رئيس «دينية الشيوخ»: تجديد الخطاب الديني على رأس الأولويات    جامعة بنها تطلق برنامجًا جديدًا لتصميم وصناعة الحُلي والمجوهرات بالعبور    البابا تواضروس يتلقى تقارير رسمية عن الخدمة الروحية في أيرلندا وقبرص ولندن (صور)    معهد علوم البحار يوقع اتفاقيات تعاون مع جهات بحثية برتغالية لتعزيز الاقتصاد الأزرق    ترامب يلمح إلى زيارة محتملة للرئيس الصيني إلى أمريكا    فتح: نرفض حكم الفصائل لغزة.. وعلى حماس القدوم لباب الوحدة الوطنية    "القاهرة الإخبارية": 400 شاحنة مساعدات إنسانية تتحرك من مصر نحو غزة    علي ماهر يعلن تشكبل سيراميكا لمواجهة كهرباء الإسماعيلية في الدوري    بمشاركة الأهلي والزمالك.. مواعيد مباريات السوبر المصري لكرة اليد    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تلويح فتاة لشخص بإشارة خادشة في المترو    «برودة وشبورة».. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الاثنين 27-10-2025 وتوقعات درجات الحرارة    أموال المخدرات.. حبس المتهم بقتل زوجته بتعذيبها وصعقها بالكهرباء في الإسكندرية    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقى طلبات الأعضاء الراغبين فى أداء فريضة الحج    تأجيل محاكمة 6 متهمين بخلية داعش المعادي لجلسة 15 ديسمبر    محمد سلام يتصدر محرك البحث "جوجل" بعد مشاركته فى احتفالية "وطن السلام"    «بينشروا البهجة والتفاؤل».. 3 أبراج الأكثر سعادة    وزير الثقافة: نولي اهتماما كبيرا بتطوير أكاديمية الفنون ودعم طلابها    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    وزير الصحة يتفقد مجمع السويس الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    مساعد وزير الثقافة يفتتح مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    مدير الكرة بالزمالك يحذر شيكو بانزا من إثارة غضب الجماهير    القاهرة الإخبارية: اشتباكات في الفاشر بعد إعلان "الدعم السريع" السيطرة على الفرقة السادسة    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الحضور الرسميون فى مئوية روزاليوسف    الشوربجى: الصحافة القومية تسير على الطريق الصحيح    نائب محافظ المنوفية يتابع نسب إنجاز منظومة تقنين الأراضي أملاك الدولة    البديوي: احتفالية "وطن السلام" درس للأجيال الجديدة ورسالة من قلب العاصمة الإدارية    الرئيس الفلسطيني يصدر قرارًا بتولي نائبه رئاسة فلسطين حال خلو منصب الرئيس    دخول الدفعة الثانية من المعدات الثقيلة من معبر رفح في طريقها إلى قطاع غزة    وزيرا الخارجية والعمل يناقشان الهجرة والعمالة المصرية بالخارج    القومي للترجمة يقيم صالون «الترجمة وتحديات التقنية الحديثة» في دورته الأولى    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    وزير العمل: إجازة للقطاع الخاص بمناسبة افتتاح المتحف الكبير.. السبت    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مايوركا وليفانتي بالدوري الإسباني    محافظ الجيزة: صيانة شاملة للمسطحات الخضراء والأشجار والمزروعات بمحيط المتحف المصري الكبير    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    خاص| إجراءات قانونية ضد مدرسة خاصة استضافت مرشحة لعرض برنامجها الانتخابي في قنا    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    الرياضية: اتحاد جدة يجهز لمعسكر خارجي مطول في فترة توقف كأس العرب    وزير المالية: «بنشتغل عند الناس.. وهدفنا تحسين حياتهم للأفضل»    وزارة الصحة تختتم البرنامج التدريبى لفرق الاستجابة