بعيدا عن الهجوم الإخوانى الغريب على حكومة «قنديل»، الذى لا يعنى إلا أن هناك صراع أجنحة فى الجماعة والحزب، أو أن البعض يحاول خداع الغلابة بمهاجمة الحكومة وكأنهم ليسوا هم من اختاروها.. فإن كل المؤشرات تؤكد للأسف أن مصر مقبلة على إشهار إفلاسها خلال 3 شهور لو لم تتخذ قرارات ثورية بمعنى الكلمة، وبالتالى يجب أن يكون تعاملنا مع «بعبع» الدعم الذى تحول إلى عقدة تاريخية.. من هذا المنطلق.. فكل مرة كان يفتح فيها هذا الملف المصيرى طيلة الستين عاما الماضية، كانت هناك فرصة للالتفاف أو الهروب أو حتى تأجيل المواجهة، لكن هذه المرة بالفعل هى مسألة «حياة أو موت»! والأخطر أن البعد المباشر لرفع أو خفض الدعم فى حد ذاته كارثى كما يعرف الجميع، لكن الأكثر كارثية منه هو البعد غير المباشر الذى يحمل فى طياته تعقيدات رفع الدعم على السوق خاصة فى ظل الانفلات الأمنى والاقتصادى المسيطر على المشهد، حيث سيؤدى إلى زيادة مسعورة فى أسعار السلع الضرورية وأبرزها الزيت والسكر والأرز والعدس والمكرونة والفول والشاى، بالإضافة إلى الخضروات المشتعلة أساسا، وبالتالى سيتضاعف العجز المتضخم من البداية.
إذا.. فالوضع فى حاجة ماسة إلى مبادرة تاريخية غير مسبوقة من الرئيس الذى يعتبره دعاة متشددون من أمثال وجدى غنيم وصفوت حجازى «مؤيدا من الله».. فعليه أن يخرج للناس ويكاشفهم بلا وعود كاذبة ولا ترضيات تزيد الطين بلة، فالأرقام الكارثية التى تغرق الموازنة ستغرق مصر ومن فيها خلال شهور قليلة جدا، وإن كان هناك من يحب هذا البلد فعليه أن يتحرك وينقذه مما هو فيه، فلا يمكن لمصر أن تشهر إفلاسها.
فى أزمة مصيرية كالتى نواجهها الآن يجب أن نرتقى عن الخلافات الحزبية والأيديولوجية، لكن فى المقابل على الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية أن يعى خطورة الوضع الذى تعانى منه مصر ويتحرك قبل فوات الأوان خاصة أن المؤشرات محبطة جدا، وأكبر دليل أن أغلب خطة ال 100 يوم لم يتحقق.
واقعيا.. النظام كله أمام اختبار قاسٍ جدا، فيجب أن يرفع الدعم بالتأكيد جزئيا وتدريجيا حتى يحل بعض مشاكل عجز الموازنة، وحتى يرضى بنك النقد عن منح مصر القرض، ما يزيد صعوبة الاختبار على الحكومة أنها لا تتعاون فيما بينها لدرجة أن وزراء المجموعة الاقتصادية يتناحرون، رغم الاتفاقات التى عقدت فى جلسات تشبه «قعدات العرب» للتكاتف.. حتى تفاقم الموقف إلى شائعات الاستقالات أو الإقالات التى طاردت وزراء المالية والتموين والتنمية المحلية، والتى كانت نقطة فارقة فى تناول الحكومة للأزمة على الأقل إعلاميا، لدرجة أن وزير المالية «د. ممتاز السعيد» لا يرد على تليفونه المحمول من وقتها، وإن رد يطلب منك عدم سؤاله فى موضوع الدعم وطريقة مواجهته، وكأنها رفاهية!
وزير التموين «أبوزيد أبوزيد» لم يختلف كثيرا عن زميله فى المالية خاصة أن الأنباء التى ترددت حول الأحاديث العنيفة بين الوزراء الاقتصاديين لم تتوقف خلال الأيام الأخيرة، وإجمالا لهذا المشهد المؤسف فإنه غير مطمئن بالمرة، وبالذات لأنه يحوى رئيس وزراء يردد نفس الكلام دون مواجهة ولا يهتم إلا برد الهجوم حتى من قيادات «الحرية والعدالة»، الذين أبدعوا سياسيا بمهاجمته وكأنهم معارضة وليسوا الحزب الحاكم.. أى أنه ليس هناك من يحل، فى وقت عصيب جدا يجب أن نحل وبسرعة!
وتنبع الخطورة فى أن الحلول المقترحة يستغرق أقلها حوالى 3 أعوام أبرزها استبدال السولار والبنزين بالغاز الطبيعى، وكوبونات البوتاجاز والدعم النقدى بدلا من العينى وكارت البنزين المدعم لكل سيارة أقل من 1600 سى سى، وزيادة أسعار البنزين 95 و,92 أى أن الأزمة مستمرة خاصة أن الحكومة بل النظام كله مصاب بأمراض النظام السابق من عدم القدرة على مواجهة الشعب، حتى لو كانت الضرورة ملحة كما هى الآن، لدرجة أنها لا تستطيع حتى الحديث عن زيادة رغيف العيش إلى 10 قروش أو 15 قرشا فى إطار تحسين حقيقى لا دعائى لمستوى الرغيف، رغم أنه واقعيا يباع الرغيف بهذه الأسعار تقريبا فى المخابز بسبب تقليل الأوزان رغم رقابة مفتشى التموين لبيع الدقيق المدعم فى السوق السوداء، فى محاولة للتحايل على اقتصاديات إنتاج الخبز المرتبكة تماما منذ سنوات دون حل!
وما لا يعرفه السادة الحكام والوزراء أن أغلب المصريين يشترون الرغيف المحسن أو السياحى الذى وصل سعره إلى جنيه أو الصغير ب 50 قرشا، وكل هذا مسروق من الدقيق المدعم، وطوابير العيش المدعم تنتهى فى الغالب عند الثانية ظهرا ومستواه لا آدمى بالمرة! فلماذا لا يستطيع أحد أن يحسم الأمر؟ خاصة أن هذه الأوضاع.. النظام الحالى غير مسئول عنها، لكن إن سكت عنها سيتورط فيها، وبالطبع شبح انتفاضة الخبز فى 77 يطارد مرسى وأعوانه كغيره من رؤساء مصر الذين تهربوا من مواجهة الأزمة، التى تضخمت ككرة الثلج حتى أصبحت دون حل! لكننى أرى أن الحل السهل الممتنع بالحوار مع الناس، إلا لو كانت السياسة والخوف من انتخابات رئاسية مبكرة أو حتى ثورة ثانية يترقبها الكثيرون والاستفتاء على الدستور المثير للاستفزاز والانتخابات البرلمانية، هى المحركة للأحداث وبالتالى القرارات الرئاسية والإرشادية!
علينا أن نتحرك للحل.. ونعلى المصلحة الوطنية لا الأيديولوجية، خاصة أن هناك مخاوف من تجهيز الساحة لجهات معينة تسيطر على توزيع الدعم وتوصيله لمستحقيه.. وما أدراك من هم مستحقوه؟! ومن يختارهم بالضبط!