اختلطت المشاعر وتضاربت الأحاسيس ما بين غضب عارم وألم اعتصر قلوبنا عصرا.. ورغبة جامحة فى الثأر لهذا المشهد المهين الذى لم تقتصر إهانته على صاحبته الفتاة المسحولة التى جردوها من ثيابها وسحقوها بأقدامهم وبياداتهم العسكرية بل أهان كل مصرى ومصرية على أرضها واقشعرت أبدان العالم أجمع لرؤية هذا المشهد الفظيع فكان غلافا للمجلات العالمية تحت عنوان «انتهاك مروع لحقوق المرأة والإنسان بصفة عامة». ولكن الأدهى من هذا بعض ردود الأفعال القاسية التى جاءت لا أعلم إن كان تبريرا أو غدرا أقبح من ذنب للمعاملة غير الإنسانية التى تعرضت لها الفتاة والأعجب أن هذا التجريح جاء من أشخاص يطلقون على أنفسهم رجال دين ويرفعون راية الحلال والحرام فنجد شيخا «سلفيا» يسخر من المشهد ويقول «من هذه المنتقبة أصلا نحن لا نعرفها» أضرورة لكى يغلى دمك على فتاة قد تكون أختك.. أمك.. جارتك أن تكون تعرفها؟ وآخر يقول لِم لم تكن ترتدى شيئا تحت العباية ويجب أن نقرأ ما بين السطور! أى سطور التى يتحدثون عنها؟ أخلت المروءة والشهامة من القلوب؟ وإن خلت ألم يعد للرحمة مكان بين ضلوعنا؟! وانتشرت على النت قصص لا نعرف من أين جاءوا بها منهم من قال فتاة هاربة من أهلها بطنطا وآخر اتهمها بأنها مأجورة كالعادة! للعلم فقط وليس تبريرا هذه الفتاة طبيبة بشرية نزلت لتطبيب جروح من الشباب نزلت لتمسح آلام ثوارنا الشباب غير المأجورين! لجأت للسيدة التى أحترم وأقدر آراءها عن المرأة المسلمة وعن أهمية دورها فى بناء المجتمع الدكتورة آمنة نصير.. أستاذ العقيدة والفلسفة وعميد سابق لكلية الدراسات الإسلامية. ما رأيك فى هذا المشهد.. وهل كما يقول البعض أن الفتاة يقع عليها الخطأ؟ من كثرة حبى لبناتى أحب أن يكون عندهن بصيرة ونظرة لما يدور حولهن فإذا وجدت أن هناك ما يوقعنى فيما وقعت فيه ابنتنا الكريمة وقلبى معها والله.. أتدبر الأمر وأبتعد عنه.. ولكم يؤذينى ما أجده لها على الصحف التى تكاد تقتلنى نفسيا لذا يجب أن نكن مدركات لمواطن الخطر. لأننا مطالبات شرعا بألا ندفع بأنفسنا وأرواحنا وكرامتنا إلى التهلكة لأن النفس التى بداخلنا لابد أن أحميها من أى أذى أو إهانة. هل معنى ذلك أن تمتنع السيدات والبنات عن التظاهر أو العمل السياسى؟ ليس معنى هذا أن أطالب السيدات أو البنات بالامتناع عن صنع السياسة فشتان ما بين أن أطالب بتفعيل دور البنات فى صنع الحياة شأنها شأن الرجل كما كان فى العهد النبوى وفى نفس الوقت يجب أن يبتعدن عن المخاطر وتحمى البنت نفسها وكرامتها من القيل والقال كما نرى الآن! فى ظل الظروف الحالية ستخاف كل فتاة من المخاطر وتتجنب المشاركة والتعبير عن آرائها؟ لا..لا أريدكن أن تخافن لكن كُن مبصرات فهناك فرق بين الجبن والامتناع وما بين التبصير والإقدام والتهور أريد أن يكون لديكن هذا الوعى ليس مجرد فتاة تأكل وتشرب وتربى جسدا فى بيتها ولا فتاة مندفعة تلقى بنفسها فى التهلكة. ما حدث كان مفاجئا وغير متوقع فماذا كان التصرف السليم؟ بالفعل ما حدث كان نوعا من الغوغائية ويجب ألا نوقع أنفسنا فيه فللجهاد أوجه كثيرة يمكن أن أكتب مقالا، أوزع أوراقا على رءوس الناس نجاهد فى أماكن تناسبنا. كان هناك طبيبات نزلن لعلاج المصابين وتم أيضا ضربهن وإهانتهن.. ألم يكن هذا مكانهن؟ لذلك أقول لابد أن يكون هناك يقظة ووعى كامل من قبل الشعب بشكل منظم ومنتظم والمسئولية تقع كاملة على من تولى أمرنا. مارأى الدين فى تصرف من تولوا أمرنا؟ تولية الأمر ليس مجرد كرسى أو منصب أو حجاب ..تولية الأمر مسئولية لحماية المجتمع حتى من نفسه وحمايته من الغوغائية التى رأيناها. ليس هناك شك أننى فى لحظة تتملكنى كل مشاعر المرارة عندما أرى المجمع العلمى يحترق وأحد الشباب يرفع يده بعلامة النصر! فعلام النصر؟ أن أحرق علمى وذاكرتى أهذا هو النصر؟ والله المجمع كان يحترق وكأن النار مشتعلة فى جسدى. لكن من فعلوا هذا ليسوا شباب الثوار؟ لا أتحرى عمن هم الآن ولكنى أتحدث عن الأخلاق الغوغائية لا أمتنع عن صنع الحياة السوية فأنا أنزل للحديث للشباب فى ساعات متأخرة من الليل وأعود بيتى بعد الواحدة صباحا كنوع من الجهاد الذى أقدر عليه فالجهاد متنوع كطبيب جراح فى الميدان بارك الله فى كل يد مسحت ألما أو جرحا ولكن فى نفس الوقت يجب الحرص والانضباط الأخلاقى. هل التعامل الأمنى كان أخلاقيا؟ الأمن له مقومات أخلاقية وتكتيكية فكيف نفض الفوضى؟ ولا أقول للأمن اترك «الحبل على الغارب» ولكن إنهاء الفوضى يجب أن يكون بشكل راق كما فى المجتمعات المتحضرة ، ففى أوروبا ينزل الجنود كالصقور ويقومون بتكتيف الشباب سواء رجلا أو امرأة بشكل حضارى ثم يحقق معهم فلماذا لا نتعلم منهم؟ ما رأيك فى تناول الإعلام للحدث؟ الحقيقة أنا غاضبة جدا من الصحف والإعلام لتركيزهما على هذه القضية لأننى أشعر أننى أتعرى أمام البشر.. أن نعرى سوءاتنا سواء جاءت من الجيش أو صاحبتها لا يليق أبدا التشهير بهذه الصورة لمكاسب أخرى. ربما لأن الموضوع أثار وجعاً فى قلوب العامة؟ نعم.. ولكن بمجرد عرض الصورة بهذا الشكل شىء أصبح يؤذينا أكثر فإذا أردنا محاربة مؤسسة ما فلنحاربها بفروسية. مادور الدين فى توجيه من أخطأ فى حق الفتاة وحق كل المصريين؟ أتمنى من جميع المساجد ألا تهيج ولكن تربى الفكر الجيد للميدان والجنود ولأبنائنا وبناتنا وأتمنى أن أرى القول السديد المفيد لإعادة بناء هذه الأمراض التى ملأت نفوسنا من المرحلة الأخيرة فعلى قدر فخرنا فى الأيام الأولى للثورة على قدر آلامنا فى الأسابيع الأخيرة لما نراه.