برامج اكتشاف المواهب الغنائية أصبحت النافذة الوحيدة التى يتنفس فيها الجمهور العربى «الحرية» و«الحب المفقود» و«البهجة الضائعة» بعد سيادة دعاوى التطرف والتحريم وأيضا استدعاء أجواء عصر الغناء الجميل بالإضافة إلى أنها تشهد ميلاد مواهب جديدة تتعاطف معها الشعوب دون الانحياز لبلدها أوديانتها أو ملامحها. هذه البرامج نجحت فيما فشلت فيه جامعة الدول العربية نفسها لتوحيد العرب وتجميع أشلاء الوطن الجميل أمام الشاشة والذى مزقته الآلاعيب السياسية وشهوة السلطة ولعبة المصالح والزعامة على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها ولعل حضور السيد ياسر محمود عباس نجل الرئيس الفلسطينى لدعم الموهبة الفلسطينية محمد عساف أبلغ رسالة إلى دور وأهمية الفن فى صناعة البهجة. كل هذه المعانى الجميلة تقريبا تجسدت فى برنامج «محبوب العرب» «آراب أيدول» أو المونديال الغنائى العربى الذى تقدمه محطة MBC من «لبنان» باريس العرب وملجأ وملاذ المبدعين فى فترات النكسات والأزمات.. وعندما يختنق الإبداع فى مصر يجد له منفذا فى «بيروت» التى تفتح ذراعيها للجميع.
«آراب أيدول» للمرة الثانية يخطف الأضواء والقلوب فى نسخته الثانية وبعد النجاح الساحق له فى الموسم الأول رغم انشغال الجميع بثورات الربيع العربى ونتائجها المخيبة للآمال وكوابيسها التى لا تتوقف.. ففى المراحل الأخيرة من نسخته الثانية وفى جولته ال19 و20 يترقب الجميع محبوب العرب 2013 من بين 7 متسابقين هم خلاصة المواهب الرائعة التى اختارها أعضاء لجنة التحكيم وساندها الجمهور عبر العالم العربى.
فى أجواء بعيدة عن الصخب السياسى والعبث تابعت حلقتى الأسبوع قبل الماضى الذى كان بمثابة نهائى مبكر فى حضرة الكينج محمد منير وعندليب لبنان راغب علامة باعتبارهما نجمى الحلقتين.. «منير» نزل ضيفا فى حلقة الجمعة بينما كان «راغب» هو نجم حلقة السبت.
منير رغم خصامه للبرامج الغنائية لم يقو على رفض دعوة MBC بعد ما لمس بنفسه الالتفاف الجماهيرى حولها والشعبية الكبيرة التى تخطى بها «آراب أيدول» كما أنه لم يعتد الابتعاد عن حرارة الجمهور وأجواء اللايف وهناك لمست عن قرب مدى الشعبية الكبيرة التى يحظى بها، من جانبه لم يبخل عليهم بإبراز أغنيات كتالوجه الغنائى باستثناء الأغنية التى استهل بها وصلته الغنائية ويخاطب فيها وطنه مصر بعنوان «مالك خايفه ليه» التى تحمل رسائل بديعة لأم الدنيا والأغنيات الشهيرة له التى قدمها معه المتسابقون الثمانية وهم أحمد جمال «مصر» وعبدالكريم حمدان وفرح يوسف «سوريا» ومحمد عساف «فلسطين» وزياد خورى «لبنان» وبرواس حسين «كردستان» وسلمى رشيد «المغرب» ومهند المرسومى «العراق» والذى خرج من السباق بحسابات التصويت وهى باقة من «الأصوات الواعدة» بصرف النظر عن الفائز باللقب بينهم فى الحلقة الأخيرة.
هنا لا مكان للحديث عن اتهام محمد منير بإهانة تاريخه فكما علمت أن «منير» نفسه توصل إلى صيغة توافقية مع إدارة القناة بمشاركته فى وضع «اسكريبت» الحلقة بشكل يتناسب مع مكانته ولا يخل فى الوقت نفسه بالنظام المحترف الذى تطبقه القناة فى حلقات البرنامج بصرامة ودقة حتى خروجها للجمهور والمحصلة كانت رائعة فى حلقة تحدث عنها الجميع وبعد وصلات الحب التى قدمها «منير» للجمهور لم ينس الإشادة بلجنة تحكيم البرنامج فى مقدمتهم راغب علامة صاحب التاريخ الكبير وأحلام المطربة صاحبة البصمة الكبيرة فى الخليج والعالم العربى ونانسى عجرم سندريللا الغناء العربى والموسيقى الموهوب حسن الشافعى وهو واحد من أبناء الجيل الثالث لتطوير الأغنية المصرية والعربية.. وفى المقابل تحدث الجميع عن مكانة «منير» وبصمته فى خريطة الغناء العربى ومشروعه الغنائى غير القابل للتقليد.
