ريشة الفنان: محمد الطراوي هذا الخروج الكبير إلى لجان الاستفتاء تحت مظلة استقطاب سياسى حاد بين الداعين ل «نعم» للتعديلات الدستورية والمتطلعين إلى «لا» للتعديلات.. وقد قالت أغلبية الثلثين «نعم» للتعديلات بينما رفضها الثلث تقريبا. هذا الخروج العظيم للمصريين واصطفافهم أمام لجان الاستفتاء من شتى الطبقات الاجتماعية ومختلف الأعمار من الشباب والشيوخ والنساء ليضعوا رأيهم فى الصناديق الزجاجية. لا يتعلق فقط بدلالة الإتاحة بإدلاء الرأى فى حرية كاملة وثقة مطلقة فى نزاهة نتائج الاستفتاء.. ثقة مطلقة فى القوات المسلحة المصرية.. وإنما أيضا هو إيمان ذاتى بأن هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر هى لحظة صناعة المستقبل وتحديد مصير الأيام والسنوات القادمة. وفى هذا السياق فإن كل رأى له قيمة وكل اختيار يستند إلى مضمون سواء كان «نعم» أو «لا».. قد تختلف السياقات وقد تتعدد المضامين.. وقد تتنوع القوى السياسية التى تريد أن تقتنص هذه اللحظة لتحدد مسارها وتقبض على دفتها. ولكن أى مستقبل وأى مصير وأية سنوات قادمة يمكن أن تشكل خريطة حياة سياسية ترتكز على معطيات حقيقية تؤدى فى النهاية إلى قيام دولة مدنية على أساس مبدأ المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن المعتقد الدينى أو الجنس أو الانتماء السياسى. وفى هذا السياق أيضا باتت الإجابة على التساؤل عن من الذى تربص ورأى أنه حانت لحظة الاقتناص وأن الدفة أصبحت ملك يمينه.. إجابة واضحة وضوح الشمس.. فوضع كل أدواته فى خدمة خطته فى السيطرة والتمكين. وبدا جليا أن التيار الدينى وجماعة الإخوان المسلمين قد استدعوا كل أدواتهم التنظيمية وخبراتهم فى الحشد ومخاطبة المشاعر الدينية للتصويت ب «نعم» على إجراء التعديلات وتم توزيع المنشورات والملصقات الممهورة بتوقيع الجماعة.. واستخدام منابر المساجد. وخرجت الكوادر إلى شاشات البرامج الفضائية.. وطاف أعضاؤها فى الشوارع وبين الناس ودقت على أبواب البيوت وأعطت الإجابة «بنعم» للتعديلات صبغة دينية.. وأفتت بأنها «واجب شرعى» تحت دعاوى تحقق «الاستقرار» ودفع عجلة الإنتاج. ولها فى ذلك دلائل أنها الأكثر تواجدا وتنظيما وأصبحت أكثر انتشارا وتأثيرا.. ومن ثم فإن أبواب مجلس النواب أصبحت مفتوحة على مصراعيها والمقاعد البرلمانية أصبحت مضمونة عند أول انتخابات.. وبعدها الانتخابات الرئاسية. فى الوقت الذى كان فيه الدافع واضحا للمعارضين لإجراء التعديلات الدستورية يستند إلى أن الأحزاب الموجودة وحتى ما هو تحت الإنشاء أو الإعلان والقوى السياسية الليبرالية تحتاج - فضلا عن الوقت - إلى الكثير من البناء الداخلى والتنظيم والآليات التى تستطيع بها أن تجد لها موقعا ثابتا على الأرض وبين الناخبين.. مع الإدراك التام بأن العمل السياسى بين الناخبين يعتمد على قواعد وكوادر لابد أن تكون منتشرة فى شتى محافظات مصر. حسنا.. هى الديمقراطية.. وصاحب القرار هو الصوت الانتخابى الذى أصبح مدركا ومتأكدا.. أن صوته أصبح حرا محصنا بالنزاهة ولا يأتيه شك من قريب أو بعيد.. ومن ثم.. كل أصبح مسئولا عن قراره واختياره.