تتعالى الأصوات داخل الإدارة والمجتمع الأمريكى، لكبح جماح شركة «فيس بوك»، بعد كشف سلسلة من الفضائح لطخت سمعة عملاق السوشيال ميديا، فيما يتعلق بقضايا الحفاظ على خصوصية بيانات المستخدمين والهيمنة على السوق، ويتزامن ذلك مع انتقادات للشركة من عدة دول بخصوص اختراق بيانات مواطنيها ونشر الأخبار الكاذبة ونشر خطاب الكراهية والإرهاب. وفى هذا التقرير، نرصد أهم مراحل التصعيد فى الحرب العالمية التى تشن فى الوقت الراهن على أكبر شركة للتواصل الاجتماعى فى العالم، فضلا عن تأثير هذه الحرب على سلوك هذه الشركة خلال الفترة المقبلة. حرب داخلية بدأت الحرب على فيس بوك داخل الولاياتالمتحدة، منذ انطلاق الحملة الرئاسية لترشح دونالد ترامب لرئاسة الولاياتالمتحدة، غير أن الحرب أصبحت واقعا ملموسا منذ بداية العام الماضى، عقب فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية، حيث قام مكتب التجارة الفيدرالى الأمريكى بالتحقيق فى المخالفات التى ارتكبها موقع فيس بوك بحق بيانات عشرات الملايين من المستخدمين فى أمريكا. الحرب دخلت مرحلة التصعيد خلال الأيام الأخيرة، بعد تزايد دعاوى من المتخصصين فى مجال شركات التكنولوجيا، لكبح جماح فيس بوك، ففى مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الأسبوع الماضى، دعا الشريك المؤسس لفيس بوك كريس هيوز، إلى تقسيم فيسبوك لثلاث شركات منفصلة، معتبرا أن نفوذ الشركة ومديرها التنفيذى مارك زوكربيرج، لم يسبق لهما مثيل فى الولاياتالمتحدة، وهو ما يتنافى مع قيم المجتمع الأمريكى الذى يرفض الاحتكار. ورفضت فيسبوك دعوة هيوز لجعل واتس آب وإنستجرام شركتين منفصلتين، متعللة أنه بدلا من ذلك فإنها ستركز على تنظيم الإنترنت، ولفتت أن محاسبة شركات التكنولوجيا لا يمكن أن يجرى عبر التقسيم، ولكن عبر استحداث قواعد جديدة للإنترنت. وتأتى المطالب بعد استحواذ فيس بوك التى لديها أكثر من 2مليار مستخدم، على مواقع ماسنجر وانستجرام وواتس آب، والتى يستخدمها أكثر من مليار عميل حول العالم. وقبل دعوة كريس، دعا بريان أكتون، أحد مؤسسى تطبيق «واتس آب»، فى مارس الماضى، مستخدمى فيسبوك إلى حذف التطبيق، والتوقف عن استخدامه، بعد خمس سنوات من بيع واتساب إلى فيس بوك مقابل 19 مليار دولار ، قال إنه وزميله المؤسس جان كوم ضاقا ذرعا بممارسات فيس بوك بشأن بيع بيانات المستخدمين، وفكرا فى مواصلة ما اعتادا على فعله، لكن بإدخال وسيلة لتنويع الإيرادات. وكان أكتون يريد الاستمرار فى فرض رسوم بسيطة على مستخدمى تطبيق واتساب، مثلما فعلت الشركة فى أيامها الأولى، فى إطار رؤيته لطرح بديل مادى عن إعلانات فيس بوك التى تحلل بيانات المستخدمين وتقدمها للمعلنين، معربا أنه كان يأمل هو وجان كوم، فى أن تتحقق غايتهما من دون اختراق خصوصية وأمن المستخدمين، على عكس فيس بوك، وهذا ما جعله يدعو المستخدمين إلى حذف التطبيق. قضية الاحتكار وبالتزامن مع الدعواى، حث بعض المشرعين الأمريكيين فى الكونجرس، على التحرك نحو تقسيم شركات التكنولوجيا الكبيرة خاصة فيسبوك وجوجل ووضع قواعد تنظيمية اتحادية لحماية