كان الوضع «مربكا» للغاية فوسط جلسة المصالحة العرفية- أمس الأول- بقرية «الخصوص»، كان أن وصل نبأ وفاة الضحية السابعة فى الأحداث «متأثرا بجراحه» لمدير أمن القليوبية اللواء محمد يسرى.. ارتبك الرجل قليلا، لكنه قرر أن يستكمل ما بدأه منذ قليل!.. فقد كان المشهد فى غاية التعقيد أمام عينيه، ولابد له أن يتحرك، خاصة أنه يرى أن هناك من يغذى «الفتنة» بكل طاقته.. وفقد الجميع أعصابه بما ينذر بمزيد من المواجهات.
وسمع الرجل ما قاله النائب القبطى «رامى لكح» بمجلس الشورى عن أن ما تشهده مصر هو تطهير عرقى للأقباط وأن هناك أقباطًا ماتوا بالخصوص لأنهم مسيحيون.وحبس أنفاسه مع ما قاله صفوت عبدالغنى عضو مجلس الشورى الجماعة الإسلامية أنه على الكنيسة تهدئة الشباب القبطى ومنعه من التشدد لأن التشدد لدى الأقباط قد يقابله تشددًا من الجهة الأخرى.. وهو ما أثار غضب النواب الأقباط داخل المجلس.ووضع يده على رأسه عندما قالوا له إن «حازم أبوإسماعيل» دخل على خط الأزمة، وأنه كتب على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» أن هذا التوالى للمؤامرات والفتن، خاصة مسألة النائب العام وأحداث العنف وغيرها يدعون إلى إعلان ثورة جديدة كاملة تحسم بها كل الأمور وتستقر وتنسد بها أبواب الفتن.
ذهبنا إلى اللواء يسرى لاستجلاء حقيقة الموقف.. وكيف أن هناك من أشعله لصب مزيد من الزيت فوق النار يسرى فضل أن يوضح الموقف من بدايته، وفقا لما معه من معلومات انتهت إليها تحريات رجاله، قائلا بدأت الأحداث بقيام اثنين من الأطفال المسلمين- أعمارهم 12 سنة و13سنة- بالكتابة والرسم على جدران معهد الخصوص الابتدائى الأزهرى، حيث كانوا كتبوا أسماءهم ورسموا علامة الصليب المعقوف الذى يمثل علامة النازية، وأثناء خروج أحد المصلين من المسجد الملاصق للمعهد الدينى رأى الأولاد وهم يرسمون ذلك فنهرهم عن ذلك، ثم تدخل مسيحى يطل باب عمارته على سور المعهد الدينى الذى رسموا عليه وقاموا بنهرهم مثلما فعل المصلى المسلم، إلا أنه حدث مشادة بين المسيحى والأطفال المسلمين، ثم تدخل مسلمون فى المشادة.
بعدها جاء المسيحيين.. فتطورت إلى مشاجرة.. فقام أحد المسيحين بإطلاق أعيرة نارية توفى على إثرها الشاب المسلم محمد محمود، وجاء أهل الشاب المسلم المقتول ونقلوه إلى منزلهم ورفضوا إخراج الجثة للمستشفى، فقاموا ضباط وقيادات مديرية أمن القليوبية بتهدئة الأمور، وتدخل كبار العائلات بالخصوص باعتبار أنها مدينة مازال فيها عائلات كبيرة مع قيادات المديرية.. وأقنعوا أهل المتوفى بنقل الجثمان إلى المستشفى.
وبالفعل أتينا بسيارة إسعاف وكانت الأمور فى مسيرها إلى الهدوء والسيطرة، إلا أن بعض الأشخاص قاموا بإشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين. وحسب كلام أهالى المنطقة أن هناك سيارة «فيات 128» جاءت وأطلقت النار بطريقة عشوائية وهى تسير فى الشارع وقتلت وأصابت مسلمين ومسيحيين، فقام المسلمون بحرق العمارة المواجهة للمعهد الدينى، والتابعة للمسيحى الذى قتل المسلم فى بداية الأحداث، فقام المسيحيون بإطلاق النار عليهم.. فبادلهم المسلمون إطلاق النار، وتتطور الأمر إلى معركة بين الطرفين.
والأخطر الذى ساهم فى تأجيج المشاعر هو نشر الإشاعات التى تثير الناس فزادت النعرة الطائفية لدرجة أن القس سوريان يونان كاهن كنيسة الخصوص أعلن على الفضائيات أن هناك كنائس اتحرقت وعندما ذهبنا لم نجد هذا.. ثم أعلن أنه يوجد عدد كبير من السلفيين بالمسجد الذى بجوار الكنيسة لحرقها.. وهذا كلام غير صحيح أيضا ولكن من يسمع هذا الكلام من المسيحيين سيأتى.
