لم يطق الإخوان المسلمون صبرا حتى يتم انتخاب «د.سعد الكتاتنى» رسميا رئيسا لمجلس الشعب، فبمجرد الإعلان عن ترشيح حزب الحرية والعدالة له لتولى المنصب الرفيع قام المسئولون عن صفحته على الفيس بوك باستخدام برنامج الفوتو شوب للعبث فى إحدى صور رئيس مجلس الشعب السابق «فتحى سرور» على منصة البرلمان ليبدلوا مكانه «الكتاتنى». شكليا لم تختلف معالم الصورة بين الرجلين إلا فى «زبيبة الصلاة» التى توسطت جبهة «الكتاتنى» .. الملامح الشكلية والتركيبة الجسمانية متطابقة إلى حد كبير. الإخوان لم ينتظروا حتى تسقط فى حجرهم ثمرة السلطة بفعل الجاذبية الثورية، سارعوا بهز جذع الشجرة، بادروا وقت انشغال القوى السياسية بديمومة الثورة بجمع رطب ومغانم الثورة بعد أن حبسوا فى القمقم لأكثر من 85 عاما، وبدت الأرض مهيأة لهم، والطرق معبدة للوصول بهم إلى قمة السلطة مستفيدين من رغبة قطاع كبير من الجماهير الغفيرة للتغيير كهدف، وإن مال أغلبهم ناحية «بتوع ربنا» كما قدم الإخوان أنفسهم! ∎∎ 3 وقائع فاصلة دفعت «د. محمد مصطفى سعد الكتاتنى» للصفوف الأمامية داخل الجماعة ومنها إلى قيادة القطار التشريعى فى هذه المرحلة التاريخية فى عمر الوطن.. رغم أن تاريخه ومساره الطبيعى كان لا يؤهله حتى أن يحلم بما هيأته له الظروف والأقدار .. فهو ينتمى للجيل الثالث أو الرابع من الجماعة على مستوى القيادة فى فترة الثمانينيات، حيث كان مجرد مسئول إحدى الشعب الإخوانية فى محافظة المنيا حتى تم تصعيده لتولى رئاسة المكتب الإدارى للإخوان المسلمين بالمحافظة. الأولى.. لما انشق القيادى الإخوانى السابق ورئيس حزب الوسط الحالى «أبو العلا ماضى» عن الجماعة هو ومجموعة الوسط.. وقتها كان «ماضى» مسئول الجماعة فى المنيا وهمزة الوصل بين مكتب المحافظة والقيادات العليا للإخوان، وتولى من بعده «محمد بديع» المرشد الحالى و«أبو الحمد ربيع» القيادى السابق المسئولية إلى أن تم تعيين «الكتاتنى» فى 1996 مسئول المكتب الإدارى هناك، وتزامن ذلك مع بدء اهتمام الجماعة بأساتذة الجامعات ونوادى أعضاء هيئة التدريس، حيث يعمل «رئيس البرلمان أصلا كأستاذ علم النبات بكلية العلوم جامعة المنيا والسكرتير العام لنادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وطوال تلك الفترة وطد علاقته بمكتب الإرشاد واقترب كثيرا من مستشار المرشد الأسبق «مأمون الهضيبى». اللافت أن نفس الرجل رسب فى انتخابات عمادة الكلية، وكذلك انتخابات نادى أعضاء هيئة التدريس اللتين أجريتا بعد ثورة يناير! الثانية.. جاءت مع تولى القضاء الإشراف على الانتخابات البرلمانية فى 2005 وترشح عن الجماعة فى المنيا، وهى الدورة التى نجح فيها الإخوان فى اقتناص 88 مقعدا وكان مقررا حينها أن يكون «محمد مرسى» مسئول الكتلة البرلمانية إلا أن سقوطه أبعده عن المنصب، ولما كانت غنيمة الإخوان كبيرة فى هذه الدورة قامت الجماعة بشراء مقر لكتلتها البرلمانية فى جسر السويس وإجراء انتخابات داخلية نجح فيها «سعد الكتاتنى» ليكون رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين فى تلك الدورة ومنها لمع اسمه، وارتفع سهمه فى مجال العمل السياسى داخل الجماعة حتى تم تعيينه عضوا فى مكتب الإرشاد فى 2008 . شارك بعدها فى وضع برنامج حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - ثم وكيلا للمؤسسين ثم أمينا عاما للحزب حتى استقال من هذا المنصب بعد توليه