السريعة لطوارئ الصحة    محافظ المنوفية يقرر استبعاد مدير مستشفى سرس الليان وإحالة 84 عاملا للتحقيق    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم 26 اكتوبر وأذكار الصباح    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    بحفل كامل العدد.. صابر الرباعي وسوما يقدمان ليلة طربية في ختام مهرجان الموسيقى العربية    مسئول أمريكي: الولايات المتحدة والصين تعملان على التفاصيل النهائية لاتفاق تجاري    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    بوتين: قوات الردع النووي الروسية في أعلى مستوى وتتفوق على الدول النووية الأخرى    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    أمير قطر: لقائي مع الرئيس ترامب كان فرصة طيبة لمناقشة خطط السلام في الشرق الأوسط    مواقيت الصلوات الخمس في مطروح اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأميرة الصارخة» تبوح بأسرارها

يُعتبر عالمُ مومياوات الفراعنة من الأشياء المثيرة فى دنيا العالم، وكذلك يجذب خيال الناس فى كل مكان من العالم. وساعدت السينما الأمريكية فى هوليوود فى إعجاب العالم بعالم الفراعنة ومومياواتهم الساحرة ذات الأسرار المثيرة.. أحد هذه الأسرار ظلت «مومياء المرأة الصارخة» تحتفظ به حتى وقت قريب، فما حقيقة قصتها وكيف ماتت؟ ولماذا تم حفظها بشكل مُختلف لم نرَه من قبل؟ وهل لاقت «مومياء المرأة الصارخة» نفس مصير «بنتاورت» فتم عقابها بالموت ولم تُحَنط بالطريقة المَلكية كباقى الأميرات؟
لحل هذا اللغز قام الدكتور زاهى حواس والدكتورة سحر سليم أستاذ الأشعة بجامعة القاهرة بدراسة «مومياء المرأة الصارخة» وفحصها على جهاز الأشعة المقطعية «سيمنز» الموجود فى المتحف المصرى بالقاهرة، وأخيرًا تمكنا من حل لغز مومياء الأميرة التى تم اكتشافها فى الخبيئة المَلكية فى منطقة الدير البحرى بالبَرّ الغربى لمدينة الأقصر الشهيرة بآثارها الجميلة.
نشر العالمان نتائج بحثهما فى دراسة بإحدى المجلات العلمية الدولية، إذْ كشف جهاز الأشعة المقطعية عن وجود تصلب شديد فى شرايين القلب التاجية أدى إلى موت الأميرة المصرية فجأة بنوبة قلبية، ولقد حفاظ التحنيط المصرى القديم على وضعية الجسد لحظة الوفاة لقرابة الثلاثة آلاف عام. وهذه هى القصة كاملة.
فى عام 1881م تم اكتشاف خبيئة الدير البحرى المَلكية فى الأقصر؛ حيث قام كهنة الأسرتين 21 و22 بإخفاء أعضاء مَلكيين من أسر سابقة لحمايتهم من لصوص القبور.
احتوت خبيئة الدير البحرى المَلكية على «مومياء الرجل الصارخ» التى أثبتت الدراسات الحديثة بالأشعة المقطعية وال«DNA» التى قام بإجرائها الدكتور زاهى حواس والفريق العلمى للمشروع المصرى لدراسة المومياوات المَلكية المصرية على أن «مومياء الرجل الصارخ» هو الأمير «بنتاورت»، ابن الملك رمسيس الثالث، الذى أُجبر على الانتحار شنقًا عقابًا له على تورطه فى قتل أبيه الملك رمسيس الثالث فيما يُعرف بمؤامرة الحريم. وتم عقاب الابن القاتل بعدم تحنيط جثته ولف جسده بجلد الغنم، ما يشير إلى أنه اُعتبِرَ «نَجِسًا»، وليكون مصيرُه الجحيم فى الآخرة. فى الوقت الذى كانت فيه المومياوات الأخرى ملفوفةً بالكِتَّان الأبيض ومُحنَّطةً بعناية.
احتوت الخبيئة المَلكية نفسها فى الدير البحرى على مومياء لامرأة تَظهر على وجهها علامات الرعب والألم والصراخ وعُرفت ب «مومياء المرأة الصارخة»؛ لأن رأسَها يميل إلى الجانب الأيمن وتنثى ساقاها وتلتف عند الكاحل فى الوقت الذى كانت فيه المومياوات الأخرى مُغلقة الفم ومستلقية ومستقيمة الجسد.
