واشنطن العاصمة الأمريكية حريصة على عدم الخروج من الإغلاق بسرعة ودون اتخاذ الاحتياطات الواجبة لسلامة سكانها وأيضًا زائريها. مترو واشنطن منذ فترة يعمل بجدول زمنى آخر.. قطارات أقل ومحطات أقل.. وعلى السادة الركاب (إن تواجدوا) ارتداء الكمامة. الجهة المسئولة عن إدارة مترو واشنطن قالت إنها لا تتوقع العودة لما كان عليه من قبل قبل حلول صيف 2021.
أحاديث الساعة
إنها تنويعات مختلفة لنغمة واحدة كوفيد 19-. ما يلفت الانتباه أن فى أجواء كورونا أو ما يوصف ب«الحالة الصحية والاقتصادية» السائدة والمهيمنة هذه الأيام لم يتوقف الجدال الساخن (وغالبًا بأعصاب مشدودة) حول ما يمكن تسميته بالخروج من الإغلاق أو العزلة. ونعم قد يتفق الكل على ضرورة العودة للحياة الطبيعية أيما كانت. ولكن الاختلاف كل الاختلاف يظهر علنًا وصدّامًا.. عندما يصل الحديث إلى متى؟ وكيف؟ الخوف أو الرعب من الإصابة بالفيروس بتبعاته الخطيرة لا يمكن إنكاره أو تجاهله. لذا الاحتياط واجب.
تبدو المواجهة سياسية وإيديولوجية. وكأن هناك فيروسًا أحمر وفيروسًا آخر أزرق كما يقال فى واشنطن. الفيروس الأحمر يخص الرئيس وأنصاره، إذ إنهم يرون أن الوباء كارثة اقتصادية فى المقام الأول ولذا يجب الخروج منها فى أسرع وقت ممكن مَهما كانت المخاطرة. فى حين الفيروس الأزرق يخص الأطباء وخبراء الصحة العامة ومن ثم معارضى ترامب من الديمقراطيين وآخرين. وهذا التكتل يرى أن الوباء كارثة صحية يجب احتواؤها والتأكد من تلجيمها والتعامل معها بشكل عقلانى قبل الاندفاع لفتح أبواب الأسواق والعودة إلى الحياة التى اعتادها الناس.. وفى هذه المواجهة الساخنة نرى أيضًا أن ارتداء الكمامة التى لا يقبلها ولا يريد أن يستعملها الرئيس ترامب صار موضع حروب صدامية عنيفة تجرى عبر وسائط التواصل الاجتماعى وعلى شاشات البرامج التليفزيونية. ونراها أيضًا حربًا ومواجهة فى المتاجر التى تريد تطبيق ارتداء الكمامة عند الدخول بالنسبة للعملاء.. إلّا أن البعض منهم يرفض ارتداء الكمامة وأحيانًا يتشابك مع العامل بالمتجر ويحول الأمر إلى خناقة عامة. ويجب ألّا ننسى أن كل هذه المصادمات الشرسة والساخنة تجرى فى أجواء انتخابية رئاسية من المقرر إجراؤها فى شهر نوفمبر المقبل. .ترامب فى وضع لا يُحسَد عليه (بسبب ما حدث) إلّا أنه كعادته راغب وأيضًا قادر على تشكيل سردية خاصة به يرويها ويحكيها لأنصاره وللشعب الأمريكى. بأنه أنقذ البلاد من كارثة كادت أن تؤدى إلى وفاة 2 مليون ولكن إدارته تصدّت للوباء فى الوقت المناسب.. وأنه استلم منظومة صحية عفا عليها الزمن وأنه فى خلال فترة وجيزة للغاية استطاع أن يعيد إقامة البنية الأساسية لأجهزة الدولة المعنية بالصحة العامة. وحسب قوله بأنها كانت خرابه وهو حوّلها لما لم تشهده أمريكا فى تاريخها!!. كلمات ومعانٍ مشابهة تتوالى يوميّا من البيت الأبيض وبالطبع من خلال تصريحات ترامب وتغريداته.
لكن الهواجس والمخاوف من كوفيد - 19 لاتزال متواجدة بشكل أو آخر لحين إشعار آخر.
اتجاه الرياح
«واشنطن بوست» تكتب أن فيروس كوفيد - 19 سيتم التذكير به بأنه كان وباء بيوت المسنين. على أساس أن 40 فى المائة من الأموات -ضحايا كورونا- فى ولاية كاليفورنيا (على سبيل المثال) كانوا من أهل تلك البيوت التى لجأ إليها كبار السن من أجل تمضية أيامهم الأخيرة من عمرهم فى سلام واطمئنان!.