هذه الأسماء الشهيرة نجحت قناة MBC فى حشدهم فى بروجرام واحد ومعهم 8 من أروع الأصوات الغنائية والفرز الأخير فى «آراب آيدول» وهذا ما يحسب لإدارة القناة وقدرتها على تجميع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج فى توقيت واحد ومن قلب جبل «زوق مصبح».
الحضور اللافت «لمحمد منير» فى مسرح «آراب آيدول» لم يكن فقط التمثيل المشرف للغناء المصرى بل رسالة لبث الثقة فى قلب المتسابق المصرى الموهوب «أحمد جمال» وتدعيمه للمنافسة بقوة على اللقب ويلقى تشجيعا ودعما ليس من المصريين فقط بل أبناء لبنان وقد لمس الوفد الإعلامى المصرى هذا فى الشارع اللبنانى المتحمس لموهبة وبراعة الموهبة المصرية «أحمد جمال» ويرون هناك أنه يستحق اللقب وأنه يذكرهم بعندليب الغناء الراحل عبدالحليم حافظ وفى نفس الوقت يدخل معه فى منافسة عنيفة الصوت الفلسطينى محمد عساف وهو أيضا إحدى المواهب الغنائية الاستثنائية ويتمتع بإمكانيات طيبة على مستوى الأداء والحضور على المسرح.. ولهذا فاجأ نجل الرئيس الفلسطينى لدعمه بشكل شخصى كمواطن فلسطينى عادى.
توازى مع الحضور العندليبى أيضا المدرسة الكلثومية الحاضرة هناك مع صوت المطربة الكردستانية برواس حسين التى أدت بمهارة وثقة رائعة أغنية كوكب الشرق «بعيد عنك حياتى عذاب» وبها نالت إشادة لجنة التحكيم والجمهور أيضا.. أما زياد خورى اللبنانى فهو موهبة لايستهان بها لقوة صوته وبراعته فى استعراض مساحاته العريضة ومعه السورى عبدالكريم حمدان أيضا بنفس الجينات الأصيلة والمطربة السورية فرح يوسف صاحبة المواهب المتعددة فى الغناء الشرقى والغربى أما «سلمى رشيد» فتمثل حالة خاصة.. الأصوات السبعة سيخرج منها فى حلقتى الجمعة فى حضرة الشاب خالد واليوم السبت -التى يحييها المطرب ماجد المهندس- متسابق آخر من المنافسة لكن سيكون خروجا مشرفا لصعوبة ترجيح صوت عن آخر سواء على مستوى الآداء أو الحضور ولهذا فإن الفائز باللقب هذا العام سيكون حديث الشارع الغنائى فى العالم العربى رغم ارتباطهم بكل هذه المواهب.
الحديث عن محمد منير والمواهب الواعدة فى «آراب آيدول» يدفع للحديث عن الحضور اللافت لعندليب لبنان راغب علامة وبصمته الواضحة على مستوى أدائه كمحكم أو لوصفه نجما للحلقة الثانية فى الأسبوع قبل الماضى بعدما قدم باقة من أشهر أغنياته أيضا مع المتسابقين الموهوبين بينما حققت أغنية «مابهزرش» نجاحا مختلفا بمشاركة الطفلة الصغيرة التى حرصت على حضور الحلقة وهى على ما يبدو أصغر عشاقه ونانسى عجرم التى سجلت نجاحا خاصا لها على مستوى التقييم بوصفها عضوا فى لجنة التحكيم. أما المطربة الإماراتية «أحلام» فقد أضفت بتلقائيتها أجواء مرحة خففت من أجواء التنافس العنيف بين المتسابقين وكانت أزمة «كنتاكى» هى آخر منتجات المطربة العملاقة فى هذا الإطار، بينما احتفظ الموسيقار حسن الشافعى بحضوره اللامع وثقافته الرفيعة وتحليلاته المتقنة للمواهب الغنائية ولم يبخل بنصائحه لها فى كل الحلقات.
أخيراً يقف خلف كل هذا النجاح ل «آراب آيدول» فريق عمل محترف فى مقدمتهم المتحدث الرسمى مازن حايك والإعلامى مدحت حسن وزينة وطارق حمزة هؤلاء هم الجنود المجهولون فى نجاح «آراب آيدول» ولعل أروع ما قاله «مازن» فى نهاية المؤتمر الصحفى «لمحمد منير» فى سياق الحديث عن «منير» والدور المنشود للفنان فى خدمة وطنه.. «مازن» تحدث بحب عن استعداد مجموعة ال MBC للدخول فى مشروعات استثمارية فنية وغنائية فى مصر ومساعدتها للخروج من أزمتها بعد الثورة ولفك الحصار عن مبديعيها وهو حسب «قوله» أقل ما يقدم لأم الدنيا.