مَن هى الأميرة صاحبة المومياء الصارخة؟
تشير الكتابات باللغة الهيراطيقية على لفائف الكتان حول مومياء المرأة الصارخة إلى أنها: «الابنة المَلكية، الأخت المَلكية ميريت آمون». ومع ذلك، اعتبرت المومياء غير معروفة فسُميت ب «مومياء المرأة غير المعروفة إيه»، إذْ إن هناك العديد من الأميرات بالاسم نفسه؛ فعلى سبيل المثال «ميريت آمون»، ابنة الملك سقنن رع من نهاية الأسرة السابعة عشرة (1558-1553 قبل الميلاد)، وكذلك الأميرة «ميريت آمون» ابنة نجم الأرض الملك رمسيس الثانى (1279-1213 قبل الميلاد) من الأسرة التاسعة عشرة.
وتشير نتائج تصوير الأشعة المقطعية التى أجراها الدكتور زاهى حواس والدكتورة سحر سليم إلى أن مومياء المرأة الصارخة كانت لسيدة ماتت فى العقد السادس من العمر وأن جسدها، وعلى العكس من بنتاورت، قد نال عناية بالغة من المحنطين الذين أزالوا الأحشاء ووضعوا موادَّ باهظة الثمَن مثل الراتنج والحنوط المعطرة فى تجويف الجسم واستخدموا الكتان الطاهر فى لف المومياء. وبالتالى فإن ظروف وفاة «مومياء المرأة غير المعروفة إيه» كانت مختلفة عن حالة بنتاورت المعروف ب «مومياء الرجل الصارخ». فلماذا لم يتمكن المحنطون من وضع جسد الأميرة فى حالة الاستلقاء، ولماذا لم يتمكنوا من تأمين غلق الفم كما كان الوضع المعتاد مع باقى المومياوات المصرية القديمة؟ ما حدث ومنع المحنطين من إتمام مهمتهم المقدسة؟!
تشير نتائج التصوير المقطعى المحوسب إلى أن «مومياء المرأة غير المعروفة إيه» كانت مصابة بمرض تصلب الشرايين شديد الدرجة الذى أصاب العديد من شرايين الجسد. ومن المعروف أن مرض تصلب الشرايين هو مرض تنكسى يصيب جدار الشرايين بشكل تدريجى ما يؤدى إلى ضيق فى تجويف الوعاء الدموى وانسداده. ويتم تحديد أماكن تصلب الشرايين فى فحص الأشعة المقطعية كمناطق عالية التكلس داخل جدران الشرايين التى يمكن التعرف عليها حسب مكان الشريان. وأسفرت الدراسات السابقة التى قام بها العالمان المصريان الدكتور زاهى حواس والدكتورة سحر سليم على المومياوات المَلكية المصرية القديمة عن وجود تصلب الشرايين فى البعض منها.
ولقد عَرف الطب المصرى القديم «النوبة القلبية» وربطها بالموت. فوصفت بردية الطب المصرى القديم المعروفة ب«إيبرس» مخاطبة الطبيب منذ أكثر من 3500 سنة: «عندما تفحص رجلًا يعانى من آلام فى معدته، ويعانى من آلام فى ذراعه وصدره فهذا هو مرض «واد» (المرادف للنوبة القلبية)، ويجب أن تقول له إن الموت يقترب منه». وأثبت فحص الأشعة المقطعية ل«مومياء المرأة غير المعروفة إيه» الذى قام به الدكتور زاهى حواس والدكتورة سحر سليم أنها عانت من تصلب فى شرايين القلب التاجية اليُمنى واليُسرى وكذلك شرايين الرقبة وشريان الأبهر البطنى والحرقفى وكذلك شرايين الطرفين السفليين والساقين.