وعلى الجانب الآخر كانت هناك شائعة بأن المسيحيين احتجزوا مسلمين داخل الجامع ليعتدوا عليهم.. وعندما ذهبنا لهناك لم نجد أى أحد داخل الجامع.. ومن يسمع هذا الكلام أيضا من المسلمين سيأتى! لذلك زادت الفتنة والصراع بين الطرفين مما أسفر عن مقتل أربعة مسيحيين، بالإضافة إلى الشاب المسلم المقتول فى بداية الأحداث وإصابة 22 آخرين منهم ضابط واثنين عساكر!
وأضاف يسرى: تم التعامل بحزم مع مثيرى الشغب ومروجى الشائعات فتم القبض على 15 فردا منهم 10 مسلمين و5 مسيحيين، العشرة المسلمين منهم أربعة من خارج الخصوص وضبط معهم 2 فرد خرطوش محلى وسنج ومطواة، والخمسة المسيحيين منهم اثنان من خارج الخصوص وضبط معهم 2 فرد خرطوش محلى و72 زجاجة مولوتوف ومطواة.. مستطردا أنه تم نشر القوات وسيطرة أجهزة الأمن على الأحداث.
وتابع: أعرب عن كامل اعتزازى بالدور العاقل والمسئول لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب فى احتواء الأزمة، بعد أن أرسل وكيل الأزهر الشيخ محمود عزب.. كما أرسلت الكاتدرائية أحد القساوسة إلى القس سوريال يونان كاهن كنيسة الخصوص لتهدئته لأنه كان مذعورا ثم اجتمعت بعض الشخصيات من كبار عائلات الخصوص من الإخوة المسلمين والمسيحيين، ومسيرات بالخصوص تضم مسيحيين ومسلمين تنادى «مسلم ومسيحى إيد واحدة»، كما قام القس سوريال بزيارة أهل المسلم المتوفى فى الأحداث ليقدم لهم واجب العزاء.. مضيفا أن قوات الأمن ستظل بالخصوص إلى أن تهدأ الحالة تماما وتعود المياه إلى مجاريها.
يسرى أكد ل«روزاليوسف» أن الخلافات السياسية كان لها تأثير سلبى على الأمن بالبلاد، لأن كثرة النزاعات السياسية تجعل المجرمين يشعرون أنهم لن يكونوا فى متناول يد العدالة وتزيدهم جراءة فى تنفيذ العمليات الإجرامية.. نافيا اتهام الأمن بالتقصير فى مواجهة الاشتباكات قائلا المشكلة أن الناس تعتبرنا «شماعة» نعلق عليها الأخطاء!
ذهبنا بعد أن تحدثنا مع اللواء يسرى إلى منطقة «الخصوص».. وكانت محطتنا الأولى كنيسة مارجرجس لمقابلة القص سوريال يونان جبرائيل كاهن الكنيسة الذى أكد أن الله الذى نعبده جميعا مسلمين ومسيحيين إله واحد نسجد له ونعظمه ونمجده.. وأننا شعب واحد ونسيج واحد.. موجها شكره لجميع المسلمين الذين جاءوا للكنيسة للم الجراح.
أثناء تواجدنا بالكنيسة جاء وفد من المسلمين لزيارة الكنيسة ولقاء القمص سوريال يونان يضم ممثلا من الأزهر ونقابة المحامين وأهالى المنطقة للتأكيد على أن المسلمين والمسيحيين يد واحدة.قال الشيخ فريد شوقى، ممثل الأزهر خلال اللقاء : أتينا لنؤكد أننا يد واحدة ونسيج واحد.. نشرب من نيل واحد، وعلى أرض واحدة نقتدى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أوصيكم بأقباط مصر خيرا فإن لنا منهم ذمة ورحمة»، ونحن فى الأزهر الشريف نقف ضد هذه الفتنة، فكلنا تحت لواء مصر فى الحروب والثورات، فأطفالنا فى المدارس لا يفرق بينهم فكيف بالكبار يفرقون؟
وأكد محمود على يوسف نقيب المحامين بالقليوبية أن مصر ستظل بلد النسيج الواحد ولا يمكن لحوادث فردية أن تنال من وحدتها، وقد حاول النظام القديم أثناء وجوده أن يؤجج نار الفتنة الطائفية بأعمال خسيسة وبعد ثورة 25 يناير أرادوا أن يستثمروا حالة الانفلات الأمنى لكى يعيدوا للمشهد أن فى مصر فتنة طائفية لينظر لنا العالم نظرة غير سوية.. قائلا سيسقط كل من يحاول أن يفرق وحدة مصر، فالمسلم والمسيحى يعيش فى وطن واحد ولا يمكن الفصل بينهما.. داعيا كل المصريين أن يمنعوا كل ما يمكن أن يؤدى للفرقة بين المسلمين والمسيحيين ليعود الوئام ولم الشمل.
