انعدام المنطق والاستهزاء بعقلية الإنسان المصرى، كانا النغمة الغالبة في تصريحات اللواء أحمد زكى عابدين محافظ كفر الشيخ حول حادث تصادم معديتين قرب شاطىء رشيد. حيث صرخ المحافظ فى مذيع النيل للأخبار خد الكلام من عندى أنا.. مفيش مفقودين فى الحادث.. محدش بلغ عن أى مفقود. وحين حاول المذيع الشاب أن يرد المصادر قالت إن هناك مفقودين.. قاطعة اللواء بلهجة آمره مصادر إيه.. أنا باقول لك مفيش مفقودين.. إحنا مشطنا المنطقة ووصلنا إلي قاع النيل ومفيش ولا جثة! قال المذيع بتلعثم: المصادر وكالات أنباء، وسكت على إثر شخطة من المحافظ اللواء: وكالات إيه خد المعلومات من عندى مفيش مفقودين!! كانت المحادثة التليفزيونية التليفونية بعد الحادث بست ساعات، حيث وقع الحادث الساعة الخامسة من مساء الجمعة، وكانت المحادثة فى نشرة أخبار الحادية عشرة، والمحافظ ليس لديه أى معلومات أو أرقام سوى إنقاذ ستة مصابين، ونقلهم إلي مستشفى رشيد.. أما باقى ركاب المعديتين الذين لا يعرف أحد عددهم حتى موعد النشرة فهم بالمنطق والعقل إما منقذون أو مفقودون، فلماذا يصر السيد المحافظ، ويؤكد على أنه لايوجد مفقودون؟! السبب فى رأيه أنه لاتوجد بلاغات رغم أنه إذا نظر حوله سيجد ثلاثة آلاف مواطن أمام المرسى فى انتظار العثور على المفقودين، ومن بينهم بالطبع العشرات الذين يسألون عن أهاليهم، ولم يذهبوا للإبلاغ عنهم.. إنهم يعيشون لحظات الأمل واليأس فى أن يخرج لهم أحد حيا أو جثة. هل فى حادث مأسوى مثل هذا يصح أن يعتمد المحافظ على البلاغات أم على الواقع المحيط به، والذى يؤكد أن هناك بالتأكيد ضحايا وليس مفقودين، هل النفى الحاد والجاد على الهواء هو الحل المطلوب من أى مسئول، أم البحث والتقصى ومحاولة الوصول إلى أرقام - حتى إن كانت غير مؤكدة - هو مهمة المسئول الذى وصفته الصحف بأنه قطع إجازته ليتابع الحادث، وهل كان من المفترض أن يمضى إجازته بشكل معتاد، وهناك حادث وقع لسبعين مواطنا فى أقل تقدير. ألم يكن يكفى السيد المحافظ أن يتحدث عن جهوده وجهود إدارته فى البحث عن الغرقى بدلاً من أن يؤكد باستماتة أنه ليس هناك مفقودون لأنه ليست هناك بلاغات، والمنطق والعقل يقولان أن لكل حادث مصابين وضحايا ومفقودين خاصة أن الحادث كان كبيراً، وعلى عينك يا تاجر، حيث لا يمكن إخفاؤه فى ظل وجود وكالات أنباء ومراسلى فضائيات وصحف، ولعلم السيد المحافظ كانت هناك وأثناء وجوده وربما قبل وجوده وكالة الأنباء الفرنسية، ووكالة الأنباء الألمانية بينما هو يتساءل على التليفزيون: وكالات إيه؟! حادثة اصطدام معديتين فى النيل بين محافظتين ليست مسئولية أى محافظ، فهى مسئولية قائدى المعديتين أو الطقس أو انعدام الرؤية أو القضاء والقدر، كل هذا ستثبته تحقيقات النيابة، ولكن مسئولية المحافظ أو الوزير هى كيفية إدارته لما بعد الحادثة، باستدعاء فرق الإنقاذ، ومتابعة عملها، والحصول على أرقام قريبة من الحقيقة، والتحدث مع أهل الضحايا والمصابين لمعرفة بعض الحقائق والاستماع إلى شهود العيان، وشكر المواطنين الذين ساهموا فى الإنقاذ، وتقدير جهودهم وتقديمهم إلى وسائل الإعلام باعتبارهم مواطنين صالحين يجب الاحتفاء بهم، وعدم العودة إلى بيته أو مكتبه قبل حصر عدد ضحايا الحادث وحصولهم على العلاج المناسب. إن الاستخفاف بعقول الناس والتأكيد السريع والصريح بعدم وجود ضحايا أو مفقودين سيجعلهم يفقدون الثقة فى المسئول ويبتعدون عنه أكثر وأكثر، فهو حين حاول أن يتجمل فقد ملامحه فلم يتعرفوا عليه.