ولم تتردد الصحيفة فى أن تعكس أيضًا الشكوك التى تتزايد حول إمكانية التوصل إلى اللقاح المضاد بسرعة. وذكرت «واشنطن بوست» فى تقرير مطول لها أن الخبراء والعلماء لايزالون يرون أن إمكانية هذا الاكتشاف لن تتحقق قبل سنة أو سنة ونصف. ومن الصعب جدّا حسم أمر درجة فاعليته دون آثار جانبية سلبية قبل هذا التوقيت. شكوك العلماء تمت الإشارة إليها بعد أن أعلن البيت الأبيض الرئيس الأمريكى عن تشكيل فريق عمل للإسراع من التوصل إلى المصل المضاد قبل نهاية العام الحالى. .أمّا صحيفة «وول ستريت جورنال» فنبّهت بأن المرأة هى الأكثر تضررًا من الرجل فى الوظائف التى توقفت أو اختفت خلال الشهرين الماضيين؛ خصوصًا أن غالبية تلك الوظائف أو الخدمات كانت تتطلب التعامل وجهًا لوجه مع العميل أو المستهلك وبالتالى لم ينفع معها العمل عن بُعد أو عبر الإنترنيت. وحسب ما ذكرته الصحيفة الأمريكية فإن نسبة البطالة بين النساء وصلت إلى 16.2 فى المائة بعد أن كانت نحو 3.5 فى المائة فى شهر فبراير الماضى..وفى هذا الصدد ذكرت الصحيفة أيضًا أن نحو 11 فى المائة من العاملات النساء يعملن فى قطاع الرعاية الصحية فى حين لا تتجاوز النسبة عند العاملين الرجال فى القطاع نفسه ثلاثة فى المائة.
وبالتالى قد يتضح لنا المشهد الذى يتشكل أمامنا.. من مخاطر تعرضت لها المرأة وسوف تتعرض لها فى الشهور المقبلة لكونها فى الخطوط الأمامية فى المواجهة القائمة مع كورونا...وقد واصلت وسائل الإعلام والصحف فى تناوُل ما قد يحدث عقب كورونا (عاجلًا كان أمْ آجلًا). ومن هذه الأمور إعلان أو إشهار نهاية المكتب أو مكان العمل بالشكل الذى اعتدنا عليه فى الماضى القريب!!.
إذ طالما يمكن أداء مهام عديدة من المنزل أونلاين فإن الزحمة التى قد تنشأ بوجود العاملين بالمكتب فى المكان نفسه وفى الزمان نفسه (ولساعات طويلة) تعد أمرًا محفوفًا بالمخاطر فى زمن الكورونا. وبالتالى هناك إلحاح بضرورة إعادة تنظيم مواعيد حضور وانصراف الموظفين وأيضًا إعادة تخطيط أماكن تواجدهم مع مراعاة معايير التباعد الاجتماعى. وفى هذا الصدد ذكر أن شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة مثل جوجل وفيسبوك قررت مبدئيّا إمكانية عمل الموظفين بها من منازلهم (أو عن بُعد) حتى نهاية هذا العام. وقد تتم إعادة ترتيب الأوضاع والأولويات فى فترة إعادة النظر مَهما طالت!! وكما هو معروف فإن كل التوقعات عادة توصف بعدم اليقين وعدم الحسم معًا!!.
ما توقف عنده وسائل الإعلام والرأى العام بشكل عام أن ما تم تحقيقه من خَلق للوظائف فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى عشر سنوات تبخر فى شهر واحد أبريل 2020. نسبة البطالة فى أمريكا وصلت إلى 14.7 فى المائة. أكثر من عشرين مليون شخص فقدوا وظائفهم فى شهر واحد. أرقام تماثل ما حدث فى عام 1939 - فترة الركود الاقتصادى الكبير التى عاشتها البلاد.
ولأن أغلب الناس ملتزمة ب «خليك فى البيت»؛ فإن حجم شراء البيجامات أونلاين فى شهر أبريل 2020 قد زاد بنسبة 143 فى المائة عن حجم شرائها فى الشهر السابق (مارس 2020) فى حين انخفض حجم شراء البنطلونات بنسبة 13 فى المائة. وكل ذلك بالطبع وكما تعرف بسبب «خليك فى البيت والعمل من بيتك وخليك ببيجامتك». ما لفت الانتباه أيضًا أنه بشكل عام شراء الملابس أونلاين زاد بنسبة 34 فى المائة. فى كل الأحوال للقعدة فى البيت أحكام.. والبيجاما راحة ورحرحة!.
•••
إن الأزمة أو الأزمات (بتعبير أدق وأصدق) التى نعيشها هذه الأيام تحتاج إلى وقت للخروج منها.. وتحتاج إلى رغبة وإرادة وإيمان بضرورة التعايش معها مَهما كانت الظروف قاسية.. وكما قيل فى الأيام والأسابيع الأخيرة فإن الفيروس لن يذهب إلى الأبد.. سيظل معنا.. وعلينا (وهذا هو التحدى الأصعب) أن نعتاد لوجوده فى حياتنا!!.