الخصوصية، حيث قال ريتشارد بلومنتال العضو الديمقراطى بمجلس الشيوخ الأمريكى، إنه يعتقد أن فيسبوك يجب تقسيمها كما يجب على قسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل بدء تحقيق معها. وكان عضو الكونجرس البارز ليندسى جراهام، أول من أثار قضية احتكار فيس بوك لسوق التواصل الاجتماعى، أثناء الاستماع لشهادة مارك زوكربيرج فى فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية العام الماضى، عندما سأل جراهام مارك عن أن كان هناك منافسون للشركة فى السوق ولم يستطع مؤسس فيس بوك الرد عليه بإجابة مقنعة، كما انضم ديفيد سيسيلين رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار بمجلس النواب للدعوات، وطالب فى مقالة بصحيفة نيويورك تايمز لجنة التجارة الفيدرالية FTC للتحقيق مع فيس بوك بشأن انتهاكات لمكافحة الاحتكار. وقال «سيسيلين» إن الشبكة الاجتماعية لم تستغل قوتها فى جمع البيانات ومشاركتها من خلال وسائل مشكوك فيها، بل حاولت «إعاقة» المشرفين و«تشويه» النقاد، عبر الانخراط فى حملات الإنكار والاعتذار، التى لم تحقق شيئا، متهما فيس بوك بخنق الابتكار، إذ اشترى شركات ناشئة واعدة مثل tbh لإغلاقها، وحظر تطبيق Vine لمنع خدمة الفيديو على تويتر من تحقيق مكاسب. ويعد قانون «شيرمان أنتى ترست» الذى صدر فى عام 1890، القانون الذى يكافح الاحتكار والذى إن طبق على فيس بوك سيجعلها تنقسم إلى عدة شركات، فالشركة تعد محتكرة للسوق وفقا لآراء كثير من المراقيبين، الذين يؤكدون أن القانون معطل منذ عقدين من الزمن بسبب سطوة الشركات العملاقة على السياسة. حرب خارجية بجانب الحملات والقضايا الداخلية التى تواجه «فيسبوك» فى الولاياتالمتحدة، فإنها تواجه حربا فى الخارج، فالشركة تخضع لتدقيق من هيئات تنظيمية حول العالم حول ممارسات تبادل البيانات وخطاب الكراهية ونشر معلومات خاطئة على شبكاتها. ففى روسيا بدأت هيئة الرقابة وحماية حقوق المستهلك، تحقيقات تتعلق بأعمال الشركة، حيث رأت الهيئة أن الشركة لم تمتثل للقوانين الروسية ولم تقدم أجوبة كافية لها فيما يتعلق بعملهما فى البلاد، والتزامها بقواعد حماية البيانات. وطالبت الهيئة الروسية، فى ديسمبر الماضى فيس بوك، بتقديم معلومات دقيقة عن طبيعة عملهما، وترخيص قواعد بيانات جديدة لها على الأراضى الروسية، لحفظ بيانات المستخدمين الروس فيها. وفى فرنسا، التقى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بمارك زوكربيرج قبل أيام، للاتفاق على قواعد جديدة لتنظيم الانترنت، وبحث كيفية التوازن بين طريقة التعبير والسلامة والخصوصية ونقل البيانات، لمنع التدخل فى الانتخابات، وعقب المقابلة حذفت فيس بوك عددا من الحسابات الإيطالية من على منصتها بحجة أنها زائفة، وذلك قبل انتخابات البرلمان الأوروبى المقررة فى وقت لاحق هذا الشهر. أما ألمانيا فكانت أول دولة تدين فيس بوك بممارسة الاحتكار فى فبراير الماضى، بعدما خلص تحقيق للمكتب الاتحادى لمكافحة الاحتكار الألمانى، إلى استغلال فيس بوك لسيطرتها على سوق السوشيال ميديا وجمع معلومات عن مستخدمين لتطبيقات