رئاسة البرلمان! لم يعرف عن «الكتاتنى» طوال مدة عضويته فى البرلمان أى لمعان تشريعى، أو بريق سياسى فى قيادة كتلة الجماعة تحت القبة وإنما فقط كان يظهر فى الأحداث السياسية مرتديا أوشحة «لا للمحاكمات العسكرية» هو ومجموعته والتصوير بها أمام مبنى البرلمان وهو جالس على الأرض! أخيرا.. جاءت ظروف التحالفات والخلافات السياسية بعد أول انتخابات تشريعية بعد الثورة لتصب كل مجريات التوافق السياسى على شخص الكتاتنى دون غيره مدعوما بأغلبية الإخوان الساحقة. منطقيا أن يرأس البرلمان نائب على دراية بالقانون أو التشريع، وجماعة الإخوان وحزبها وغالبيتها البرلمانية مليئة بالكوادر التى تصلح للمنصب الرفيع، وربما أفضل وأجدر من «الكتاتنى» الذى لم يكتف بتخصصه فى علم النبات، وإنما حصل على ليسانس الآداب قسم الدراسات الإسلامية ولم يعرف عنه أى خبرات قانونية أو تشريعية تؤهله لتولى قيادة البرلمان سوى شخصيته الباهتة! مكتب الإرشاد وقيادة حزب الحرية والعدالة استفاضوا فى مناقشة الشخصية المناسبة لرئاسة مجلس الشعب وانتهوا إلى 3 أسماء أولها المستشار «محمود الخضيرى» المنتمى للإخوان فكريا لا تنظيميا وهو ما شكك الجماعة فى ولاءاته والسيطرة عليه حسب مبدأ السمع والطاعة فلم يترب يوما فى التنظيم، ورأت أنه من الصعب أن ينضوى تحت لوائها فى التوقيتات التى تتطلب قرارات حرجة! الاثنان الآخران هما النائبان «صبحى صالح» و«عصام العريان» واللذان تسببا بانفلات لسانهما وتصريحاتهما التصادمية فى إثارة جدل وخلافات للجماعة، وهو ما تم رفضه من جانب أحزاب النور والوفد والكرامة المتحالفة والمنسقة مع الإخوان، فجاءت الأقدار لتلقى بالمنصب الرفيع فى طريق الكتاتنى الذى يتم عامه الستين بعد 3 أشهر باعتباره مرشحا توافقيا وأقربهم إلى صيغة «شيخ العرب» فى قدرته على احتواء الخلافات، فهو كائن مائى، لا لون أو طعم له، مما يسهل مهمته من وجهة نظر الجماعة والتى استعاضت عن ضعف بنيته القانونية والتشريعية بتشكيل لجنة قانونية من داخل الجماعة تضم 3 كوادر يتعكز عليها «الكتاتنى» وتتولى تثقيفه فى اللوائح! الجماعة الآن انتهت من المهمة الأصعب فى تسكين كادرها الطيع تحت القبة وتبقى لها مهمة التخلص منهم واستيعاب «عصام العريان» الذى يرى فى نفسه أنه الأحق فى منصب الكتاتنى أو قيادة كتلة الإخوان - الأغلبية - أو حصوله على أحد مقاعد الوكيلين ومعنى عدم حصوله على أى منها أن الجماعة تجهز له منصبا وزاريا غالبا ما سيكون وزير شئون مجلسى الشعب والشورى، وبدا هذا جليا من اليوم الأول لمناقشات المجلس، حيث ظهر كضابط إيقاع وسط تجاهل تام للوزير الحالى المستشار «محمد عطية»! عموما يقف «الكتاتنى» حاليا على قمة جبل الجليد الإخوانى، وقد تدفعه مطالبات الثوار غير المنضبطة أو الواعية أن يمسك فى يده صلاحيات رئيس الجمهورية وهى كارثة بكل المقاييس أن يصبح الرجل محدود الخبرة أو الكاريزما أو الدراية بيديه شأن البلاد كلها - السلطتان التنفيذية والتشريعية - وهو ما لم يحظ به مبارك عمليا طوال 30 عاما فترة حكمه .. وإن وقع ذلك فالثوار والليبراليون يلفون بذلك الحبل على أعناقهم ولن ينتظروا من يشده، بل سيضغطون بأيديهم ليقضوا على أنفسهم! ∎∎ «الكتاتنى» صاحب تاريخ سياسى باهت، حتى داخل الجماعة لم ينتم إلى مدرستيها الدعوية أو التنظيمية بل ظل واقفا فى المنطقة الرمادية، لم يحسب له أو عليه أى موقف، مجرد شبح، ورقم خارج المعادلة