وأشار محمد أبو ليلة أحد أبناء القليوبية إلى أن الشعب المصرى لحمة واحدة لا فرق بين مسلم ومسيحى، وأن من ينفخون فى نيران الفتنة الطائفية سوف يموتون دون أن تشتعل، وأن بر الأقباط هو طاعة لله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آذى ذميا فقد أذانى»، وما حدث فى الخصوص ما هو إلا جريمة فردية عادية تحدث بين مسلم ومسلم أو مسيحى ومسيحى ولا علاقة لها بفتنة طائفية.. مؤكدا أنه تم عقد اجتماعات بين كبار العائلات فى الخصوص المسلمين والمسيحيين وقد تم رأب الصدع لأن الدين لله والوطن للجميع.
وأوضح نادر عدلى ساويرس محامٍ بالخصوص والخانكة أنه ذهب للكنيسة أكثر من وفد من المسلمين وكبار العائلات بالخصوص وقابلوا القمص سوريال يونان، كما أن القمص سوريال ذهب لتعزية أسرة المتوفى المسلم فى الأحداث واستقبلوه خير استقبال، وأيضا تم عقد لقاءات بين الشباب من المسلمين والمسيحيين بالخصوص، كل ذلك ساهم فى إطفاء نار الفتنة والتأكيد أننا نسيج واحد، وما حدث كان حادثة فردية وليدة اللحظة بعد مشاجرة.
وفيما أعرب الشيخ «الإخوانى» لطفى صلاح عن حزنه على الضحايا الذين سقطوا فى الخصوص سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وأوضح مايكل سمير سائق بالخصوص أن السبب الرئيسى للأحداث كان زيادة الشائعات، وهو ما أدى لزيادة الاحتقان والاشتباكات، مما اضطره للبقاء بمنزله هو وأولاده، ولم يخرج للعمل لمدة ثلاثة أيام.. مما جعله لا يجد مصاريف لأولاده، ولكن الآن عادت الحياة لطبيعتها ونزل للعمل.
ذهبنا إلى خادم مسجد الهدى النبوى الملاصق للمعهد الدينى نسأله عن حقيقة ما حدث بعدما نهر الأطفال الذين كانوا يرسمون على حائط المعهد الدينى، فصرخ قائلا : سيبونى فى حالى بقى.. أنا ها روح أنتحر أحسن علشان ترتاحوا منى.. أنا مش هاتكلم سيبونى.. ثم انصرف غاضبا ! فكان أن بحثنا عن شاهد عيان روى لنا الواقعة.. فالتقينا «يسرى عيد» بمنزله المجاور لمعهد الخصوص الابتدائى الأزهرى - يسرى قال لنا بدأت الأحداث بأن اثنين من الأطفال : «صالح وأحمد ومصطفى وبطة».. ورسموا علامة الصليب المعقوف على جدران المعهد.
وأثناء ذلك تصادف خروج مجموعة من المصلين من مسجد الهدى النبوى الملاصق للمعهد الدينى وقال لهم الشيخ خادم المسجد امسحوا ما كتبتم على الحائط، فظلوا يمسحونها بالنقر عليها بالحجارة، وأثناء ذلك تصادف خروج مينا فاروق الذى تطل عمارته على المعهد الدينى ونهرهم أيضا وقال لهم امشوا من قدام بيتى وشتمهم ورشهم بالميه، ثم جاء إليهم آخر وقال لهم بتعملوا ليه كده؟ وفى نفس الوقت جاء سمير إسكندر خال مينا فاروق وآخرون مسيحيون وتطورت المشادة إلى مشاجرة فطلعوا العمارة بتعاتهم إللى أمام المعهد الدينى وضربوا نار، وعندما قيل أن الشاب محمد محمود مات جروا، وبعد ذلك جاءت الشرطة وأخلت الموجودين فى هذه العمارة وهم شقتان بالدور الثالث من العمارة المكونة من 12 دورا. ثم جاء المسلمون وحرقوا هذه العمارة فحدث ضرب نار من المسيحيين حتى لا يتم إحراق عمارتهم، وبعدها تم تبادل ضرب النار بين المسلمين والمسيحيين.. لكن يبقى لغز السيارة «فيات 128»، التى أطلقت النار على الجميع دون تفرقة مفتوحا.. تسعى خلفه جهات التحقيق.. فهل سيحل هذا اللغز قريبا ؟!