فى صيف 2018 حذر خبراء مركز السلامة الصحية بجامعة «جونز هوبكنز» الأمريكية، من إنتشار وباء يسببه فيروس الإنفلونزا، مصحوبًا بالتهاب رئوى حاد، وقدروا أن عدد ضحاياه قد يبلغ 150 مليون شخص بعد عامين من تفشيه، وإذا لم يتم ابتكار لقاح مضاد قادر على وقف انتشاره، فقد يقضى على حياة مليار إنسان تقريبًا.. الدكتور «لى» كان أول من اكتشف المرض فى الصين أوائل نوفمبر 2019، وكتب فى مدونته عن ظهور حالات مخيفة بالمستشفى الذى يعمل به فى ووهان، تظهر عليها أعراض «سارس»، وطالب بفرض عزل وحجر صحى للمرضى حتى يتسنى احتواء المرض.. إدارة المستشفى حولته للتحقيق، وأدانته بنشر معلومات كاذبة وبتصرفات غير قانونية، واعتقل لأيام.. هذا «الإنكار» ساهم فى تأخر إجراءات المواجهة، وانتشار الوباء. الاتهامات الموجهة لأمريكا الصين وإيران استشعرتا فى البداية وكانهما المستهدفتان، لأنهما اعتبرتا خسائر الوباء نوعًا جديدًا من العقوبات الأمريكية، وامتدادًا لإجراءات الحظر.. «تشاو لى جيان» المتحدث باسم الخارجية الصينية، أكد وجود دلائل على أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هى التى نشرت الفيروس، الذى قام العلماء الأمريكيون بتخليقه 2015 فى الصين!!.. الخارجية الأمريكية استدعت السفير الصينى للاحتجاج على تعليقات بكين، التى تشير إلى أن الجيش الأمريكى صدَّر فيروس «كورونا» لووهان.. حسين أمير عبد اللهيان مستشار رئيس البرلمان الإيرانى للشؤون الدولية وصف ظهور وتفشى الفيروس بأنه «حرب بكتريولوجية» تشنّها أمريكا ضد دولٍ تعتبرها أعداء، مثل روسياوالصين وإيران. روسيا قبل أن يصلها الوباء دخلت على الخط؛ بما نقلته «نوفوستى» عن الخبير البيولوجى الروسى «إيجور نيكولين» العضو السابق فى لجنة الأممالمتحدة للأسلحة البيولوجية، من أنه لا يمكن لفيروس «كورونا» بشكله الحالى الظهور طبيعيًا، بل تم تخليقه معمليًا، لأن تركيبته لا يمكن أن تحدث فى الطبيعة، إذ تتكون من ثلاثة أجزاء، فيروس كورونا الخفاش، فيروس كورونا الثعابين، فيروس نقص المناعة البشرية، وبروتين سكرى، وإن نفى إمكانية تحديد مكان إنتاجه، وكشف عن وجود 25 مختبرًا بيولوجيًا أمريكيًا تتمركز حول الصين، فى كازاخستان ولاوس وفيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية والفلبين، مؤكدًا أن هناك سوابق مشابهة لإنتاج الفيروسات معمليًا مثل فيروسات إنفلونزا الطيور وكورونا «MERS-CoV» المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وبكتيريا «سينتيا». الاتهامات الموجهة للصين تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوى حول الامتثال لمعاهدة الأسلحة خلال العام الماضى، أشار إلى أن الصين تشارك فى أنشطة يمكن أن تدعم الحرب البيولوجية.. ترامب دأب على وصف الوباء ب«الفيروس الصينى»، وبومبيو وزير الخارجية أطلق عليه «فيروس ووهان»، وهو ما احتجت عليه الخارجية الصينية.. تسريبات متعمدة أشارت إلى أن فيروس «سارس» تسرب عام 2003 من داخل أحد المختبرات الصينية، ما فرض تشييد عدة مختبرات عصرية لضمان السلامة، من بينها «مختبر ووهان الوطنى للسلامة البيولوجية»، الذى استغرق بناؤه 10 سنوات، وبدأ منذ 2018 فى إجراء التجارب المتعلقة بمسببات الأمراض المعدية من الدرجة الرابعة «BSL-4»، وهى الأخطر مثل السارس