«دى داون سندروم..توكلى على الله وهاتى غيرها»، جملة قالها أحد الأطباء لإقناع الوالدين بأنه لا أمل فى الطفلة، وأن عليهما أن يفكرا فى إنجاب غيرها. من طبيب لآخر ظلت الأم تتنقل بطفلتها صاحبة الوجه الملائكى التى ولدت محملة بالكروموسومات التى أصابتها بمتلازمة داون، التى اكتشفها والدها بعد ولادة ابنته بأسبوعين فقط، عندما لاحظ ملامح وجهها، فأسرع بأخذ عينة من دمها لمعرفة الحقيقة. ومنذ لحظة تأكدهما من حقيقة مرض طفلتهما، تعاهد الوالدان على رعاية ابنتهما رعاية كاملة، والسعى جاهدين لجعلها طفلة نجيبة ذكية متفوقة علميًا وأخلاقيًا وفنيًا أيضا، أحباها حبًا غير عادى، فكانت كل ما يمتلكان فى حياتهما، والشمس التى لا تغرب أبدا، «سما أحلى حاجة فى الدنيا وهى الحب والحنان، هى هدية ربنا ليا والرزق كله»، هكذا قالت سوزان طلعت والدة سما رامى، الفتاة ذات الثمانية عشر عاما. «لازم أجيب حقى» «أنا اسمى سما رامى فى تانية ثانوى، أنا داون سندروم، عندى كرموسوم زيادة، أنا بعرف أتعلم وأفكر كويس يا د. شوقى، أنا زعلانة وعايزاك تشيل كلمة البله المغولى عشان احنا مش عبط، ومتشكرة لحضرتك». رسالة صوتية سجلتها سما ونشرتها على الصفحة الشخصية لوزير التربية والتعليم د. طارق شوقى على الفيسبوك، بعد أن أذاها مصطلح «البله المغولى» فى كتاب الأحياء للصف الأول الثانوى الخاص بأخيها أحمد، فذهبت باكية لوالدتها وطالبتها بالتحرك لتغيير هذا المصطلح قائلة «أنا لازم أجيب حقى». «الفيسبوك هو الحل» «فى مصر صعب نوصل لأى مسئول بسهولة، فقررت سما تعمل حملة على الفيسبوك عشان توصل لأكبر عدد من الناس وتكسب دعمهم ليها»، تحكى والدة سما، فبعد هذا الموقف سألت سما والدتها من المسئول عن تغيير هذا المصطلح، لتجيبها أن وزير التربية والتعليم وحده هو المسئول عن ذلك، فقررت سما البدء فى حملة إلكترونية موسعة عن طريق الفيسبوك لتصل برسالتها لأكبر عدد من الناس. بدأت سما بنشر صور لها ولأصدقائها ممن فى نفس ظروفها وهم أبطال ببعض الرياضات فى نفس الوقت، لتؤكد للجميع أنها هى وأصدقاؤها ليسوا معاقين، ولتمحى النظرة النمطية عنهم، إلى أن تفاعل معها الكثير من الشباب وبدأوا هم أيضا بمشاركة منشوراتها لعل أن يراها أحد المسئولين. وبالفعل رأى أحد المسئولين المنشورات التى تتحدث عن سما وقام هو بنشر صورة من رقم «الواتساب» الخاص بوزير التربية والتعليم، وعلى الفور قامت سما بتسجيل رسالتها الصوتية وإرسالها له على رقمه الخاص. وكما تحكى سما ووالدتها، تواصلت معها الدكتورة هالة عبد السلام رئيس الإدارة المركزية للتربية الخاصة بوزارة التعليم على الفور، وحددت معها موعدا للقائها بالوزارة. وبالفعل ذهبت سما وتقدمت بشكواها رسميًا للوزارة، وفى أقل من أسبوع تمت الاستجابة لطلبها لتصبح الفتاة التى ساهمت فى تغيير الشكل العام لمنهج الأحياء. «سما تلاحق المتحدث باسم الرئاسة» «سما تمت دعوتها لحضور المؤتمر الدولى لدمج ذوى الإعاقة لكن مقدرتش تحضر لظروف صحية مفاجئة»، هكذا قالت والدة سما، مضيفة كم بكت ابنتها عندما لم تستطع حضور المؤتمر، وحاولت بعد أن تحسنت حالتها البحث بكل الطرق عن الصفحة الخاصة بالسفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، وظلت تلاحقه فى كل خبر أو منشور يقوم بنشره على الصفحة بتعليق منها توضح فيه رغبتها فى التواصل معه، إلى أن قام السفير فى أحد الأيام بالاتصال بوالديها، وفاجأهما بدعوته الرسمية لسما لحضور منتدى شباب العالم، وكم كانت سعادة سما بذلك الخبر. حضرت سما المنتدى وقدمت نفسها لكل فرد تقابله موضحة رسالتها هى وزملاؤها للجميع. «تعزف وتغنى وتتعلم سباحة وباليه» «سما عندها أورج فى البيت بتحب تعزف وبتعرف تغنى وبتتعلم سباحة وباليه»، هكذا أشارت والدة سما إلى مواهب ابنتها المتعددة، مضيفة رغبتها فى تعلم فن الباليه، لذا التحقت سما مؤخرا بمعهد الباليه بالقسم الحر، واجتازت المرحلة الأولى منها بنجاح، كما حصلت على إحدى الجوائز بملتقى «فنون أولادنا» الذى أقيم بمهرجان الإسكندرية العام الماضى، هذا بجانب ممارستها لرياضة كرة السلة. تفخر والدة سما بإرادة ابنتها الفولاذية، تلك الإرادة التى ظهرت أيضا منذ أن كانت سما فى السابعة من عمرها وأصيبت ب «فيروس سى»، لكنها وبعد عام كامل من المعاناة والعلاج استطاعت هزيمة المرض والتغلب عليه. «أصحاب همم مش معاقين» «لو مجلس النواب عاوز يلغى الدمج عشان المدارس غير مؤهلة، احنا عاوزين نلغى مجلس النواب عشان مش قادر يدافع عن حقوق أصحاب القدرات الخاصة»، هكذا عبرت سما عن رأيها فى فصل أصحاب «داون سندروم» عن باقى الطلبة بالمدارس، فهى ترى فى دمجهم سويا فى التعليم والنشأة والتربية ضرورة، حتى يسهل عليهم التواصل معا فى كل شىء خارج المدرسة، فهذا الفصل سيبنى بينهم وبين باقى المجتمع حاجزًا أبديًا وسيجعل الناس دائما تتجنب الاقتراب منهم، خوفا ممن يتسببون فى إيذائهم كما يعتقد البعض. تطالب سما بتغيير اسم قانون «ذوى الإعاقة» إلى «قانون أصحاب القدرات الخاصة أو الهمم» فهى ترى فى نفسها وفى زملائها إرادة قوية وقدرة على تحقيق أى شىء. •