماماً إبراهيم صلاح قائلا:المآذن جُزء من الثقافة والحضارة والتقاليد، الإسلامية، والاعتراف بنتيجة الاستفتاء طعن في الهوية الإسلامية! فالمئذنة.. وإن كانت أمرا ثانويا، إلا أنهم اتخذوها ذريعة، فهي رمز للهوية الإسلامية وبالتالي إذا لم يستطيعوا الطعن مُباشرةً في المسجد لأنه مكان عِبادة بحُكم القانون هناك، فهم يطعنون بشكل آخر، وهذه حيلتهم، فالقضية ليست عِبارة عن مبان أو مآذن، بل الموضوع أعمق من هذا كُله! -- والحل وفقا ليوسف إبرام يتمثل في أنه ينبغي علينا علي الأقل أن نعيش في البلدان الإسلامية بحُرية تعبير حقيقية، وهو ما يُساهم في تصحيح وجهة نظر الآخر عنا، فقبل أن يأتي الإنسان ويُعطي دروساً حول كيف يُمكن وجود مثل هذه الاستفتاءات أو يأمر بالمُقاطعة وغيرها من الأمور الساذجة، يجب عليه أولاً أن يلتزم هو نفسه بهذه الدروس .. كما أنه لا بُد وأن تُدافع الدول الإسلامية عن جالياتها، فأكثر البلدان الإسلامية مُساندة للمُسلم خارج بلاده هي التي تُرسل له شيخاً في شهر رمضان فقط، كما أنه ينبغي قيام هذه الدول بمُساندة المُسلم بالخارج عن طريق إنشاء نواد ومدارس وغيرها من الأماكن الهامة والتي تجعل من المُسلم مُرتبطا ببلده ولا يشعر بأنه مُنقطع الأوصال عنها، فالحكومة السويسرية لا تقوم بإنشاء هذه المباني أو تدفع أموالاً للمُساعدة، بل ينحصر دورها في السماح للمُسلمين هناك بالبناء لا أكثر ولا أقل متابعا:للأسف الجالية الإسلامية هناك - خاصةً بعدما حدث - تشعر بأنها بمعزل عن العالم الإسلامي، وللأسف فإن هذه الأزمة فرقعة بالون توقظنا من السُبات لنعود له من جديد في انتظار أزمة أخري توقظنا، ولا نعرف من كل هذا سوي أن نبني حائط مبكي لرثاء أحوالنا، أما أن يكون هناك عمل حقيقي فهو للأسف شيء نادر للغاية!!