والإيبولا والكورونا والإنفلونزا الوبائية. المختبر قامت بتمويله الأكاديمية الصينية للعلوم «CAS» بالتعاون مع حكومة ووهان، وهو يبعد قرابة 20 ميلاً عن سوق ووهان، التى انطلقت منها الوباء، واعتمد كلية على التكنولوجية الفرنسية، وساعد الصين على أن تصبح واحدة من الدول المتقدمة فى ذلك النوع من المختبرات على مستوى العالم.. دانى شوهام الضابط طبيب الذى عمل سابقًا بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية والمختص بالحرب البيولوجية الصينية، أكد أن الشكوك قد أثيرت حول مختبر ووهان، عندما أرسلت مجموعة من علماء الفيروسات الصينيين، الذين يعملون فى كندا، عينات مما وصفه ببعض من أكثر الفيروسات فتكًا على الأرض إلى الصين، عن طريق الخطأ. قضية «ليبر» قوات الأمن الفيدرالى الأمريكى داهمت جامعة هارفارد 28 يناير الماضى، واعتقلت البروفيسير «تشارلز ليبر» رئيس قسم الكيمياء والبيولوجى بالجامعة، بتهمة التخابر العلمى مع الصين.. المذكور ترأس فريقًا بحثىًا بجامعة هارفارد منذ عام 2008، تموله الحكومة الأمريكية ب15 مليون دولار، أطلق عليه «مجموعة ليبر للأبحاث»، المختصة بعلاج طفرات الخلايا السرطانية باستخدام علم النانو، المعنى بدراسة الأشياء بالغة الصغر.. تعاونه مع جامعة ووهان تم بشكل سرى منذ 2011، ضمن برنامج «الألف موهبة»، وهو برنامج حكومى صينى يستهدف تجنيد وزراعة المواهب العلمية رفيعة المستوى.. تعامل مع 7000 باحث وعالم من أصول صينية، يقيمون بالخارج.. «ليبر» تقاضى مبلغ 50 ألف دولار كراتب شهرى، و158 الف دولار مصاريف معيشة لتسع شهور فى العام، بخلاف مليون ونصف دولار مكافأة، دون إحاطة الحكومة الفيدرالية الأمريكية. اكتشاف المذكور تم بالصدفة؛ أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى قدم فى ديسمبر 2019 مستندات تؤكد انتشار فيروس جديد بشكل وبائى داخل الصين، وأنه تم تخليقه فى معاملها، الأمن الفيدرالى قام بتحريات واسعة، تم فى إطارها تفتيش منزل «ليبر» أثناء وجوده بالخارج، حيث عثر على ما وصف ب«عينات بيولوجية حساسة»، و412 ورقة بحثية، تتعلق بطفرة فيروسية تتضمن خليطًا من دم الخفاش وبعض التركيبات والمواد الأخرى، إضافة لجزيئات النانو، وذلك ضمن تجارب تتعلق بعلاج نهائى للخلايا السرطانية، وتضمنت الأوراق أنه عند تجربتها على الفئران كانت تموت خلال أيام، وعندما استخدمت على القردة أصيبت بالحمى وماتت بعد 12 يومًا.. الصين كلفت أثنين من عملاء مخابراتها بسرقة عينات من تلك الجينات البحثية، الأولى الباحثة الصينية «إن يانكين يى» المتخصصة فى الروبوتات بجامعة بوسطن، حيث تبين أنها كانت ضابط بدرجة ملازم فى الجيش الصينى، وعضوة فى الحزب الشيوعى الصينى، والثانى مساعدها «زوس وينج شينج» وهو من علماء جامعة ووهان للتكنولوجيا، عمره 30 عامًا، اعتقل فى 10 ديسمبر 2019، بمطار بوسطن لوجان الدولى، وضبطت معه 21 قارورة من العينات البيولوجية كان يحاول تهريبها إلى الصين، اعتقادًا منه أنه لقاح مضاد للكورونا.. بمجرد عودة «ليبر» لجامعة هارفارد تم اعتقاله. علاقة القضية ب«كورونا» لايوجد أى علاقة بين «ليبر» ولا مساعديه الصينيين، بتخليق فيروس «كورونا» أو العمل على نشره كسلاح بيولوجى، بل إن المذكور طلب خلال عملية استجوابه نقل سجنه إلى المعمل، حتى يتمكن