عوامة تطفو فوق سطح النيل فى «العوامة 70»: قصر عملاق قاتم فى إحدى مدن الصعيد فى «الأقدار الدامية».. قرية صغيرة أكثر قتامة فى «الطوق والأسورة».. حوارى وأسواق شبرا القديمة المكدسة فى «يوم مر ويوم حلو».. مزارع ومنازل «كريمة» المجتمع فى مقابل أزقة «الغلابة» فى «كابوريا».. شوارع المعادى «المودرن» الهادئة فى «آيس كريم فى جليم».. صحراء مخيفة تتجول فيها «نادية الجندي» فى «رغبة متوحشة».. شوارع وغابات رومانيا الكثيفة فى «أمريكا شيكا بيكا».. «يسرا» على رصيف كوبرى قصر النيل فى «حرب الفراولة».. أبطال «قشر البندق» فى أحد الفنادق الفاخرة.. وأخيراً إشارة شارع «طلعت حرب» فى «إشارة مرور». أماكن اختارها «خيرى بشارة» لتصوير أفلامه.. كان الشارع دائماً هو البطل الرئيسى، وتصوير أى مشهد فى الشارع يمثل تجربة مريرة لأى مخرج.. ما بالك ومشاهد بعض أفلام «خيرى بشارة» بأكملها أو على الأقل 90 % منها كانت فى شوارع حقيقية. ذهبنا إلى الأماكن التى صور فيها أفلامه.. حاولنا نقل صورة حية من الشوارع.. تحديداً من ذكريات أهالى ثلاثة أحياء عنه.. «شبرا».. «المعادي».. و«وسط البلد». البداية كانت فى حى «شبرا»، حيث كان تصوير فيلم «يوم مر ويوم حلو».. تحدثنا مع صاحب المطعم «مدحت» و«أيمن» الفكهانى، بالإضافة إلى «محيي» و«جورج» من سكان منطقة «روض الفرج».. قالوا لنا: «نعشق أفلام خيرى بشارة لأنها واقعية وتمثل المجتمع، ونتذكر تصوير الفيلم بمنطقة السوق القديم بشارع على محمود طه، فقد كان أبطال الفيلم يمرون بجوار سور الحديقة العامة بالمنطقة، ويتجولون هناك، وكان حديث السكان وقتها عن أيام التصوير ومشاهدة فاتن حمامة ومحمد منير». فى شارع (9) ب «المعادي» كان تصوير فيلم «آيس كريم فى جليم».. تجولنا هناك، ووجدنا أحد المحلات الذى ظهر فى الفيلم كمحل للبقالة وبيع الجرائد، حيث يقرأ البطل «عمرو دياب» إعلاناً عن مسابقة غنائية.. والآن قد تحول نشاط هذا المحل من البقالة إلى بيع المأكولات «تيك آواي».. تحدث الحاج «إسماعيل» عن يوم التصوير فى المحل قائلاً: «تفاجأت بدخول عمرو دياب ومعه خيرى بشارة، وإذا بعمرو دياب يضع يده على كتفى ويقول: تسمح لنا نصور فى المحل عندك، كنت وقتها أصغر بخمسة وعشرين عاماً، فطلبت منهما أن يستئذنا أخى الأكبر، والذى وافق على التصوير، ليكون بعدها يوماً من أجمل أيامنا».. ويضيف الحاج «إسماعيل»: «آيس كريم فى جليم فيلم جميل، وكان مُعبراً عن الشباب فى تلك المرحلة، وعمرو دياب كان مطرباً وممثلاً محبوباً، وأفلام خيرى بشارة أفلام خفيفة، وتعبر عن الواقع فى شكل بسيط، يصل للمواطن العادى، فى حين أن غيره من المخرجين يُعقدون الأمور ويُقدمون أعمالاً درامية لا علاقة لها بنا ولا بمجتمعنا وكأنهم يعيشون فى كوكب آخر»!. الحاج «مسعود»، والذى قال لنا إنه من أقدم سكان شارع (9) أحب أن يقول: «خيرى بشارة أعرفه من خلال أعماله، وأحبه كثيراًً، فحين شاهدت فيلمه أمريكا شيكا بيكا وجدته قد لمس جراحنا ولكن بلطف، وكان هذا جرح جميع الشباب فى تلك الفترة وحتى هذه اللحظة، فالشباب يسعون للهجرة والسفر، ولكن الكثير منهم يصطدم بالواقع، وبرأيى هذا من أفضل الأفلام التى تناولت هذه القضية بمهارة وحِرفية فى شكل كوميدى، على الرغم من أنه واقع أليم، وهذا الفيلم أبكانا جميعاً.. خيرى بشارة مُخرج مِنا». فى شارع «طلعت حرب» بحثنا عن المحال القديمة التى ربما مازال يتذكر أصحابها أيام تصوير «إشارة مرور»، وتوقفنا عند أحد البازارات.. محل قديم للغاية، سألنا عُمال «البازار» عن «خيرى بشارة»، فوجدناهم يعرفونه.. قال «جمال»: «آه عارفه طبعاً وبيجى هنا ومعاه المدام وبيشترى مننا تُحف، وفاكر فيلم إشارة مرور اللى كان بيتصور فى ميدان التحرير، لكنى كنت صغيرا وقتها». وصلنا إلى مكتبة «مدبولي» الشهيرة لنتحدث مع «نادية مدبولي» و«محمد مدبولي»، فوجدناهما أيضاً يعرفان «خيرى بشارة»، خاصةً وهو يتردد على المكتبة، بل ويتذكرون أيضاً بعض اللقطات التى بقيت فى ذاكرتهم عند تصوير فيلم «إشارة مرور».. وأضاف «محمد»: «مازلت أتذكر جلسات ليلى علوى وسامى العدل كل ليلة أثناء التصوير فى الميدان».