حوار: أحمد الطاهري سألناه : ∎ إذا حاولنا استكشاف وقراءة الطالع السياسى للوطن.. فى تقديرك، ما أهم السيناريوهات التى سيحملها عام 2012 لمصر فى ضوء المعطيات الكبرى التى جرت فى عام 2011 على جميع المستويات، وخاصة أننا سنبدأ العام بالانتهاء من تشكيل مجلس شعب تقول الأرقام أن أغلبيته ستكون من نصيب التيار الإسلامى؟ - لعل من المفيد النظر إلى العالم ككل، سنجد فى تقديرى أن عام 2012 عام الشئون الداخلية على المستوى العالمى أكثر من العلاقات الخارجية.. الانتخابات الأمريكية، وتغير فى قيادات الصين، أزمة داخلية فى أوروبا، احتمال إجراء انتخابات داخل الليكود الإسرائيلى، عملية مصالحة وطنية فلسطينية، ربيع عربى على مستوى العالم العربى ومصر فى قلب هذا الربيع.. كلها متغيرات لم نعتد عليها ومن ضمنها ما أشرت إليه فى السؤال وهو مجلس شعب مصرى يشترك فيه كل الأطياف بشكل معلن ورسمى دون أن يكون هناك طرف «محظور» بل الجديد حقا أن الطرف الذى كان «محظورا» أصبح منتخبا وسيكون له النصيب الأعظم من قاعدة النواب فى مجلس الشعب سواء كان ذلك للإخوان المسلمين أو للتيار الدينى السلفى.. من الصعب تقدير الموقف لأننا لم نشهد هذه الحالة قبل ذلك، إنما نستطيع أن نضع احتمالات. ∎ ما هى؟ - لو الغالبية الموجودة فى مجلس الشعب وهى غالبية إسلامية أيقنت أنها تمثل الشعب كله الآن وليس فقط من أعطاهم صوته فى الانتخابات.. ومن ثم ذهبت نحو الوسط فأعتقد أن التجربة ستكون مفيدة وستكون مثمرة ويجب أن نقيم أى تيار سياسى سواء إسلامى أو ليبرالى أو يسارى بأفعاله وليس فقط بما يعلنه من أقوال.. لأن أقواله هى مرحلة الانتخابات أما أفعاله فهى مرحلة الحكم أو الجانب التشريعى إذا كنا نتحدث عن مجلس الشعب.. ورغم أننى لم أعط صوتى للتيار الإسلامى فى الانتخابات ولكن مع هذا سأعمل على تقييمه تقييما موضوعيا وفقا لأفعاله.. ولكن عليهم أيضا وأعنى التيار الإسلامى أن يدركوا أنهم لايمثلون الرأى العام الإسلامى فقط ولكن يمثلون الآن المواطن المصرى.. باعتبار أن العضو النيابى القومى مسئوليته تشريعات وطنية لكل الوطن، إذن هى تجربة جديدة وهناك قلق من الجميع لأنها تجربة جديدة، مدى نجاحها أو فشلها يقوم على أساس الواقع والتجربة العملية. ∎ فى ضوء هذا الاهتمام التقليدى بفلسطين وفتح آفاق جديدة ربما مع حماس، هل من الوارد أن يشهد عام 2012 نقل مقر المكتب السياسى لحركة حماس من دمشق إلى القاهرة فى ظل وجود التركيبة الجديدة للبرلمان المصرى؟ - مسألة نقل مقر حماس لها جزءين.. أولهما هل سيضطر للانتقال من سوريا؟ فالوضع فى سوريا غير واضح حتى الآن، إذا لم يضطر أعتقد أنه سيظل هناك.. ثم مسألة إذا انتقل من دمشق فأين يذهب؟.. إذا كانت هناك مصالحة فلسطينية بين حماس والسلطة فلا أجد مبرراً لأن يظل مقر المكتب خارج فلسطين وحتى إذا ظل خارج فلسطين فمادام هناك احتلال، فلا أجد ما يضر من أن يكون فى مقر السفارة الفلسطينية فى أى دولة طالما أن هناك مصالحة، ولكن بدون مصالحة أعتقد أن هذه قصة أخرى.. وكل ذلك يعتمد على هل سيظل فى دمشق أم لا، ما نأمله هو مصالحة فلسطينية حقيقية وأعتقد أنها ستفيد القضية الفلسطينية وتفيد العالم العربى أجمع. ∎ وعلى ذكر لقاء جون كيرى بقيادات الإخوان، هل هذه كانت بداية الاتصال بين الإخوان وأمريكا أم كانت هناك قنوات منذ فترة خاصة أنك كنت سفيرا لمصر فى واشنطن لمدة ثمانى سنوات وكنت على قرب من بواطن الأمور؟ - الإخوان المسلمين سواء فى الماضى أو فى الحاضر أو المستقبل جزء من المعادلة السياسية المصرية.. سواء أسميناهم محظورة أو غير ذلك ففى النهاية هم جزء من المعادلة، والأطراف الأجنبية لاتسمح لنفسها بظهور تيار دون أن تكون على اتصال به.. وحسب معلوماتى أن الاتصال بين الولاياتالمتحدة وبين الإخوان المسلمين بدأ منذ الثمانينيات.. وكان على مستويات منخفضة.. وكانت هناك قنوات اتصال تقليدية بمعنى أنها لم تكن عن طريق أجهزة أمنية أو أجهزة استخباراتية ولكن كانت تتم عن طريق السفارة الأمريكية التى كانت على اتصال بكوادر الإخوان فى الثمانينيات.. وعندما دخل التيار الإسلامى الانتخابات فى 2005 وحصل على 88 مقعداً، وحتى تحت تسمية المحظورة فمن غير المنطقى ومن السذاجة أن تتصور أن جهة أجنبية لن تتصل بهم، إذن كان من الطبيعى أن تقوم السفارات الأجنبية ومن بينهم أمريكا بالاتصال المباشر مع ممثلى الإخوان فى مجلس الشعب. ∎ أعود للحديث عن السياسة الخارجية لمصر وشكلها فى 2012 وأتحدث هنا عن عملية السلام العربية الإسرائيلية والعلاقات المصرية الإسرائيلية، ما قراءتك لما ستكون عليه فى العام الجديد؟ - أعتقد أننا سنظل على موقفنا فيما يخص عملية السلام والالتزام بالحل الشامل وقيام الدولة الفلسطينية، وأعتقد أننا سنحترم اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى وإن كنت أتوقع أن نتخذ مواقف أكثر جدية وأكثر قوة حيال المخالفات والانتهاكات الإسرائيلية عندما تحدث فى الأراضى الفلسطينية. ∎ ننتقل إلى دائرة أخرى شديدة الأهمية فى قلب الدائرة العربية وهى منطقة الخليج العربى، وقبل نهاية العام تزايد الحديث عن احتمالية انضمام مصر لمجلس التعاون الخليجى وأن القاهرة على قوائم الانضمام وأشياء من هذا القبيل.. هل هذا أمر وارد الحدوث فى عام 2012؟ - السؤال جيد جدا.. ولكن أضيف إليه الملف الإيرانى.. هناك توجه عام فى مصر بأهمية فتح حوار مع إيران حتى أيضا من جانب التيار الليبرالى وليس فقط التيار الإسلامى وأنا مع هذا الأمر.. ولكن أيضا هناك تقدير وأنا أتفق أيضا معه وهو أن هناك قضايا حساسة بيننا وبين إيران يجب معالجتها.. أى أننى من المؤيدين لحوار لحل القضايا وليس حواراً لإغفال القضايا.. وهذه القضايا تتعلق بدور إيران فى الخليج ودور إيران فى العراق ولا أرى أننا أمام معادلة صفرية فى هذه القضايا، بل هناك مجال للوصول إلى تفاهمات نؤمن بها المصالح المصرية ونؤمن بها مصالح الدول العربية الصديقة ونؤمن بها أيضا المصالح الإيرانية على المدى الطويل بترتيبات معينة، وهناك قضايا أمنية يجب معالجتها وهناك أيضا ما يطرح - ليس من الجانب المصرى على وجه التحديد - عن مسألة السنة والشيعة، وهذه القضايا الكثيرة يجب أن نقوم بفتحها ونقاشها ونناقش الإيرانيين فيها خاصة أننا أصبحنا الآن دولة تتناقش فى كل شىء.. حتى فى الشائعات أيضا، فإذن كيف لانناقش قضايا مهمة. ∎ وكيف ترى هذا الأمر؟ - ما أراه أنه سيكون مؤيد للحوار ولكن سيكون لديه حساسيات تجاه إيران.. قد لا تكون لدى التيار الليبرالى المصرى ومع هذا نحترم ذلك.. وما أطرحه أن علينا الدخول فى حوار كامل والتيار الإسلامى هو تيار مصرى يجب دائما أن نحترمه ونقيمه بأفعاله.. ونحاسبه أيضا على أفعاله والتسرع بالقول بأن الإخوان والسلفيين هيترموا فى أحضان إيران أعتقد أنه كلام غير منطقى. ∎ أعود لمسألة الانضمام لمجلس التعاون الخليجى والحديث عما يسمى ب «خلجنة» مصر، كيف تنظر لهذا لأمر ومدى قابلية تحقيقه؟ - نتحدث بصراحة.. أحيانا نستمع إلى قرب خلجنة مصر بسبب صعود التيار الإسلامى، وإذا تحدثت مع الدول الخليجية يقولون إنهم ليسوا مرتاحين لصعود الإخوان فى مصر.. ودعنا نفرق بين ما يسمى بخلجنة مصر.. وما يسمى بالوهابية.. فهناك اختلاف بين الأمرين وكذلك أن صعود الإخوان يعنى الاقتراب من الخليج.. العملية أعقد من ذلك ولكن الخطاب الدينى سيرتفع فى مصر وفى المغرب وفى تونس وفى سوريا أيضا.. ولكن هل هذا الخطاب متسق مع بعضه البعض؟ وهل بالضرورة متسق مع الخطاب الدينى فى الخليج؟ المشترك فى الأمرين أنه خطاب دينى على حساب خطاب قومى ما نأمل ونتطلع إليه أن نجد خطابا قومياً فيه مرجعية دينية.. فإذا نظرنا إلى الأحزاب الدينية الأوروبية نجد أنها أحزاب سياسية ولكنها ذات مرجعية دينية أى أنها ليست أحزاباً تنويرية إذا وصلنا إلى ذلك فلا أجد أى مشكلة. ∎ ما رأيك فى التحليلات التى تقول إن الدبلوماسية المصرية لم تتمكن على مدار العام الماضى من الاستفادة من الواقع الاستراتيجى الذى خلقته ثورة الشعب المصرى فى المنطقة وأن أطرافاً أخرى استطاعت أن تستغل هذا الواقع وحققت مكاسب إقليمية لصالحها وفى مقدمة هؤلاء تركيا وقطر؟ - أولا.. نحن فى مرحلة مخاض وهناك فارق بين من هو فى خضم العملية ومشغول بها وبين المتواجد على الأطراف وينتهز الفرصة، الشىء الآخر وبدون دبلوماسية.. مصر استفادت، الثورة أعادت للمصرى كرامته داخليا ومكانته خارجيا.. وهذا الكلام ليس شعارات.. أنا رجل متمرس فى القضايا العامة وعملت 37 سنة فى الدبلوماسية المصرية.. وأذكر أننى بعد الثورة بأسبوعين دعيت إلى مؤتمر دولى بصفتى الشخصية وكان يضم نحو 120 خبيراً على مستوى العالم فى مسائل نزع السلاح.. وفى لحظة دخولى المؤتمر رفعت مندوبة فرنسا نقطة نظام وطلبت رفع الجلسة واستغرب رئيس المؤتمر فقالت: «نبيل فهمى» - واهتمامها هنا ليس بشخصى ولكن بكونى خبيراً مصرياً - قد حضر ونحن نريد أن نعرف ونستمع منه عما يحدث فى مصر، كيف حدث هذا وكيف تلاحم الشعب تحت هدف واحد. ∎ وهل هذه النظرة اختلفت الآن؟ - مكانتك هذه طوال فبراير ومارس وأبريل كانت تسير بإيجابية شديدة لأن العالم رأى تجربة مبشرة.. بعد ذلك وفى الأشهر القليلة الأخيرة ومن منتصف الصيف مع غياب خريطة طريق واضحة وجدنا أن العالم ينظر إلى مصر بانبهار ولكن بقلق.. نعم مازال ينظر لك بمكانة مختلفة ولكن هناك قلق.. مازال التعويل على مصر أنها ستخلق مناخا جديدا فى الشرق الأوسط ولكن هناك استغراب مما يحدث وفى تقديرى أن الثورات لاتنتهى فى 6 أشهر.. ولكن المؤكد أيضا أن النظرة الآن تجاوزت النظرة القديمة التى كانت تراها دولة تاريخية أو تحافظ على الوضع فى الشرق الأوسط.. ولكنها الآن دولة فتية لها تاريخ عميق تؤثر فى مستقبل المنطقة بإيجابياته وسلبياته وهذا منبع قلق العالم. ∎ أعيد السؤال بطريقة أخرى، هل تمكنت الخارجية المصرية بآلياتها المتاحة من استغلال ثورة يناير والاستفادة منها؟ - أنا تعمدت فى إجابتى عدم التعرض لهذا الأمر.. ولكن دعنا نتحدث بصراحة: لم تمض سوى عشرة أشهر وحتى تغير سياسات من حيث الأدوات تحتاج لوقت أطول من ذلك.. وفى العشرة أشهر كان هناك 4 وزراء للخارجية جاءوا مع ثلاث حكومات وثلاثة رؤساء للوزراء.. أى أنك مرتبك داخليا.. حددت أن أولوياتك دول حوض النيل وإنما عمليا تركيزك داخلى وليس من العدل أو الواقعية أن نتصور أن تتغير السياسة الخارجية من حيث الآليات ونحن فى مخاض الثورة.. ولكن ستغيرها من حيث مكانتك فى العالم الخارجى وهو ما حدث فالثورة رفعت من المكانة المصرية.. وهذا ليس دفاعا عن مؤسستى ولكن هذه مؤسسة وطنية وعلى مدار تاريخها لها مواقفها وهى مؤسسة غير حزبية ومن ثم تعمل فى إطار وضوح الرؤية ودعنا نتحدث بصراحة الكل مهتم بالملف الداخلى وإدارة الملف الخارجى هذا العام كانت إدارة أزمات. ∎ وهل نجحنا فى إدارة الأزمات؟ - إلى حد كبير.. يعنى لم تدخل فى أزمة جديدة ربما لحسن إدارتك وأيضا لتريث الآخرين بعض الشىء وانتظاره للوضع الداخلى.. كما ذكرت فإن عام 2011 لم يكن عام الشئون الخارجية وأيضا عام 2012 أراه كذلك حتى على مستوى العالم. ∎ سعادة السفير.. بدون دبلوماسية لماذا مصر ليست تونس ولماذا تباعدت الثورتان فى خطواتهما؟ - لأننا لم نختر الطريق السليم.. تونس اختارت طريقا منطقيا.. انتخبوا رئيسا مؤقتا وانتخبوا لجنة تأسيسية تضع الدستور وأجلوا الانتخابات البرلمانية. ∎ هل ما نعيشه مرجعه سوء إدارة أم ارتفاع فى الحمية الثورية أم وجود ما يسمى بالطرف الثالث والمخطط الذى يستهدف الدولة؟ - مبدئيا مصر عمرها سبعة آلاف سنة.. ولطالما كانت هناك مؤامرات.. ولطالما كان هناك أطراف ثالثة وأطراف رابعة وأطراف خامسة خارجية وداخلية، لا جديد فى هذا الأمر ودائما مربط الفرس هو البنيان الداخلى وصلابته وعدم تفتيته.. ثانيا إن تحميل الموضوع كله على طرف ثالث معناه أنه لا تأثير لنا على مستقبلنا وتفاصيلنا.. ثالثا إذا كان هناك طرف ثالث عليك أن تقوم بإعلانه وإذا لم تستطع يكون عليك عدم الحديث عن وجود طرف ثالث.. أنا مؤمن بأن هذه الثورة ثورة مصرية ومؤمن أيضا أنه لطالما كانت هناك مؤامرات وستظل موجودة وستكون أيضا فى المستقبل ولم أر أى دليل مادى واحد بأن هذه الثورة المصرية كانت بدعم خارجى ملموس.. ما بعد الثورة حدث تفتت سياسى وبدأت حسابات جيل على جيل وسياسى انتهازى على حساب الثوار والثوار حتى الآن لم ينتقلوا من الثورة فى الشارع إلى الثورة الفكرية إلى الثورة الحزبية السياسية وهنا أدعو شباب الثورة إلى استعادة زمام الحراك السياسى بالتركيز على القضايا الرئيسية العامة والتى رفعوها فى بداية الثورة وهى الحرية والعدالة الاجتماعية فبقدر احترامى وتأييدى للتظاهر والاعتصام ولكن عليهم التمسك بالقضايا التى تجمع المجتمع والتى تحظى باهتمام واسع حتى لا يرهق المجتمع فى مليونيات غير مجدية ويشتت التركيز فى قضايا فرعية. وكذلك هناك أطراف خارجية وجدت عملية انتخابية تنافسية، فربما دخلت لدعم هذا أو ذاك.. كل هذا موجود وكل دليل مادى يجب أن يعلن، فى بلد مثل أمريكا إذا تلقى مرشح أموالاً من الخارج يتم إيداعه فى السجن.