«منين مفيش فلوس! ومنين كل الزحمة دى على الشرا؟!» تساؤل تردد كثيراً على ألسنة الكثيرين ممن تابعوا صور الطوابير والاصطفاف أمام الكاشير فى تخفيض قام به هايبر ماركت احتفالاً بعيده ومرور عدة سنوات على افتتاحه.. وكانت الأعداد المهولة والزحمة أمراً غير متوقع! وحمل بعضهم أكثر من شاشة للتليفزيون، وتزاحم الناس على الغسالات والبوتاجازات وجميع الأجهزة.. أما المنتجات الغذائية فحدث ولا حرج.. كأنهم يوزعونها مجاناً أو أنه آخر يوم قد يستطيع فيه الناس الشراء كأننا مقبلون على مجاعة! هذه الحالة كان لابد لها من تحليل.. فهل يتناقض هذا السلوك مع شكوى الناس من قلة المال فى ظل ارتفاع الأسعار؟ أم لهم ما يبرر سلوكهم وأنه هو النتيجة الطبيعية للغلاء المتصاعد حولنا بلا رابط؟! • اللى اشتريته النهارده ياريتنى اشتريته امبارح: «الفلوس قيمتها بتقل وال100 جنيه اللى بجيب بيها حاجة النهارده بكره أشترى نفس الحاجة ب200جنيه».. هكذا بدأت معى الدكتورة إكرام سيف النصر 55 سنة طبيبة أطفال حديثها وأكملت: «حدثت معى بالفعل عندما اشتريت طلبات البيت من اللحوم والزيت والأرز وخلافه الشهر الماضى وجئت لشراء نفس الكمية وجدت أننى قد دفعت حوالى 30 أو 40 % أكثر فكل شىء غلى جداً وبدأت ألاحظ أن الزيادة أصبحت من أسبوع لآخر أيضاً، اللبن والجبن وكل شىء، فأصبحت أشترى بكميات أكبر لتكفى حاجة البيت، لفترات طويلة؛ لأنها ضروريات ونحتاجها، وما أشتريه اليوم أفضل من شرائه غدا «وياريتنى اشتريته امبارح»! توافقها الرأى المحاسبة أمل حسين 40 سنة تعمل بأحد البنوك وتقول: قيمة الفلوس فى النازل فى مواجهة ارتفاع الأسعار والأفضل أن أضع فلوسى فيما أحتاجه اليوم بدلاً من ألا أستطيع شراءه غداً، وما حدث معى أن الثلاجة عندى فى بيتى منذ زواجى أصبحت قديمة وتتعطل كثيرا فنزلت وبحثت فى الأسواق منذ سنة تقريبا لأشترى غيرها وجدت الأصغر ب8000 جنيه انتظرت قليلاً وعندما عطلت تماماً من عدة أشهر نزلت ثانيةً لأجدها أصبحت ب11000 صعقت وتمنيت لو كنت اشتريتها من سنة وإلى أن دبرت المبلغ ونزلت من شهر فوجدتها أصبحت ب18000 جنيه! وعندما جاءت التخفيضات فى الهايبر نزلت لأشترى كل الأجهزة التى قاربت على الانتهاء لطول فترة استخدامها والأفضل أن أشترى اليوم ما سأحتاجه غداً لأنه يتضاعف فى السعر، بل يا ريتنى اشتريته بالأمس! أما حمدى السيد مدرس فيقول: «من فترة سمعت أختى التى تسكن فى طنطا خبر تخفيضات الهايبر ماركت فجاءت إلى القاهرة ونزلت لتشترى جهاز ابنها وابنتها لأن كلا منهما مقبل على الزواج واشترت كل الأجهزة الكهربائية والمنزلية وأدوات مطبخ وأجرت سيارتين نصف نقل لنقلها لطنطا وأخبرتنى أن الأسعار ناااار، وبين ليلة وضحاها تجد الأجهزة يزيد سعرها، فجاءت لتقارن الأسعار وفعلا وجدت أنها أرخص وفرصة حقيقية». أسرة كبيرة من الجدة والابن والابنة والأحفاد انتشرت فى الهايبر لتشترى أى عروض على المنتجات الغذائية: زيت.. لبن.. لحوم، وتقول الجدة السيدة ليليان: «الأسعار نار والبيوت طلباتها كتير وفى حاجات أساسية ما ينفعش نستغنى عنها وفرصة العروض لن تعوض نجيب ونخزن الأساسيات وربنا