الإدارة أحد العلوم الإنسانية الحديثة. يهدف هذا العلم إلى الوصول لطريقة مثالية، بل مثلى؛ لإنجاز الأعمال. مجموعة من القواعد والمبادئ العلمية التى تهتم باستخدام أمثل للموارد وتحقيق الأهداف فى أقل وقت وبأقل جهد وكُلفة ممكنة.والإدارة عملية إنسانية اجتماعية تتناسق فيها جهود العاملين بالمؤسسة أو المنظمة كأفراد وجماعات لتحقيق الأهداف المتفق عليها. بأفضل استخدام ممكن للإمكانات المادية والبشرية والفنية المتاحة يوجه الإنسان جهوده وجهود الآخرين معه لتحقيق أهداف بعينها محددة مسبقًا باستعمال عمليات ومهارات إدارية مع توظيف أمثل للقدرات والإمكانات. هذا النسيج المتشابك من التفاعلات يقوم به الفرد تجاه ذاته فى حياته الخاصة، وتجاه مؤسسة ينتمى إليها «أسرة أو مجموعة أصدقاء أو عمل» وتجاه مجتمعه ككل. ينسحب ذلك للتطبيق والممارسة فى سلوكيات الحياة اليومية، ومن ثم يشكل نمطًا واضحًَا للأهداف قصيرة وطويلة المدى فى الحياة الشخصية والعملية.. وزيادة فعالية وكفاءة استخدام مواردنا فى الحياة.الإدارة هى علم وفن وهى متجددة وليست قوالب ثابتة، كما أنها تقوم بالأساس على العنصر البشرى. إدارة الحياة بداية من إدارة الوقت وإدارة الموارد والتخطيط وتحديد الأهداف.. التنظيم والإتقان.. وصولًا لإدارة المشاعر وإدارة الأزمات.. الإدارة أسلوب تفكير، أسلوب حياة.ربما تتشابك مع جميع العلوم الإنسانية بهذا التصور التنظيمى للتفكير بوضوح. كما تتشابك مع جميع أنواع العمل الجماعى المؤسسى.. القيادة ومهاراتها.. الاقتصاد والسياسة وغيرها .. فإذا كنا بصدد بناء إنسان ما الذى تستطيع الإدارة ونظرياتها تقديمه لنا فى هذا الشأن؟! من الآباء لهذا العلم فى العالم «آدم سميث» 1723-1790 «فيلسوف الأخلاق وعالم الاقتصاد الإسكتلندى.. الذى اشتهر بكتابيه «نظرية المشاعر الأخلاقية» و«ثروة الأمم». تقوم فلسفته على الاعتقاد فى سلامة وكفاءة النظام الطبيعى وأفضليته على أى نظام صناعى آخر.. يخضع السلوك الإنسانى فى نظريته الأخلاقية لمبادئ مثل حب الذات والتعاطف والرغبة فى الحرية وعادة العمل.. مستخلصًا من ذلك قدرة الفرد على تقرير مصلحته الخاصة مما يستوجب حريته فى سلوكه. ويقول: إن ذلك النظام الطبيعى من شأنه تحقيق التوافق والانسجام بين المصالح الخاصة للأفراد والمصلحة العامة معًَا. وهو ما يعرف ب«اليد الخفية» التى تعنى أن الأفراد خلال سعيهم لتحقيق صالحهم الخاص يحققون بدون أن يشعروا الصالح العام وبشكل أكثر فعالية مما يمكن تحقيقه عندما يعملون باسم الصالح العام فقط. د. إيهاب فكرى أحد المهتمين بتنمية القدرات الإدارية للشباب فى مصر. تجاوزت خبرته العملية عشرين عامًا.. له أربعة مؤلفات: فن الكلام، أصحاب الكاريزما، 4 شارع النجاح. وهو شريك مؤسس والمدير التنفيذى لمنصة المنتور العربية للتعلم الذاتى منذ عام 2016. سألته: هل الإدارة علم أم فن؟ وهل هى من المعارف الضرورية للأفراد؟ أم أنها تخص كبرى المؤسسات؟ فأجاب: الإدارة علم وفن.. علم فيما يخص التوثيق الأكاديمى لنجاحات وفشل الأشخاص والمؤسسات عبر التاريخ فى إدارة حياتهم ومجتمعاتهم وأعمالهم، ومنها نشأت نظريات ومعادلات رياضية ومنطقية... ولكن الإدارة فى الأصل فن، ذلك لأنه لا توجد معادلة رياضية ولا نظرية علمية تحكم تأثير المدير على نفسية الموظف فى وقت الضيق، مثلاً... أو تحكم طريقة تواصل الأم مع بنتها التى تشعر بمعاناة فى التعامل مع زميلاتها فى المدرسة، مثلًا... ولكن هذه فنون الإدارة التى تحكمها التربية والتجربة والخطأ والتعلم من خبرات الحياة وتجارب الآخرين، لذلك تعرف الإدارة فى جميع المراجع المهمة على أنها علم وفن. كيف تكون الإدارة فنًا للحياة؟ الإنسان مؤسسة قائمة بذاتها، وكل ما ينطبق على المؤسسات والشركات والمجتمعات، وحتى الدول، يمكن تطبيقه على الإنسان فى إدارته لحياته.. فالخطط الاستراتيجية والأهداف الكلية والمرحلية وآليات الوصول للأهداف وكل ما حولها ينطبق تمامًا على كل إنسان فى رحلة الحياة.. وإذا كانت حياة الإنسان الطبيعى بين المال والعمل والحب والزواج والأصدقاء والأسرة والأبناء والموهبة والشغف والأهداف والحالة النفسية والمزاجية، فكل ما ذكرت، وأكثر، هو مجال الإدارة ونطاق تطبيقها، ومن نجح فى حسن إدارة كل عنصر منها سعد فى حياته واستمتع بها، وكل من فشل فى إدارتها لم يجد السعادة ولا الراحة فى رحلة الحياة.. لذلك فإن حسن إدارة الحياة هو ببساطة... فن الحياة. سألته: ما الفارق بين التنمية البشرية التى تروج لحياة أفضل دائمًا وفق مبادئها ومبادئ الإدارة القادرة على حل كل المشكلات؟ هناك علم التنمية البشرية الأكاديمى، وهو يقع فى منطقة بين دراسة الجغرافية وعلم الاجتماع، وهو ببساطة شديدة وبنظرة عامة لا تفى هذا الموضوع المهم حقه، يعنى بتنمية الأماكن والأراضى والبلدان بسكان لهم خصائص ومتطلبات معينة، ومن ثم يواجهون تحديات لنجاح بناء مجتمعات فى هذه الأماكن، وتجدر الإشارة هنا لمصطلح نشأ لغرض ترويج فكرة الحديث التحفيزى كمهنة ومصدر دخل، وهى تدور حول الترويج لفكرة البحث عن الشغف فى رحلة الحياة، وهذا كلام طيب وقد يكون له أثر إيجابى على بعض السامعين، ولكنه أيضًا بالخطورة بمكان إذا لم يكن على أساس علمى سليم يراعى جميع الجوانب المتعلقة بحياة الإنسان بشكل منهجى ومسئول. سألته: إلى أى مدى يقدم علم الإدارة تجارب حقيقية مقارنة بالتجارب النظرية والقواعد التى تشبه المعادلات السحرية؟ كلمة السر هى Case Study.. لا يصح دراسة نظرية أو مبدأ إدارى إلا بدراسة تطبيقه على أرض الواقع، إما بدراسة موقف حدث بالفعل لمؤسسة أو مجتمع أو سوق معينة أو إنسان، أو بافتراض سيناريو معين لنبدأ فى اختبار هذه النظرية وتطبيقها عليه.. ألبرت أينشتاين كان متخصصًا فيما يسمى مجازًا بالفيزياء النظرية.. فهو لا يهتم كثيرًا بإمكانية تطبيق النظرية فى الوقت الحالى من عدمه، ولكنه كان مهتمًا بتخيل الفكرة واختبارها رياضيًَا ومنطقيًا ليخرج منها بنظريات وفرضيات، ثم يترك لغيره العمل على تطبيقها على أرض الواقع.. وهذا مقبول جدًا فى الفيزياء، لأنه إذا كان يفكر مثلًا فى ماذا يحدث لراكب المصعد أو القطار لو كانت كتلة الأرض أثقل أو أقل مما هى عليه، هذا أمر نظرى بحت، وغير قابل للتجربة العملية، وإذا تم اختباره فى حدود معينة سيحتاج لمليارات من الدولارات وإمكانيات تكنولوجية لم تتواجد فى عصره على الأقل، ولكنه يفكر ويحقق نظريًا ويترك التطبيق لغيره.. وهذا إن صح، وكان ضروريّا فى عالم الفيزياء، فإنه لا يصح أبدًا فى عالم الإدارة، فالتسويق والمالية وإدارة الموارد البشرية وإدارة الإنتاج وغيرها، كلها تقوم فى الأساس كعلوم إنسانية على ما يمكن قياسه أولًا، ثم تطبيقه بأعلى كفاءة وفاعلية. سألته: إدارة الإنسان نفسه هل هى موهبة أم مهارات يمكن اكتسابها؟ مهارات يمكن اكتسابها، وهناك مع ذلك موهوبون يكتسبون المهارات بشكل أسرع ويطبقونها بأكبر فاعلية ممكنة.. ولكنها فى الأساس مهارات يمكننا جميعًا اكتسابها والعمل بها، كل فى مجاله وحسب إمكاناته. وكيف يصبح أحدهم قائدًا؟ هل يستطيع تعلم مبادئ وتنفيذها أم أنه شأن فطرى وطريق مرسوم له قدر؟ هناك فرق ما بين تعلم القيادة.. وممارسة القيادة.. وأثر القيادة.. فتعلم القيادة سهل، وموجود فى الكتب وفى المحاضرات وقاعات الدرس، أما ممارسة القيادة، فهو يبدأ من قيادة الإنسان لنفسه والسيطرة عليها، ثم بعد ذلك يتوجه لقيادة مجتمعه، لكن لا يحسن قيادة نفسه لا يحسن قيادة أحد.. وأما عن أثر القيادة، فقد يكون للمرء فرصة لقيادة أسرة تتكون من 4 أفراد، وينجح فى ذلك، قد يكون لآخر نفس القدرات والمهارات، لكنه يقود مجتمعًا أكثر عددًا، مجتمعًا من عشرة آلاف إنسان، مثلاً، فيكون أثر القيادة أقوى وأضخم، وذلك لاختلاف الفرصة المتاحة لممارسة القيادة، رغم تقارب المهارات وآليات تطبيقها. سألته: كيف يمكن لكل إنسان عادى أن يدير حياته بنجاح؟ يمكن نشر تلك المعرفة بين صفوف المواطنين لتصبح سلوكًا طبيعيًا لحياة أكثر نجاحًا واتساقًا.