يطرح السؤال نفسه بعد كل خطاب يلقيه الرئيس مرسى.. من يكتب الخطابات الرئاسية؟ والسبب فى طرح السؤال هو افتقارها للالتزام بأبسط قواعد كتابة الخطب السياسية فضلا عن العديد من الأخطاء المعلوماتيةوالتاريخية الواردة فيها، والمثير أن أغلب تلك الخطب تحفر جملا فى ذاكرة الشعب المصرى مثل: «أهلى وعشيرتى»، «الحق أبلج والباطل لجلج»، «شايف صوباعين تلاتة بيلعبوا جوا البلد»، وغيرها من كلمات أثارت ردود فعل كبيرة بين المصريين. لم يعد أمراً مستغرباً أن نسمع بعد كل مرة ينتهى فيها الرئيس محمد مرسى من خطاب له، هذا الكم الهائل من الانتقادات والتعليقات على خطابات موجهة لشعب يصفها بأنها خطابات «فاقعة» للمرارة وربما فيها ابتلاء من الله - عز وجل - له لاختبار مدى تحمله.
فللأسف وعلى عكس ما هو متبع فى كل دول العالم بأن الرئيس لا يتحدث من نفسه مباشرة فى الهواء الطلق دون أن يكون له مستشاروه المتخصصون فى تحديد لغة وعناصر الخطاب الذى سيلقيه والعبارات التى سيركز عليها وفقا للمناسبة التى يتحدث فيها ونوعية الجمهور والرسالة التى يريد توجيهها والأهداف منها.
جاء الرئيس محمد مرسى ضاربا بكل قواعد وبروتوكولات كتابة الخطاب السياسى عرض الحائط، مصرا على الارتجال فى الخطابة معتمدا عما لديه من مخزون ثقافى وبطريقته الخاصة دون الاعتماد أو الرجوع إلى أى مستشارين فبدت خطبه وكأنها دينية أو جلسة نصح عقدها رجل دين، لا تخلو من أخطاء معلوماتية وتاريخية فى كثير من الأحيان.
وأصبح من المعتاد أن يثير كل خطاب له السخرية والجدل قبل انتهائه بدلا من أن يحقق الرسالة السياسية المرجوة منها.
البداية كانت بعد خطاب التوك توك الشهير فى التليفزيون المصرى الذى أثار حفيظة فئات عريضة من المصريين عبرت عن استيائها الشديد لإغفال -الرئيس المنتخب - الفنانين والمثقفين وتركيزه على سائقى التكاتك بعد فوزه بالرئاسة مباشرة.
تلا ذلك سلسلة من الخطابات التى بدا فيها يحاول أن يسترسل فى الكلام بأسلوب لم يعتده الشعب المصرى وكلمات لم يسمعها من رئيس قبله وعبارات سمع عنها فقط فى كتب التراث، بعيدا عن القواعد البروتوكولية المعروفة مما عرضه لللسخرية، بسبب خروجه على النص فى مواقف كثيرة وقع خلالها فى أخطاء فادحة مازال يتداولها الشارع المصرى حتى الآن على المقاهى وفى وسائل المواصلات وداخل البيوت وحتى بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وتويتر على غرار معالجاتهم المتكررة للأوضاع البائسة التى وصلت إليها أحوال البلاد.
كان أبرزها «ال 56734 الذين يحاولون التغطى بالغطاء المحترم ...» و«إشارة الرئيس بأحد أصابعه فى خطاب سابق له وهو يقول: إذا اضطررت سأفعل وها أنا أفعل»، إضافة إلى «الذين يحاولون الهروب ويروحو فى حارة مزنوقة عشان يعملوا حاجة غلط»، وأخيرا مقولته فى خطاب «اللى هيحط صابعه داخل مصر هقطعه، أنا شايف صباعين تلاتة بيتمدوا جوه».
ثم خطاباته الأخيرة التى يرى فيها بعض المحللين أنها تشير إلى بداية انكساره وانتهاء فترة حكمه، كان خطابه فى حقل قمح بمناسبة عيد الحصاد والذى أثار ردود فعل ساخرة .
وكان أبرز التعليقات: الرئيس بيخطب فى المزرعة السعيدة- هم فين الفلاحين اللى بيتكلم معاهم أنا شايفه بيكلم القمح..
وخطاب آخر ألقاه فى افتتاح الجمعيات والمؤسسات الأهلية لم يخلُ من استعمال الألفاظ العاطفية المعتادة والمتمثلة فى «قلوبنا ونحبهم» «نحضن بعض» والتى يصفها المصريون بأنها عبارات ساذجة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
رداءة الخطاب الرئاسى للرئيس مرسى دفعت البعض لمحاولة التوصل إلى شخصية كاتب خطاباته فمنهم من وضع سؤالا عاما على محرك البحث الشهير جوجل - ماهو مستوى تعليم من يكتب خطابات مرسى؟- خصوصا بعد كمية الأخطاء التاريخية التى وقع فيها مرسى فى خطابه فى باكستان ثم زلته الأخيرة بنسب بيت شعر كتبه الشاعر أحمد شوقى للشاعر حافظ إبراهيم.
كما لجأ البعض إلى اعتماد قصص وهمية وروايات من الصعب تصديق مصدرها، وكانت أغربها ما أثير بأن الرئيس عندما يذهب إلى قطاع ما فى الدولة يعتمد فى صيغة خطابه على مسئولى العلاقات العامة أو سكرتارية هذا القطاع من موظفين لا تكون لهم خبرة بالخطابات الرئاسية، ولم يسبق لهم التعامل من قريب أو بعيد مع مؤسسة الرئاسة.
بينما ذهب آخرون كالدكتور سيف عبد الفتاح، مستشار الرئيس المستقيل، إلى أن جميع الخطابات التى تصدرها مؤسسة الرئاسة سيئة ومليئة بالفجوات والمهاترات، مرجعا ذلك إلى أن مؤسسة الرئاسة تعتمد على هواة فى صياغة خطابات الرئيس.
وهناك من ربط خطابات الرئاسة بمكتب الإرشاد وبأسماء بعض الصحفيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، أمثال هانى صلاح الدين، وقطب العربى إن لم يكن يكتبها الرئيس بنفسه، أو لا يكتبها على الإطلاق ويلجأ إلى الخطب الشفاهية.
فى حين سار بعض الشائعات التى تردد صداها بقوة فى الوسط الصحفى والإعلامى أن وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود يشارك أيضا فى كتابة خطابات الرئيس.
الآن وبعد مرور ما يقرب من عام كامل من توليه رئاسة البلاد لم يتوقف الرئيس مرسى خلالها عن الارتجال بخطب بلغ عددها حوالى 50 خطابا لم تحقق المرجو منها. .