وكأنّ شيئًا لم يكن.. على أجراس صاجات بائع العرقسوس والتمر هندى، ودقة ملعقة صاحب عربة المهلبية والبليلة بالصحن الملامين الأبيض، وقد قاربت العاشرة والنصف صباحًا، اجتمع المارة حول عربة الفول والمسقعة والبطاطس لتناول الإفطار كعاداتهم قبل الذهاب لعملهم، أو بدء جولتهم لاكتساب الطاقة اللازمة التى تعينهم على قضاء حوائجهم وتحمُّل مشقة يوم عمل طويل. لم يتوسطهم ولو واحدًا مرتديًا الكمامة الواقية أوالقفاز الطبى، فالأمور تجرى كعادتها بل وأكثر، الجميع يناول الباعة النقود الورقية والمعدنية ويتناولها منه دون أدنى حرص، وتناول الطعام بنفس أطباق من كان واقفًا منذ دقيقة دون أن يتم تنظيفه، والجميع يشرب الماء من نفس الكوب البلاستيك الأحمر دون أدنى شعور بالذنب أو الحاجة إلى أى اتخاذ أى من الإجراءات الاحترازية، والكل يتزاحم محاولًا الدخول لأضيق الممرات والحارات التى يكمن بها مرادهم وغاياتهم، ترى، لتتساءل هل مترددو هذا الحى خارج محيط عالمنا بأحداثه وأوبئته؟! فى أول شارع درب البرابرة ومن اتجاه شارع بورسعيد، بإمكانك المرور والتجول دون أن تتذكر ولو لحظة واحدة بأن هناك وباء عالميًا متفشيًا فى كل دول الكوكب، وباء لم يفرق بين غنى أو فقير، بين قوى أو ضعيف، هؤلاء استطاعوا تجاوز «كورونا» بممارسة عاداتهم الاحتفالية فى الأعياد والمناسبات الدينية مجتمعين ليسوا متفرقين، رغم حملات التوعية المستمرة بضرورة التزام المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، لكنها «العتبة» التى لم وربما لن تغير عاداتها.. درب الديكورات المودرن شارع درب البرابرة، المشهور بالنجف والتحف الفنية واللوحات التشكيلية وأدوات الإضاءة المنزلية ال «المودرن» التى يبحث عنها المقبلون على الزواج، لم ينس زينة شهر رمضان المحببة التى تزين المنازل. على أعتاب الشهر الكريم، تتوافد سيدات وفتيات على المحلات والعربات المتنقلة، المغطاة بأقمشة الخيامية، لتزيين منازلهن ومداخل أبواب العمارات لاستقبال رمضان، بالفوانيس على مختلف أشكالها وأنواعها وأحجامها، وفروع الزينة الملونة ذات الأشكال الرمضانية المثلثة والهلالية التى تعلق بالشوارع من طرف شرفة إلى أخرى مقابلة لها، المشهد الشهير الذى يراه جميعنا فى الليلة الأولى قبل قدوم شهر الصوم. خداديات اصحى يا نايم «بكام أكياس المخدات اللى مكتوب عليها اصحى يا نايم؟، والفايبر الصغيرة منها بكام؟.. عايزة مجموعة الاستيكرز الفوم اللى فيها بكار وبوجى،وانا عايزة ستيكرز حلو يا حلو.. بكام طمطم الكبيرة اللى هناك دي؟.. عايزة مجموعة الهلال والنجمة والفانوس الفايبر، لا عايزة الكبير.. عايزة ماج فطوطة، وانا عايزة مج بوجى. تتوالى على الشاب الثلاثينى محمد عبدالكريم، طلبات زبائنه فى مثل هذه الأيام من كل عام، والتى لم تختلف هذا العام أيضًا، فالصناديق البلاستيكية الملونة مرتبة جنبا إلى جنب منذ الصباح، معلنة عن افتتاح المحل الشهير ببيع مستلزمات رمضان، التى تملأ البيوت المصرية. نيللى وعمو فؤاد وبكار يرفع محمد دكانه فى السابعة صباحا، ويخرج بضاعته بانتظام لفرشها وعرضها على الطاولات الخشبية، «باختار أجمل حاجة فى بضاعتى وأعرضها برة، كل الأشكال والألوان اللى بتجذب الأطفال والستات، أكياس الخداديات للانتريه بأشكال بكار وبوجى وطمطم وعمو فؤاد ومدفع رمضان.. مجموعة الهلال والنجمة والفانوس الفايبر بأقمشة الخيامية، الستات بتحب تعلقها أول رمضان على باب الشقة وفوق عدادات الكهرباء بحيث تكون ظاهرة، خصوصا أيام العزايم.. عندى مجات مخصوص لرمضان، عليها كل شخصيات رمضان اللى كبرنا عليها وحبيناها، عم شكشك وفطوطة وعمو فؤاد ونيللى وشيريهان، طماطم وبوجى وحسونة وبكار والمعزة رشيدة». المجات المعروضة بأشهر صفحات الفيس بوك ب 60 و70 جنيها، يعرضها عبدالكريم ب 35 جنيها، وبأشكال متنوعة تضم جميع شخصيات مسلسلات وفوازير رمضان، عرائس بوجى وطمطم بأحجامها المختلفة التى يعشقها الكبار قبل الصغار تبدأ أسعارها من 35 حتى 90 جنيها. فانوس الخيامية «عندنا شاسيهات فوانيس الحديد بأحجام مختلفة، فى ناس بتحب تجيبها كدة وتشترى أقمشة الخيامية باللون اللى يعجبها وعدد الأمتار اللى محتجاها وتفصلها على هيكل الفانوس وبتكلفة أقل من الجاهز.. وعندنا قماش خيامية أزرق وأحمر وأخضر وأصفر، بولستر وقطن وكل حاجة ليها سعرها، أغلى حاجة القطن والمتر منها ب 22.5 جنيه، وب 20 و25 جنيها مفارش للترابيزات جاهزة ومتفصلة وبأشكال كتير تناسب كل أشكال الموائد». يستعرض صابر محمود شريك محمد، جانبا آخر من معروضات نيو كلاسك، منوها إلى علب المناديل الخشبية المغطاة بالخيامية والتى يبلغ سعرها 15 جنيها لاستكمال ديكورات المنازل الرمضانية. «عجبنى أوى الشمع الصغير المنور بزمبلك، شكله زى الطبيعى خصوصا وهو سايح على الأطراف، وإضاءته تروح وتيجى زى الشمع بتاعنا، ومش غالى ب 5 جنيه بس»، اختارتها آمال حسنين، إحدى زبائن نيو كلاسك، التى أنهت جولتها داخل المحل بحقيبتي بلاستيك ممتلئتين بمجموعة من المفارش والفوانيس وفروع الزينة وأكياس المخدات لها ولأولادها وأحفادها». «بحب أجيب لولادى عرايس بكار وعم شكشك وبوجى وطمطم زى ماعودتهم كل سنة.. الأسعار هنا مناسبة والحاجة حلوة والاختيارات مالهاش حدود، غير إنى بحب أزين بيتى وأفرح عيلتى وأعمل جو من البهجة لضيوفى»، هكذا قالت إيمان سلام.