من استكمال محاولات إيجاد لقاح مضاد، وقد وافقت السلطات، على أن يتم ذلك تحت حراسة مشددة، لحين انتهاء التحقيقات، بالإدانة من عدمه، خاصة أن الاتهام يقتصر على الكذب على السلطات بشأن تورطه فى برنامج الحكومة الصينية لتجنيد وتنمية المواهب العلمية، والتهمة الموجهة ل«يانكين يى» هى ادعاء أنها طالبة حتى تتمكن من الدراسة بجامعة بوسطن، وأنها نقلت إلى الصين وثائق ومعلومات أمريكية، أما «وينج شينج» فقد ضبط متلبسًا بمحاولة تهريب العينات، التى اعترف بسرقتها. نفى تخليق الفيروس هذه القضية التى تبنى السناتور الجمهورى توم كوتون نظرية المؤامرة بشأنها، قامت على أساس فرضية أن فيروس «كورونا» تم تخليقه بمعرفة البشر، وبالتالى فإن نفى هذه الفرضية يسقط القضية من أساسها، ويجعلها قضية تخابر علمى مع الصين، وفقط.. والحقيقة أنه لا يوجد أى دليل على أن الفيروس من صنع الإنسان، وأن العديد من الباحثين البارزين قد نفوا ذلك، واصفين إياه بأنه ادعاء غير منطقى، مؤكدين أن الأدلة الحالية تشير إلى أن الفيروس تحور بشكل طبيعى.. ريتشارد إبرايت أستاذ البيولوجيا الكيميائية فى جامعة روتجرز أكد أنه «لا يوجد شىء على الإطلاق فى تسلسل الجينوم لهذا الفيروس يشير إلى أنه تم تخليقه، أو أنه سلاح بيولوجى تم إطلاقه عمدًا»، ووزارة العدل أكدت ذلك حيث لم تأت على ذكر فيروس «كورونا» أو الحرب البيولوجية فى عرائضها. البعد الاقتصادى للأزمة السبب الرئيسى فى الادعاء بتخليق الفيروس، هو وجود خطة تستهدف نقل الشركات الأمريكية إلى داخل الولاياتالمتحدة، لتصنع منتجاتها هناك، وتوفر مزيدًا من فرص العمل للأمريكيين، وتتخلص من ضغوط اعتمادها على الإنتاج الصينى، وفى نفس الوقت الحد من الاستثمارات الصينية فى أمريكا، هذه الخطة لم تعد مخفية، لأن البيانات أظهرت أن الاستثمار الصينى المباشر فى الولاياتالمتحدة تراجع خلال 2018 بنسبة 88 % مقارنة بمستواه فى 2016، ليصل إلى 5.4 مليار دولار فقط، بينما كان قبل عامين عند 46.5 مليار دولار، وفى المقابل انخفض الاستثمار الأمريكى المباشر فى الصين خلال 2018 إلى 13 مليار دولار، بدلاً من 14 مليار عام 2017، وهى نسبة تراجع ضئيلة، أعقبتها زيادة بنسبة 3.7 % خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2019، ما يعكس تجاهل الشركات الأمريكية تحذيرات ترامب لها فى أغسطس 2019 من الاستثمار فى الصين، ودعوته لنقل أنشطتها إلى خارجها، ما قد يبرر الادعاء بنظرية المؤامرة، الخاصة بفكرة تخليق الفيروس، لتحقيق أهداف اقتصادية.. ورغم أنها لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، الا أن الوباء وما أدى اليه من إغلاق، هبط بأسهم الاستثمارات فى الصناعات التكنولوجية والكيميائية، وخشى الأمريكان والأوروبيون من انهيار قيمتها فباعوا حصصهم فى المصانع الموجودة بالصين للحكومة الصينية، ويفكرون حاليًا فى بناء مصانع جديدة فى إندونيسيا والهند وربما فى البرازيل والمكسيك، وذلك للمنتجات التى سيؤدى ارتفاع قيمة العمالة فى أمريكا إلى فقدانها للقدرة التنافسية. ليست حربًا بكتريولوجية، وليس فيروسًا مخلقًا بفعل البشر، لكنها «جائحة» طبيعية، تكثر خلالها الهواجس والشائعات، ويميل الناس لترديدها، ما فرض التنبيه، حتى نتجنب الوصول إلى نتائج خاطئة، تضاعف من تلك الهواجس.