وأثبت العديد من الدراسات السريرية فى الوقت الحاضر أن مرض تصلب الشريان التاجى للقلب يُعد السبب الرئيسى للوفاة المفاجئة لدى البالغين. ويوصى الطب الحديث فى مثل هذه الحالة الطبية الخطيرة المماثلة لحالة «مومياء المرأة الصارخة» بإعطاء الأدوية التى تذيب جلطات الأوعية الدموية وربما يوصى أيضًا بقسطرة قلبية؛ وذلك لمنع أو الحد من تلف عضلة القلب. وتفترض الدراسة التى أجراها دكتور زاهى حواس ودكتورة سحر سليم أن جلطة الأوعية التاجية ل«مومياء المرأة غير المعروفة إيه» سبّبت تلف عضلة القلب ما أدى إلى موتها الفجائى.
وتفترض هذه الدراسة أن الأميرة ماتت فجأة بنوبة قلبية وهى على وضع الجسد الحالى وساقاها مثنيان وملتفان عند الكاحل. وتسبّب الموت فى ميل الرأس إلى الجانب الأيمن وارتخاء عضلات الفك ما أدى إلى فتح الفم. وتشير الدلائل أن الأميرة الراحلة ظلت لفترة كافية لعدة ساعات على هذه الوضعية قبل أن يتم اكتشاف وفاة الجسد، فأدى التشنج الذى يعقب الموت إلى تيبس العضلات والمفاصل وإبقاء مومياء الأميرة على وضعية الوفاة هذه، فلم يتمكن المحنطون من تأمين إغلاق الفم أو وضع الجسد فى حالة الاستلقاء، كما كان الوضع المعتاد مع باقى المومياوات المصرية القديمة. ويبدو أنه لم يهمل المحنطون عملهم عن عمد ولكن ظروف الوفاة أدت لوضعية المومياء هذه غير المعتادة فى مصر القديمة. وأظهرت صور فحص الأشعة المقطعية أن المحنطين لم يستخرجوا مخ المومياء؛ حيث لايزال يُرَى المُخ بداخل تجويف الجمجمة ولكنه يميل إلى الجانب الأيمن؛ وذلك لوضعية الجسد على هذا الجانب عند الموت وبعد التحنيط. وساعدت الدراسات السابقة التى قام بها دكتور زاهى حواس ودكتور سحر سليم على المومياوات المصرية المَلكية باستخدام الأشعة المقطعية على تحديد ملامح التحنيط فى الأسر المختلفة.
وتُرجّح هذه الدراسة من خلال ملاحظة خصائص طريقة تحنيط «مومياء المرأة الصارخة»، مثل عدم استخراج المخ، أنها قد تكون الأميرة «ميريت آمون»، ابنة الملك سقنن رع من نهاية الأسرة السابعة عشرة 1558- 1553 قبل الميلاد، وليست الأميرة «ميريت آمون» ابنة نجم الأرض الملك رمسيس الثانى (1213-1279 قبل الميلاد) من الأسرة التاسعة عشرة.
وسيستكمل العالم الجليل الدكتور زاهى حواس مع العالمة المتميزة دكتورة سحر سليم وبقية الفريق العلمى مشروع المومياوات المصرية وعمل فحوصات ال«دى إن إيه» على مومياء المرأة الصارخة حتى تتم المساعدة على تأكيد هويتها.
وتؤكد هذه الدراسة التى قام بها العالم الشهير الدكتور زاهى حواس والعالمة المتميزة الدكتورة سحر سليم عن مدى عظمة إبداع العقلية المصرية والأداء المصرى فى مجال فحص المومياوات المصرية القديمة، الذى كان حكرًا على الأجانب، لكن بفضل الله اقتحم علماؤنا المصريون الأفاضل هذا المجال، وحققوا فيه نجاحات مذهلة وغيّروا الكثير من معلوماتنا التاريخية الثابتة عن الفراعنة ومومياوات الفراعنة وأسرار حياتهم وأسباب موتهم وشجرة عائلاتهم.
هذه هى مصر الفرعونية التى أثارت ولاتزال تثير خيالنا قديمًا وحديثًا وعبر العصور. فتَحية حب وتقدير لعلمائنا الأفاضل ولمومياوات الفراعنة وعالمهم الساحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.