على مدار العام الماضى حتى الآن، تشهد الساحة الإعلامية المصرية عدة محطات مهمة وغير مسبوقة، وتطرح تساؤلات شتى عن مصير العاملين بمجال الإعلام المرئى، بل القطاع كله. فى الوقت الذى تشتعل فيه أزمات «غريبة» داخل القطاع والقنوات الفضائية والتى تسفر دومًا إما عن إغلاقها أو دمجها مع مجموعة قنوات أخرى يبقى المشاهد المصرى حائرًا وهو ممسك ب«ريموت» التلفاز ويقلب بين القنوات، فيرى إما أن مذيعه المفضل قد انتقل لقناة أخرى، أو اختفى بشكل مفاجئ، أو أن برنامجه الذى اعتاد متابعته منذ سنوات قد انتهى للأبد، أو أن القناة التى لطالما اعتاد الجلوس أمامها وتلقى أخباره منها قد أوقفت بثها. فلا يبقى أمام المشاهد الحريص على متابعة أخبار بلده إلا خيارات محدودة، فإما أن يتملكه الشتات واليأس من إعلامنا ويركن إلى وسائل الإعلام العالمية، وبالتالى يعرض نفسه لأن يكون فريسة للقنوات المشبوهة التى لا تتوانى عن التحريض ضد مصر والتطاول على شعبها، فضلًا عن بث الأكاذيب والفتن تلبيةً لأغراض الدول التى تمولها. أو قد يتساءل عن كواليس ما يحدث وراء الشاشة الصغيرة التى لطالما كانت ملجأه الثانى بعد الجرائد والمواقع الإلكترونية، لمعرفة الخبر وتدارك ما يحدث على الساحة المصرية بصورة متواصلة. يوم السبت 28 يوليو تفاجأ المصريون بأن شركة «إعلام المصريين»، المالكة لشبكة قنوات «أون»، أوقفت بث قناة «أون لايف»، وإطلاق قناة «أون سبورت 2»، وذلك فى إطار ما اعتبرته إعادة هيكلة القنوات التابعة للمجموعة، لتندلع حالة من الجدل والارتباك بين أبناء القناة التى ظلت على مدار 7 سنوات أحد أهم المنابر الإعلامية فى الشرق الأوسط وليست مصر فقط. وأصبح مصير أكثر من 80 شخصًا من معد ومحرر فنى وعامل، فى طى المجهول، فلم يصدر من جانب الشركة أو رئيسها «تامر مرسى» بيان يحدد مصير هؤلاء وحقوقهم المالية ورواتبهم ومستحقاتهم عن السنوات التى عملوا بها فى القناة. جاء ذلك بالتزامن مع تردد أنباء عن أن قناة «DMC sports» سوف يتم دمجها مع «أون سبورت 2»، وقد عزز من تلك الفرضية أمران: الأول هو رحيل الإعلامى الرياضى «إبراهيم فايق» عن «DMC»، وانطلاق قناة «بيراميدز»، والتى ستضم كوكبة من نجوم الإعلام الرياضى فى مصر، مثل «مدحت شلبى» - الذى رحل عن «أون سبورت»-والتوأمين «حسام حسن» و«إبراهيم حسن»، و«إبراهيم سعيد» و«خالدالغندور»، و«رضا عبدالعال»، و«ميدو»، و«حسام البدرى» و«أحمد حسن» و«خالد بيومى». ورغم أن «فايق» لم يكشف عن وجهته الإعلامية القادمة، فإن البعض يتكهن أنه سيدخل ضمن فريق «بيراميدز»، لينحصر المشهد الإعلامى الرياضى فى مصر بين «أون سبورت» و«بيراميدز». وطيلة 6 أشهر، دار الحديث بين أروقة الإعلام المصرى عن اندماج بين «DMC» و«أون تى فى»، على أن تصبح خطة الدمج مركزة على قناتين فقط، وهما القناة العامة والقناة الرياضية فى كل من الشبكتين، بينما ستبقى قنوات الدراما مستقلة وقناة للأطفال، وهو ما بدأ يلوح بالأفق بالفعل. على أن ما يثير الانتباه حقًا هو ما تردد قديمًا عن انطلاق قناة «DMC NEWS» وأنها ستكون القناة الإخبارية الأولى فى مصر والعالم العربى، بالتنافس مع «سى. بى.سى إكسترا نيوز»، ومع ذلك ظلت هذه الأخبار مجرد تكهنات أو شائعات، إلى أن جاء خبر وقف بث «أون لايف»، لتصبح الفرضيات كلها أقرب للواقع، فى حين ظهرت تكهنات جديدة ترتبط بإعلان الرئيس «عبدالفتاح السيسى» خلال منتدى شباب العالم، نوفمبر الماضى عن الإعداد لإطلاق قناة إخبارية مصرية جديدة تخاطب الداخل والخارج. النائب «أسامة هيكل»، رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، قال إن الرئيس السيسى لم يطالب بإغلاق أى قناة فضائية، بل طالب بوجود منبر إعلامى عالمى، مضيفًا: «مسألة دمج وإغلاق وبيع القنوات واردة جدًا، فالقنوات الفضائية تتبع القطاع الخاص الذى تحكمه آليات السوق، ويجب أن ندرك جيدًا الفرق بين القطاعين العام والخاص». ونفى «هيكل» بشكل قاطع أن الحكومة تدعم أو تمول أى مؤسسة إعلامية خاصة، مشددًا على أن المؤسسات الإعلامية الحكومية الوحيدة، هى الجرائد القومية والتليفزيون الرسمى فقط. أما الرئيس السابق لمجلس إدارة مجموعة «إعلام المصريين»، والرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، المهندس «أسامة الشيخ»، فقد رفض إبداء رأيه حول ارتباك الخريطة الإعلامية، مكتفيًا بالقول: «لا أريد التحدث عن هذا الأمر وليست لى وجهة نظر. الوضع مزرٍ للغاية..