لإيحاء الكلمات عبير يفيض فى النفس فينعشها. فما بالنا عند ارتباط تلك الكلمات بأماكن كثيرا ما تهفو الروح إليها وتتلهف على صورتها. من هذه الكلمات ما يعتمل فى صدرى حين أسمع كلمة جبل النور، إنه الجبل الذى احتضن نزول أول كلمات كتاب الله تعالى على نبينا وأسوتنا سيدنا «محمد صلى الله عليه وسلم». فهو الجبل الذى يضم غار حراء الذى كان الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام يعتكف فيه عابدا متأملا إلى أن نزل عليه الوحى من الله سبحانه وتعالى. جبل النور شرق مكة على يسار الذاهب إلى عرفات، صحيح أن اسمه أصلا هو جبل حراء، إنما صار الناس يطلقون عليه «جبل النور» كرمز لبداية نشر نور الدعوة الإسلامية. يحرص الكثيرون على صعود جبل النور، ودخول الغار الذى نزل فيه جبريل عليه السلام بأول الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم بالرغم من مشقة الصعود إلى قمته التى يصل ارتفاعها إلى 642 متراً، خاصة مع الانحدار القائم الزاوية تقريبا قرب القمة. إنما هى متعة الوصول إلى البقعة التى شهدت خلوة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والتى كان يطل منها على مكةالمكرمة والبيت العتيق، والتى يجد من يصل إليها حاليا نفسه أمام مشهد يملأ الروح بالتأملات وباستحضار جلال ما جرى فى ذلك المكان ذات ليلة لم تكن كأية ليلة، فلقد تشرف المكان بليلة القدر التى هى خير من ألف شهر. أما جبل عرفات، والذى يسميه فى الوقت ذاته البعض باسم جبل الرحمة فهو «عرفة» باعتباره على أغلب الأقوال قد شهد أول لقاء لآدم وحواء على الأرض، وقد رحم الله سبحانه آدم بأن وجد حواء وعرف كل منهما الآخر مؤنسا ورفيقا، فصار الجبل عرفة. وفى يوم عرفة يحرص بعض الحجاج على صعوده بالرغم من أن صعوده ليس واجبا وهو الأمر الذى يكرره الكثير من علماء الدين خلال الحج فى كل عام باعتبار أن الأرض المتسعة أمامه أو الميدان الفسيح المحاط بالجبال هو كله موقف، مع ذلك فإن من الواضح أن لصعوده متعة يحرص على أن ينالها الكثير من الحجاج. والحقيقة أننى أنا من بعيد لبعيد ودون مشقة، يسعدنى مشهد الصاعدين إلى جبل عرفة أو الرحمة، حيث يبدو الحجيج من بعيد بملابس الإحرام البيضاء كطيور سلام توحى بانتشار السلام والأجواء الروحانية من تلك البقعة المباركة من البلد الحرام. كما أن تسمية جبل «الرحمة» التى يميل الكثيرون لإضافتها إلى اسم جبل «عرفة» هى أيضا تسمية إضافية لها صدى جذاب ويبعث بإيحاءات طيبة فى النفس. تسمية «عرفة» بالتاء المربوطة تدل على الزمان. و«عَرَفَاتٌ»: بالتاء المفتوحة مَوقِفُ الحاج ذلك اليوم تدل على المكان، أى اسم للبقعة وإنما سميت بذلك لنفسها وما حولها حيث يمتلئ بملايين من الناس خلال يوم واحد من أيام السنة (يوم9 ذو الحجة) فى شعيرة الوقوف خلال يوم فضله عظيم، وثوابه كبير، يوم يكفر الله فيه الذنوب، ويضاعف فيه الصالح من الأعمال. أما من لم يسعد بالسفر للحج والوقوف فى عرفة فإن له أن يصوم فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية» إنها أيام مباركة يستطيع المسلم فى كل الدنيا أن يصاحب الحجاج وجدانيا ويرافقهم روحيا وينال من النفحات المباركة، وتسيل عبرات الشوق، وتبتهل الأنفس بالدعاء: اوعدنا يارب.