واتس آب وتليجرام دون علمهم، وطلبت هيئة تنظيم المنافسة فى ألمانيا من فيسبوك التوقف عن جمع بيانات المستخدمين دون موافقة المستخدم المبدئية. واعتبر الحكم ضد الفيسبوك حكما محوريا، نظرا لأنه سيؤثر على قرارات الجهات التنظيمية فى البلدان الأخرى، بشأن الممارسات الخاطئة للشبكة، لاسيما أن الحكم صدر بعد تحقيق استمر لمدة 3 سنوات، فعقب الحكم بأيام، وصف البرلمان البريطانى فى تقرير رسمى موقع التواصل الاجتماعى بالعصابة الرقمية، متهما فيسبوك بانتهاك خصوصية المستخدمين والمتاجرة ببياناتهم. سلسلة فضائح منذ الإعلان عن فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية للاستشارات، وتسريب فيسبوك بيانات شخصية لنحو 87 مليون أمريكى بهدف التأثير فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ولا تتوقف سلسلة الفضائح التى كشفت ممارسات فيس بوك، ففى 20 مارس وقعت فضيحة جديدة للشركة، بعدما تم الكشف عن أن موظفى الشركة لديهم إمكانية الوصول إلى الملايين من كلمات مرور لمستخدمى الموقع، وذلك بعد أن كشف تقرير صادر عن صحفى الأمن السيبرانى، برايان كريبس، أن «فيسبوك» خزنت مئات الملايين من كلمات مرور الحسابات دون تشفير، بما يمكن رؤيتها كنص عادى من قبل عشرات الآلاف من موظفى الشركة. وذكر التقرير أن المعلومات كشفت من خلال موظف كبير من داخل «فيس بوك» كان على دراية بالتحقيقات الجارية، وقبلها بأقل من أسبوع ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المدعين الفيدراليين يجرون تحقيقًا جنائيًا فى صفقات بيانات «فيسبوك» مع كبرى شركات تصنيع الإلكترونيات. كشفت الصحيفة، أن هيئة محلفين كبرى فى نيويورك استدعت معلومات من شركتين على الأقل تشتهران بتصنيع هواتف ذكية وأجهزة أخرى لم تسمهما، مشيرة إلى أن الشركتين كانت لديهما شراكات مع بيانات «فيسبوك»، ما أتاح لهما الوصول إلى المعلومات الشخصية لمئات الملايين من المستخدمين. خسائر فادحة كان للفضائح المتتالية أثر بالغ فى تكبد سهم الشركة خسائر فادحة، حيث خسر سعر السهم نحو 18% من قيمته خلال ال12 شهرا الماضية، وفقد رأس المال السوقى للشركة نحو 100 مليار دولار، مسجلا 518 مليار دولار، وهو ما جعله يبتعد كثيرا عن منافسة عمالقة التكنولوجيا أمازون وآبل وجوجل. بالإضافة على نتائج الأعمال السلبية التى حققتها الشركة فى العام الأخير، فإن الشركة تتوقع أن تدفع ما بين 3 إلى 5 مليارت دولار، كغرامة لمكتب التجارة الفيدرالى الأمريكى، بسبب تهمة انتهاك خصوصية المستخدمين فى قضية شركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية، وهو ما يعمق الخسائر الخاصة بالشركة خاصة فى ظل التراجع الكبير الذى تشهده البورصة الأمريكية. ويبدو أن التحركات العالمية لكبح جماح الشركة، التى طالما اتهمت باختراق بيانات المستخدمين والمتاجرة بها لن تتوقف، بعد الاتهامات السابقة لها بدعم الإرهاب والجماعات المتطرفة على حساب مؤسسات الدول الوطنية، وكأنها تكتب سيناريو بداية النهاية للنفوذ غير الطبيعى لهذه الشركات، وأمام مشهد جديد سيتشكل لمواقع التواصل الاجتماعى فى العالم.