أن تذهب إلى دار الأوبرا، فهذا معناه أنك تنشد استراحة من ضجيج القبح، وإزعاج ب ما تسمى «موسيقى المهرجان» وأخواتها من مرادفات فنية تحاصر الذائقة بكل ما ينحط بها. هذا هو المفترض والمتعارف عليه، لكنه ليس الواقع، أو على الأقل ليس دائما، فمؤخرا استضافت الدار عرضا فنيا انحط بها إلى حضيض «الكباريهات» يكشفن أجسادهن وإنما أطفال فى سن البراءة استغلهن مخرج ليؤدين حركات «فاضحة» وهم يرتدين بدل رقص. العارية أو «الخليعة» العرض ليس له اسم محدد، بينما يقوم بإخراجه نادر أبو المجد مصمم استعراضات بالأوبرا، ضمن ورشة تدريب لمركز تنمية المواهب تحت إشراف عبد الوهاب السيد وتصميم نادر أبو المجد. والحفل بدأ بظهور أطفال بفساتين بيضاء عليها علم مصر ورقصن على موسيقى من مؤلفات عمر خيرت، ثم أتبعه نزول علم مصر فى خلفية المسرح مع أغنية «يا مصريين» لأمال ماهر وبدا وكأنه عرض عسكرى وليس حفل أوبرا للأطفال. الدهشة الأكبر عندما رقصن على أغنية داليدا «أحسن ناس»، وارتدين ملابس فلكلورية معبرة عن محافظات مصر المختلفة، كما ارتدين ملابس رقص شرقى، رقصن بها بحركات غير لائقة بسنهن وبالأوبرا وبكلمات الأغنية أيضًا. ووسط فقرات الرقص على المسرح انشغل الأهالى بتشجيع أطفالهن لوقوفهن على مسرح الأوبرا، بينما الجمهور مستاء لما يشاهده، ويلخص الصدمة أحد التعليقات التى تقول «هى بدلة الرقص اللى لبساها البنوتة الصغيرة دى تبع أى محافظة، أنا مش ضد الرقص الشعبى لكنى مش فاهمة الفكرة». بينما قال أحد أهالى الراقصات الصغيرات إن هذا العرض مصمم باستسهال من قبل نادر أبو المجد، مؤكدًا أن المشهد بدا عبثيًا بالنسبة له. وكانت المفاجأة فى الفصل قبل الأخير بالعرض، حين رقصت الصغيرات على موسيقى «رقصة البطريق» بحركات قد تفهم على أنها إباحية، والسؤال الذى طرأ على بالنا حين شاهدنا ذلك هو كيف استطاع المدرب أن يدربهن على مثل هذه الرقصات والحركات المناقضة لأعمارهن، وكيف وافق الأهل على هذا المشهد المسيء لبراءة الأطفال، ولماذا أرادت دار الأوبرا أن تقدم هذا العرض الذى من المفترض أنه لتشجيع الأطفال وتنمية مواهبهم ولكنه بدا وكأن عمل على إظهار صورة بعيدة عن الطفولة. وفى نهاية العرض اشتعل الرقص الشرقى على أنغام الأغنية الوطنية الشهيرة «بشرة خير» وكان الرقص أشبه بحركات أغنيات المهرجانات الشعبية، وضمت الرقصة راقصات كبيرات وصغيرات فى مشهد يعج بالعشوائية التى حاولنا الهروب منها بالاختباء داخل قاعات الأوبرا بين فنانيها وراقصيها، وبدا المشهد الأخير للعرض وكأن الأوبرا تدعو الجماهير للمشاركة فى التصويت خلال الانتخابات البرلمانية الجارية الآن، والحقيقة لم نكن نعرف من قبل أن دور الأوبرا دعوة الناخبين بالرقص والأغنيات الدعائية وبتلك الطريقة الفجة، لقد شاهدنا على خشبة مسرح دار الأوبرا المصرية العريقة مشهدا خياليا فى العبث والفوضى والعشوائية. وبمواجهة هانى حسن راقص أول بالأوبرا والمسئول عن 3 فصول بمركز تنمية المواهب، والذى قدم عرضًا من مقتطفات من بحيرة البجع فى ذات اليوم، قال «إنه ليس مسئولاً عن العرض السابق ذكره»، وأوضح أن العرض قدم كمنوعات مختلفة. وردًا على كل ما ذكرناه بشأن العرض الفوضوى الذى احتوى على كثير من الابتذال، واجهنا الدكتور عبد الوهاب السيد مدير مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا، وسألناه ما إذا كانت مثل هذه العروض معتاد الظهور على خشبة الأوبرا، فقال «إنه ليس عاديًا وأن العرض لم يعجبه وحول نادر أبو المجد مصمم العرض للتحقيق بسبب سوء العرض». وأضاف: «العرض ده فلت منه اللى فلت». وأكد السيد أن العرض احتوى على أخطاء وأن الراقصات لسن محترفات، فسألناه كيف تحدث أخطاء فى حين أن المدرب محترف ويحصل على راتبه من الأوبرا نظير التدريبات؟، فرد بأنه تم تحويله للتحقيق. وعندما سألناه عن الرقص على أغنية «بشرة خير» وأنها ليست مناسبة لعرض أوبرالى للأطفال، أجاب أبو المجد استخدمها كختام لعرضه.