يلطف بينا»، أما ابنها المحامى عادل عوض فيقول: «هناك أساسيات كالأرز والزيت واللبن والسكر والشاى يحتاجها البيت يومياً أتيت لأجد ما عليه عرض لأى نوع أو ماركة تخفض أو تقدم «عرض منتج إضافى» على الأساسى لأوفر قليلاً.. مين عارف يمكن بكره تكون الضعف أو لا نجدها كما حدث مع السكر»! • طبيعى فى وقت الأزمات وجدت إجماعاً من زبائن السوبرماركت على مبدأ «اشترى النهارده أحسن من بكره» فى مواجهة آراء ترى هذا التكالب على الشراء ليس مبرراً، بل متناقضاً مع ارتفاع الأسعار.. وأردت تحليلاً اجتماعياً لسلوك الناس فلجأت للدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية لأرى كيف يحلل المشهد فقال: «يجب أن ندرك أننا فى حالة عدم استقرار، وحالة أزمة وارتفاعات رهيبة للأسعار؛ نتيجة أزمة الدولار، وسلوك المواطن فى مثل هذه الظروف طبيعى جداً، وغير مرتبط بالشعب المصرى فقط، فأى إنسان يهدف للأمان دائماً، وما يحدث من أزمات على مستوى العالم كله ينتج منه «ذعر» لأى مواطن تدفعه لتأمين احتياجاته ولا لوم عليه لعدم وضوح الرؤية، والغذاء إحدى الوسائل المرتبطة بتأمين الذات وما حدث مثلا فى أزمة السكر الذى يحتاجه كل البيت دفع الناس للتكالب على تخزين كميات إضافية مما يحتاجونه، ولا شك عندما يكون هناك تخفيض يجرى المواطن ويشترى بزيادة ويخزن ليطمئن نفسه بأن عنده ما يكفيه ويكفى أولاده وهو ناتج الذعر فى أوقات عدم الاستقرار. أما على مستوى السلع المعمرة فهى دائما عليها طلب خاصة مع ارتفاع الأسعار الذى كان يفكر فى الشراء ويسمع ما يحدث من ارتفاع الأسعار عن نفس السلعة المعمرة بين يوم وآخر، يجرى ليشتريها وهذا موقف حدث معى شخصياً كنت أحتاج لتليفزيون وانتظرت يومين لشرائه هو نفسه فى نفس المكان بنفس تيكت السعر 9000 أصبح بتيكيت فوقه 11000 وعرفت من العاملين هناك أن كل الأسعار تغيرت بل وضعوا بعض الأجهزة فى المخرن ليقنعوا الزبون بأنهم يشترون له الجديد خصيصا له بالسعر الجديد، مع أن السلع موجودة بالفعل فى المخزن بالسعر القديم، وهنا يظهر جشع التجار واستغلالهم للوضع مما يزيد الأزمة، فكيف ألوم المستهلك الذى يجرى على أى عروض لشراء احتياجاته؟ وما يفكر أنه سيحتاجه غدا يحضره اليوم بسعر اليوم بدلا من غلاء نفس الجهاز فالمستهلك يبحث دوما عن التوفير وهذا شىء طبيعى. • التناقض فى الحكومة وليس المواطن ويكمل الدكتور سعيد صادق: «لذا لا أرى تناقضاً فى سلوك المواطنين، ولكن التناقض الحقيقى فيما تريده الدولة وتسعى لتحقيقه، وهو التنمية فى محور التعليم الأساسى لتطور البلد، ولا تأخذ دورًا حقيقيًا فى مواجهة هذا الغلاء، وسأضرب مثلاً يوضح وجهة نظرى.. فعندى طالب تأخر فى تقديم بحثه للجامعة وعندما سألته أجاب أن الكومبيوتر الخاص به لم يعد يعمل ونزل ليشترى آخر الذى كان سعره 10000 جنيه فوجده قد وصل ل 25000 ألف جنيه فلم يستطع شراءه، واليوم الكمبيوتر للطالب ليس رفاهية ليقوم بعمل أبحاثه لماذا لا تقوم الحكومة بدور الاستيراد؟ وتراقب هى الأسعار وتتحكم بها؟ بدلاً من ترك الناس لجشع التجار الذى يؤثر سلباً على الناس وعلى الطلبة والتنمية التعليمية؟! •