حالة ثورية تشهدها جماعة الإخوان المسلمين.. فمكتب الإرشاد الذى كان على قلب رجل واحد قبل الثورة انقسم إلى شطرين متنازعين وزادت الخلافات بينهما حتى وصلت إلى الشباب، وأصبح داخلهم حالة من الرفض لاستمرار المرشد الحالى فى ظل استئثار خيرت الشاطر بكل شىء فى التنظيم لأنه المتحكم الأول فى الموارد المالية للجماعة. مصدرنا داخل الجماعة الذى رفض ذكر اسمه يبدأ سرده لتفاصيل الصراعات فى اجتماع مكتب الإرشاد الذى تبع إعلان نتيجة الاستفتاء لم يمر كالعادة مرور الكرام، مناقشة حادة بين خيرت الشاطر نائب المرشد وجبهته التى تتمثل فى حسن مالك ومحمود غزلان ومحمود حسين وعصام العريان وآخرين، وجبهة المرشد التى تضم رشاد البيومى والبلتاجى. الشاطر يطلب للمرة الثالثة أن يرأس مجلس الوزراء بعد كتابة الدستور وجبهته تتضامن معه والمرشد ومن وراءه يرفضون، فالأمر كما صوره المرشد فى حال تكليف الشاطر برئاسة الحكومة سيتأزم للغاية، ويتسبب فى غليان الشارع والمعارضة، مما ينعكس على وضع د. مرسى رئيس الجمهورية الإخوانى والرافض أيضا لتولى الشاطر رئاسة الحكومة وينعكس أيضا على نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة.
احتدم الحوار بين الجبهتين وانتهى بانفعال غير عادى للشاطر، تحديدا عندما سمع أحدهم يرشح د. عبدالمنعم أبوالفتوح لرئاسة الحكومة، ليصرخ فى وجه المرشد معترضا، بعضهم يحاول تهدئة الأوضاع ولكن لا فائدة، الجميع يصر على موقفه، والبعض الآخر يرى أن ما يحدث للمرشد من نائبه سواء بتعدٍ فى أسلوب الحوار أو الألفاظ المستخدمة لا يصح على الإطلاق.
خرج الشاطر وبصحبته مالك بعد أن أكد رفضه لأبوالفتوح مهما كلفه الأمر، بعد رحيله ومن معه جلس الآخرون يتباحثون ويتناقشون فى محاولة للخروج من الأزمة الراهنة، فلا يجب أن يغضب الشاطر أبدا، ففى يديه العديد من مفاتيح الجماعة ووراءه جبهات متعددة وفى نفس الوقت لا يمكن للمرشد أو للرئيس قبول ما يتمناه الشاطر من الجلوس على رأس الحكومة، والبديل المناسب للمرشد هو أبوالفتوح لاتفاق معظم القوى السياسية عليه، ولكن للأسف النائب وجبهته رافضون، وانتهى الاجتماع بعد استقرار الحاضرين على سليم العوا كرئيس للحكومة حتى يرضوا جميع الأطراف.
وما أن علم الشاطر بترشيح اسم العوا حتى أعلن رفضه مجددا، حتى أصبح الوضع متأزما ولا يوجد حل.
الأزمة الأخرى بين القطبين المتنازعين داخل مكتب الإرشاد تمثلت فى ضياع مناصب مهمة من أيدى جماعة الإخوان فى الفترة السابقة لعل أبرزها منصب المفتى الذى ناله دكتور شوقى إبراهيم بعد انتخاب هيئة كبار العلماء له، ففريق الشاطر كان يطمع فى حصول دكتور عبد الرحمن البر مفتى الجماعة وعضو مكتب الإرشاد على المنصب حتى يسهل للجماعة وضع يدها على دار الإفتاء ومن ثم الأزهر الشريف، ولكن القطب الآخر كان له رأى آخر وهو الانتظار حتى تمر هذه الأحداث التى تهدد استمرار الإخوان فى الحكم ، وأنه لا داعى لاقتحام هذه المناصب المهمة دفعة واحدة وأن الاكتفاء بما وصلت إليه الجماعة فى الوقت الحالى أفضل بكثير من التسرع والاندفاع ثم فقدان كل شىء، فالجماعة وضعت يدها على 6 محافظات وأكثر من 10 وزارات أهمها التعليم والأوقاف والتموين وغيرها، بالإضافة إلى أغلبية الشورى وحتى لا تؤثر الأخونة بشكل أكبر على الانتخابات البرلمانية القادمة.
