مشهد الشارع التونسي وفي سمائه تدوي كلمات الشاعر التونسي الرائع «أبو القاسم الشابي» بصوت الآلاف من التوانسة المطالبين بالخبز والحق في العمل والحرية، معبرين عن تمسكهم بالحياة الكريمة عبر استخدام كلماته التي مازالت حية بعد رحيله بسنوات: «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر» هو مشهد مهيب من ناحية التأكيد علي قيمة تكاتف الجماهير الثائرة وقدرتهم علي تغيير الموازين، وهو يحمل في الوقت ذاته العديد من الإيحاءات لأن التوقيع عليه قد جاء بقلم أبو القاسم الشابي. صحيح أن هذا المقطع من قصيدته «إرادة الحياة» هو جزء من النشيد الوطني التونسي. إنما هل يطمع شاعر في أكثر من أن تختار الجماهير الثائرة بإرادتها الجماعية أن تتحول كلماته إلي شعار تهتف بمفرداته تعبيرا عن التصميم علي الحياة الكريمة. لقد عاش الشاعر الكبير عمرا قصيرا هو فقط25 عاما، لكن متي كان الإنجاز يتم حسابه بعدد سنوات العمر. فقد كتب الشاعر التونسي الكبير خلال ذلك العمر القصير أعمالا عظيمة ظلت ملهمة للملايين المتطلعين نحو الغد الأفضل. أليس هو القائل للطغاة: «ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدو الحياة رويدك لا يخدعنْك الربيع وصحو الفضاء وضوء الصباح ففي الأفق الرحب هول الظلامً وقصف الرعود وعصف الرياح حذار فتحت الرماد اللهيب ومن يبذر الشوك يجن الجراح». وهو القائل للساكت عن المطالبة بالحق خوفا من المتاعب: «وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر». رحم الله الشاعر الكبير صوت الملايين المطالبين بالحقوق الإنسانية في تونس وفي كل مكان. لقد قال الله تعالي في كتابه الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). فلقد كرم الله سبحانه الإنسان بأن جعل عمل الإنسان أداة لتنفيذ مشيئة المولي جل جلاله فيه. كل الحب والإعجاب بالشعب التونسي الرائع فقد ثاروا وتكاتفوا وقدموا التضحيات وأكرمهم الله سبحانه فهو الذي يسبب الأسباب فيؤتي المُلْكَ من يشاء وينزع المُلْكَ ممن يشاء.