أفضل أن أكون بعيدًا.. وأجلس فى منزلى.. لقد اعتزلت». وبنظرة مقربة على الخط الزمنى لعمليات دمج القنوات والارتباك الذى يحيط بها، سنرى أنه فى شهر يونيو الماضى، وقع «عمرو أديب» عقدًا مع شبكة قنوات «MBCمصر» ليقدم على شاشتها برنامجًا جديدًا، وسرعان ما انتشرت أقاويل حول أن ذلك سيطيح ب«شريف عامر» الذى يقدم على القناة برنامج «يحدث فى مصر»، إلا أن «مازن حايك» المتحدث الإعلامى للمجموعة نفى ذلك بشكل قاطع. وفى الواقع كان توقيع «أديب» للعقد مفاجأة للجميع، إذ إن البعض تكهن أنه سيرحل من «أون» وسيظهر على «DMC NEWS» فور انطلاقها، إلا أن ذلك لم يكن ممكنًا نظرًا لأن هذا الأمر كان سيهدد ظهور «أسامة كمال»، تماما كموقف «أديب» و«عامر». وبعيدًا عن ذلك، لا يزال مصير قناة «الحياة» مجهولًا حتى الآن، بدءًا من رحيل أغلب وجوهها الإعلامية المميزة التى كان آخرها «لبنى عسل»، ثم أزمة مديونياتها القديمة حينما كانت مملوكة لشركة «سيجما»، وبيعها لشركة «تواصل» وقطع البث الإعلامى عنها، مرورًا بمعركتها القضائية الطاحنة مع «إم.بى.سى»، التى قامت فى مارس الماضى بالحجز على جميع العلامات التجارية والمبالغ المودعة فى البنوك باسم «الحياة»، وأقامت دعوى إفلاس ضد الشبكة. أثارت كل هذه الأمور تساؤلات شتى لدى الجميع والعاملين بقطاع الإعلام بصورة خاصة ومصير أولئك الذين أغُلقت القنوات التى يعملون بها، خاصة وأن البعض يعتبر أن ما وصلت إليه الفضائيات فى السنوات الأخيرة أمر طبيعى، نظرًا لأسباب كثيرة على رأسها الحاجة لقانون تنظيم الإعلام والذى وافق عليه البرلمان رسميًا بأغلبية ثلثى الأعضاء يوم 16 يوليو ولا يزال فى انتظار مرحلته الأخيرة لكى يصبح سارى النفاذ، وهى التصديق عليه من قبل الرئيس «عبد الفتاح السيسى». وقد واجه القانون الجديد موجات جدلٍ عنيفة وتضاربت الآراء حوله بشكل جذرى، كما حصل تحت القبة البرلمانية مع المادة 29 من القانون التى تسمح بالحبس الاحتياطى، هذا فضلًا عن التساؤلات حول توزيع ملكية القنوات الفضائية على أكبر عدد من المساهمين، وذلك فى سبيل احتكار المالك الواحد وضمان عدم سطوته على المؤسسة الإعلامية بحيث لا يتأثر محتواها. ومع ذلك يتفق الجميع على أن الساحة الإعلامية فى مصر بحاجة إلى قانون مثل هذا يمنح الصحفيين والإعلاميين امتيازات غير مسبوقة، وينظم مسألة غلق القنوات الخاصة وحقوق العاملين بها، فضلًا عن شفافية تلك القنوات والمؤسسات الصحفية فى التعامل مع الشارع المصرى وذلك من خلال نشر ميزانيتها. قال «هيكل» إن: «القانون القديم والسارى حتى الآن لا يحافظ على حقوق ومصالح العاملين بالمؤسسات الإعلامية، إلا أن قانون تنظيم الإعلام الجديد الذى أعده البرلمان راعى هذه المسألة بشكل حاسم». وتابع:«وبالتالى سيلزم القانون الجديد أى قناة فضائية خاصة تنطلق بعد سريانه بأن تدشن صندوقًا لتأمين العجز والبطالة والوفاء بحقوق العاملين، لكنه مع ذلك لن يطبق على العاملين بأثر رجعى بيد أن القانون يطبق من اليوم الثانى بعد صدوره فى الجريدة الرسمية». من جانب آخر، قال «مصطفى حسين»، المسئول عن الإنتاج والتشغيل بشبكة «أون تى فى»: «بصفتى أحد العاملين بالقناة ولست فى منصب مسئول، لا يوجد أمامى سبيل سوى انتظار أن تكتمل الصورة الكاملة من الإدارة، ومع ذلك، لقد تلقينا وعودًا بعدم الضرر بحقوقنا أو مستحقاتنا المالية». وأضاف «حسين»: «إن غلق القنوات مسألة طبيعية جدًا، هذا يحدث فى التليفزيون المصرى نفسه، والعاملون بتلك القنوات ذهبوا إلى قنوات أخرى، هذا هو حال المجال الإعلامى، جميعنا نعمل فى أكثر من مؤسسة إعلامية تفاديًا لأى تسريح أو استقالة، كما أن موقف المعدين والفنيين بالقنوات مرهون بسمعتهم المهنية والبرامج التى تقدم عليها ومذيعيها».