كاتبة فلسطينية مقيمة في مصر - بيسان عدوان حين تضع دولة ما موقع سفارتها فى دولة أخرى، وفى موقع محدد، يعنى أن تلك الدول تعترف بهذه المنطقة جزءا من سيادة تلك الدولة، مما يجلب بدوره مجموعة من الحقوق والالتزامات فى القانون الدولي.. وقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجنب اتخاذ خطوة نقل سفارتها فى القدسالمحتلة، لما قد يسببه ذلك من تشويش، فيما يتعلق بسياسات واشنطن تجاه القدس، وبسيادة أى من الطرفين عليها.
لكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قد خالف بإعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبارها عاصمة إسرائيل، تلك السياسات، وحسم السياسة الأمريكية تجاه ذلك الملف.. خطوة ليست مفاجئة وكانت متوقعة، والرئيس ترامب كان واضحا منذ البداية عندما قال إن قرار نقل السفارة مسألة وقت فقط. إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أو الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، سواء تم اتخاذ القرار بهذا الشأن أم تم تأجيله، فالنتيجة واحدة وهى أن الإدارة الأمريكية بسلطتيها التنفيذية والتشريعية تعترفان بالقدس كعاصمة لإسرائيل. نعم هذا الإعلان جاء تنفيذا لقرار اتخذه الكونغرس عام 1995بنقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس، وحقيقة الأمر منذ قيام إسرائيل، أعلن جميع المرشحين لرئاسة الولاياتالمتحدة، سواء - ديموقراطيين أو جمهوريين - ودون استثناء بأنهم سيهتمون بنقل سفارة بلادهم إلى القدس، حتى بات ذلك وعدا انتخابيا يقطعه مرشحو الرئاسة الأمريكية على أنفسهم وجمهورهم واللوبى اليهودى، منذ احتلال القدسالشرقية عام 1967 بهدف تحقيق عملية القدس الكبرى واعلانها عاصمة للكيان الإسرائيلى المحتل. تريث أغلب رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أوائل السبعينيات عن تنفيذ ذلك الوعد، بدءا من ريتشارد نيكسون إلى باراك أوباما، خشية المس بعلاقات ومصالح الولاياتالمتحدة مع دول المنطقة، وما لم يتم الاتفاق بشأن القدس فى أى عملية تسوية للصراع العربى- الإسرائيلى، فيما كان يدفع العرب دوما ثمنا لإرجاء تنفيذ ذلك الوعد. دوماً كان اليمين الأمريكى يلوح بورقة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لقبض ثمن أكبر أو ابتزاز أعلى لقيادات المنطقة، فعلى سبيل المثال أشار الرئيس الأسبق رونالد ريجان فى أبريل 1984 إلى إمكانية نقل السفارة، لكنه تعهد بعدم إقدام بلاده على هذه الخطوة، فيما بلغ مجلس الشيوخ الأمريكى ذروته بهذه الخطوة حين أقر قانونًا فى العام 1995 وحدد بأن على الولاياتالمتحدة نقل السفارة إلى القدس فى موعدٍ أقصاه الآخر من مايو 1999 فيما اعترض علي تنفيذه الرئيس الأسبق بيل كلينتون رغم مصادقته عليه وتعيينه لمكان الأرض التى ستقام عليها السفارة. قرار نقل السفارة أو الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل حتى إن كان فى إطار النوايا، يعتبر انقلابا على اتفاقات التسوية وعلى قرارات الشرعية الدولية، وانحيازا كاملا لإسرائيل كدولة يهودية فى الجغرافيا التى تحددها إسرائيل وليس الأممالمتحدة. الأمر الذى يعنى تفكيك الملفات العالقة فى عملية التسوية بين طرفى الصراع كالقدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وشكل وطبيعة الدولة الفلسطينية المرتقبة، مما يضع الفلسطينيين والعرب أمام الأمر الواقع خصوصا فى تعاملهم مع أى مشروع تسوية جديد سواء فى إطار ما يسمى صفقة القرن أو غيرها. ترامب يمهد الطريق باعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل كدولة يهودية، كبداية لخلل قضايا أخرى أشد صعوبة وبتعاون قسرى من بعض الدول العربية، التى ستجبر على حل مشكلة اللاجئين من خلال وقف تمويل الأونروا وتوطين اللاجئين فى أماكن تواجدهم. كما ستجبر على القبول بجغرافية الدولة الفلسطينية الجديدة، عبر توسيع غزة باتجاه سيناء وتبادل أراض، كل ذلك مترافقا مع ضغوط مالية تمارس ضد سلطة الحكم الذاتى المحدود وحكومة الرئيس محمود عباس لقبول تلك الصيغ والحلول، خاصة بعد قرار الكونجرس الأمريكى بوقف تمويل السلطة الفلسطينية فى نفس يوم إعلان ترامب نقل السفارة إلى القدس. إذا لم توافق سلطة عباس على ذلك، يتم تغيير تلك القيادات الفلسطينية، تلك التهديدات المبطنة تارة والمعلنة تارة أخرى من قبل بعض القيادات العربية هى ما تواجه فلسطين. وهو ما يعطل أى قرارات حاسمة للسلطة الفلسطينية وقيادتها تجاه إعلان ترامب الأخير. •