صدرت وستظل تصدر الكتب عن «أسامة بن لادن». سيظل عند الكثيرين الشغف بأن يقرأوا عنه من جديد، فكلما ازدادت علامات الاستفهام حول شخصيته ازداد الاهتمام بها، وكلما تزايد الخلاف حول شخصيته توهج الكلام حولها. هذا ما كنت أقوله لنفسى وأنا ألتهم كتاب «أسامة بن لادن» للكاتبة الصحفية «زينب عفيفى» الذى صدر مؤخرا عن «دار العالم العربى». منذ ربع قرن، صدر للكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة كتاب بعنوان «سليمان خاطر: السلام، الموساد، الموت» فتشت عن الكتاب فى مكتبتى مع عودة اسم «سليمان خاطر» عقب موقعة إنزال علم السفارة الإسرائيلية التى قام بها «أحمد الشحات» ابن محافظة الشرقية مثل «سليمان خاطر». أعدت قراءة الكتاب الرائع فإذا ما جرى يتكرر أمامى بنفس التأثر، ونفس الانفعال، ونفس الإجلال للبطولة، والانبهار بروعة هذا الشعب العظيم القادر على أن يجدد فى الحياة الأمل متجاوزا كل النخبة وكل النمطيين. عبر هذا الكتاب يغوص عادل حمودة فى أعماق حكاية سليمان خاطر منذ قتل 7 إسرائيليين فى عز جبروت حكاية السلام مع العدو الإسرائيلى، إلى أن قيل أنه قد انتحر داخل الزنزانة. خطوط وجدت أننى كنت قد وضعتها تحت فقرات من ردود سليمان خاطر خلال التحقيق معه حول قيامه بقتل مجموعة من الإسرائيليين فى سيناء حين أمرهم خلال آخر يوم من أيام خدمته العسكرية أن يبتعدوا عن المنطقة العسكرية التى كان يقوم على حراستها، وعندما لم يستجيبوا لتحذيره أطلق عليهم النار. حيث سأله المحقق: ألا تعلم أنه محظور إطلاق النار على أحد؟ فجاء رده البليغ: هو ممنوع أضرب النار كمان على عدوى. قد يعتبر أحد القراء الشباب الذين لم يعيشوا تلك المرحلة أن وضعى خطاً تحت هذا الرد هو أمر يتضمن نوعاً من المبالغة تجاه أهمية ما قاله، لأن أحدا اليوم لا يتصور أن وصف إسرائيل بالعدو فى تلك الأيام كان أمرا ليس مأمونا مع بدايات ما سمى بالسلام، أما السلاح فكان الكلام عن أهميته هو أيضا من المحظورات، مع ذلك فحين سأله المحقق: لماذا تصر على تعمير سلاحك؟ فقد جاء رده: اللى يحب سلاحه يحب وطنه، واللى يهمل سلاحه يبقى مهمل فى وطنه. ثم أضاف أنه يذكر رقم سلاحه بالضبط، وبالفعل ذكره للمحقق، الذى فوجئ بأن الرقم الذى ذكره صحيح فسأله: بماذا تبرر تذكرك لرقم سلاحك؟ فأجاب: لمدى حبى له، زى كلمة «مصر» تمام. ومن أقواله التى وضعت علامة عندها قوله فى التحقيق أنه منع الإسرائيليين من الصعود إلى النقطة العسكرية لأنه مسئول عن أمن الجنود الآخرين قائلا: «كل راع مسئول عن رعيته، وأنا حتحاسب على ما يجرى للناس اللى تبعى». جمال المصريين البسطاء لم يكتف عادل حمودة بتسجيله عبر كلمات سليمان خاطر فقط، إنما سجله أيضا عبر ما رواه عن الجندى الذى كان مكلفا بحراسة سليمان خاطر خلال نقله من سجن إلى آخر حيث رفض الحارس البسيط أن يتسلم البندقية التى عليه أن يحملها أثناء سيره خلف سليمان خاطر كحارس له، حيث صمم الحارس قائلا: لا أحمل بندقية خلف سليمان خاطر، ولا أرفع سلاحى خلف سليمان خاطر. يا سلام على جمال الشعب المصرى وأصالته و«جدعنته». رحم الله سليمان خاطر، وبارك فى كل الشرفاء. تحية لكل أبطالنا، الذين نعرف أسماءهم والمجهولين، وتحية لكل كاتب يحرص على أن يطرز تفاصيل البطولة عبر سن القلم لنظل نستعيدها أجيالا وراء أجيال، إجلالا للشهداء وتعظيما لقيمة الفداء. لذلك يستحق كتاب «سليمان خاطر» بقلم عادل حمودة أن تعاد طباعته والاحتفاء به إحياء لذكرى البطل سليمان خاطر، فهذا الكتاب وثيقة مكتوبة بسلاسة ودقة فى الوقت نفسه، بانسيابية وفهم عميق. بشاعرية، وحزن وصدق. بحب للبطل، وتقدير للبطولة. كما أن ما ورد فى هذا الكتاب قد ازدادت أهميته مع مرور السنين حيث تتحول مثل هذه الكتب إلى جزء من ذاكرة الأمة، التى لا بد من تنشيطها، كى لا تضيع بين زحامها حكاية إنسان مصرى عظيم فى بطولته، بسيط فى عفوية ما قام به انطلاقا من مخزون وجدانى مصرى عريق يعرف جيدا من هو العدو ومن هو الصديق. ويؤمن بأن شعار النصر لنا بإذن الله هو يقين موشوم على أحلام المستقبل.