الخلاف الآخر بين فريقى الإرشاد نشبت مؤخرا بسبب قوائم الانتخابات البرلمانية القادمة فالشاطر وغزلان ومحمود حسين ومهدى عاكف يرحبون، بل ساهموا فى نزول بعض رموز الحزب الوطنى المنحل فى العديد من المحافظات على قوائم حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات البرلمانية القادمة، فالشاطر يرى أن هناك مجموعة محافظات ليس للجماعة أى سيطرة عليها وتواجدهم بها ضعيف للغاية مثل المنوفية والإسكندرية وكفر الشيخ وعدد من محافظات الصعيد، مما جعل الشاطر يسعى للتوافق مع رموز الوطنى من أجل الوصول لعدد كبير من مقاعد البرلمان القادم ولعل القشة التى قصمت ظهر البعير داخل الإرشاد وأشعلت الصراع بين الفريقين هو اتفاق بعض رموز الإرشاد مع النائب محمد الخشن أحد رموز الوطنى المنحل فى المنوفية ليرأس قوائم الإخوان هناك، مما جعل بديع والبلتاجى وآخرين يرفضون تماما هذه الصفقات التى ستشوه حزبهم أمام الرأى العام والمعارضة، وستؤثر على موقفهم فى الانتخابات وموقف الرئيس، ولكن إعصار الشاطر ورفاقه اجتاح الجميع وبدأ فعليا فى الجلوس مع رموز الوطنى واتفقوا تقريبا على كل شىء والصراع فيما يخص هذه النقطة يشهد لأول مرة ظهور مهدى عاكف فى الصورة الذى دافع بضراوة عن فكرة التحالف مع الوطنى لضمان مقاعد عديدة فى المحافظات غير الإخوانية.
استنفار ورفض داخل مكتب الإرشاد لسبب تنفرد «روزاليوسف» بنشره وهو نزوح عدد كبير من شباب الجماعة للجهاد فى صفوف الجيش الحر السورى ضد نظام بشار الأسد وسفرهم إلى سوريا من وراء الجماعة ودون إذن مسبق، وحول هذا الأمر اتفق مكتب الإرشاد بأكمله لأول مرة حول رفضهم القاطع لمثل هذه السفريات لأنها كما يقولون ستؤثر على علاقتهم بنظام الأسد واتفقت القيادات بأكملها على عدم معاداة الأسد حتى يسقط وأن يكون الدعم المعنوى لثوار سوريا على استحياء.
توجهنا بكل ما وصل إلينا عن الخلافات داخل مكتب الإرشاد إلى الدكتور عبدالرحمن البر مفتى جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد وأكد البر أن قيادات الجماعة متفاهمون تماما ولا توجد أى خلافات تذكر فيما يخص الأمور السياسية للبلاد خلال الفترة الأخيرة، بل على العكس تماما يعتبر مكتب الإرشاد يسير بخطى ثابتة ومتفق عليها ويستطرد: ما يحدث مجرد مناقشات ووجهات نظر متباينة وفى النهاية يربطنا التفاهم والاتفاق وما يتردد عن سعى خيرت الشاطر للوصول إلى منصب رئيس الحكومة غير حقيقى، وما يقال عن خلافات بين المرشد ونائبه كلام عار تماما من الصحة، وفى النهاية نحن ليس لنا دخل فى تشكيل الحكومة هذه قرارات رئاسية لا علاقة لنا بها، وقد نعطى المشورة كأى حزب آخر.. ولكن الرئيس وحده هو من يحدد رئيس الحكومة.
وأخيرا نفى البر أن تكون الجماعة قد حاولت تصعيده ليصبح مفتى الجمهورية ونفى تماما أن يكون أى حديث دار داخل مكتب الإرشاد له علاقة بهذا الأمر، مؤكدا أن هذا أمر يخص هيئة كبار العلماء التى تنتخب المفتى دون تدخل من أى جهة أو شخص معتبرا هذا أحد مكتسبات ثورة يناير.