ما أروع مشاهدتك لمسلسل مُتميز يُعرض لأول مرة بعيداً عن مولد مسلسلات شهر رمضان مُحققاً نجاحاً ونسبة مشاهدة كبيرة تؤكدها الإعلانات التى تتخلل عرضه والتى تقترب من المائة إعلان مدة عرض الحلقة، جُرعة دسمة لدراما الصعيد على مدار 60 حلقة تنتهى قبل بداية شهر رمضان بيومين تقريبا قد تنعكس على عدد ما سيتابعه المُتفرج من مسلسلات. أتحدث عن مسلسل «سلسال الدم» الذى أبدع فيه السيناريست المتميز مجدى صابر بالدراما الصعيدية التى قدمها بثقة العام الماضى فى شهر أبريل من خلال الجزء الأول ل«سلسال الدم»، وإذا حاولت استعراض أعمال مجدى صابر أمامك ستجد همها الرئيسى إما «مُحاربة الفساد» أو «التنبؤ» أو كلاهما، ويعتبر مسلسل «العائلة والناس» الذى قدمه منذ عشر سنوات خير دليل على ذلك وكان هو أول من سلط الضوء على عالم رجال الأعمال وفسادهم بالتفصيل وفيه تنبأ بسقوط النظام. • استثمار للنجاح وبمتابعة مسلسله «سلسال الدم» وجدت عنصر «التنبؤ» موجوداً بقوة، أعلم أن الفن ما هو إلا انعكاس للواقع والمؤلف المُحترف المثقف تكون له رؤية أبعد وأعمق لما نعيشه مما يجعل سقف التوقعات لديه أبعد من المُتفرج العادى.. لكن ُمصادفة ما حدث وشاهدناه بالجزء الأول لمسلسله.. عندما تزامن مع عرضه حدوث مجزرة أسوان التى راح ضحيتها 26 ضحية بخلاف التهجير الجماعى للأقباط.. جعلنا نتندر بأن مؤلف العمل مكشوف عنه الحجاب أو بيضرب الودع. عادة عندما ينجح جزء من مُسلسل يُسارع صُناعه بتنفيذ أجزاء أخرى لاستثمار نجاح العمل لكن عندما يكون العمل من البداية مكتوباً كأجزاء يضمن للمُتفرج أنه سيرى دراما مُتماسكة حشد فيها المؤلف كل طاقته لتنفيذ مايريد توصيله للمُتفرج سواء كانت قضية أو رسالة أو تطوراً ما فى الشخصية والهوية المصرية والعربية على جميع المستويات بلا استثناء، وهذا ما حدث فى «سلسال الدم» بالجزء الثانى، شخصيات المسلسل لابد أن تبهرك بالتحولات المنطقية التى تطرأ عليها بداية من عبلة كامل التى قتل ابنها وزوجها ومحاربة أحد كبار التجار لها فى رزقها فهى لن تنتقم الانتقام الذى اعتدنا عليه فى قضايا الثأر، لقد جعلها المؤلف تستخدم ذكاءها وتقتحم عالم البيزنس لتكتسب قوة وصلابة لتُصارع أكثر من أخطبوط سواء على مستوى حياتها الشخصية أو الذين يحاربونها فى رزقها بدون إراقة دماء.. وهذا ما اعتبره تنبؤاً من مؤلف العمل لتطور شخصية المرأة الصعيدية فى عقيدتها الراسخة بشأن «الأخذ بالثأر»، وإن كان الأمر ليس باليسير وإذا حدث سيكون تدريجياً وببطء شديد بدليل النموذج الآخر الذى طرحه المؤلف للمرأة المُتعلمة غير القادرة على التخلص من الموروثات السلبية من خلال شخصية «أميرة هانى» أو رشيدة ابنة عبلة كاملة التى تعمل مُدرسة ومُتشبثة بأخذ ثأر شقيقها وهذا ظهر فى بداية حلقات الجزء الثانى عندما علمت بحملها وقالت لعائلتها إذا رزقها الله بولد سيأخذ بثأر شقيقها وفى مشهد آخر جمعها بابن العمدة حرضته على أخذ ثأر شقيقها، من أبيه أو أخيه غير الشقيق كمهر لشقيقتها المحامية «عالية» «راندا البحيرى»، لكى توافق على الزواج منه.. وبالنظر لباقى الشخصيات النسائية بالمسلسل ستجد القوة والصلابة هى السمة المشتركة فجميعهن يواجهن الحياة وموروثات نشأن عليها بلعبة «الذكاء والعلم».. راندا البحيرى «عالية» «المحامية» تريد أخذ ثأر أخيها بالقانون وزوجة ابن العمدة علا غانم تقرر دخول عالم بيزنس العقارات ليتحول مسار حياتها». لاشك أن هذه نماذج إيجابية وغير نمطية للمرأة الصعيدية التى يتنبأ بها المؤلف للمرأة الصعيدية مُستقبلا.. أيضا منة فضالى فى شخصية «هنية» حالها مثل حال بعض السيدات سواء فى القرية أو المدينة فهى مطلقة الغل والحقد والشر تحركها نتيجة رواسب نفسية واضحة فى تعاملها مع أهلها بخلاف تحريضها لابنها على ادعاءات باطلة ضد والده أثناء تحريرها محضراً ضده بخطف ولده. نجح مؤلف العمل فى خلق حالة من التشويق للحلقات الجديدة من مسلسله خاصة فى وجود ممثلين وحوش قادرين على إبهار المُتفرج بأدائهم. • عبلة وبركان الغضب رغم أن رياض الخولى جسد شخصية الصعيدى بأكثر من عمل فإنه قدم شخصية هارون الصفوانى عمدة القرية المُستبد الظالم بشكل مُختلف وساعده فى ذلك التفاصيل التى صاغها بعبقرية مؤلف العمل، ولايستطيع المتفرج نسيان أجمل مشهدين له فى النصف الأول من أحداث العمل عندما قام هادى الجيار «يوسف» بعملية انتحارية واقتحم منزله وقام بإذلاله وشنقه بملاية السرير وهرب دون التأكد من نجاح مُهمته.. أيضاً مشهد «رياض الخولى» وهو يقرأ الفاتحة على «محمد الصاوى» بعد أن دفنة حياً عقاباً له على التستر على هادى الجيار وعدم الكشف عن مكانه.. أما هادى الجيار «يوسف» زوج عبلة كامل «ناصرة» فهو بحق ُأسطى «فى أدائه الذى اعتمد على نظرات عينيه وانفعالاته الداخلية.. فالمفروض أننا شاهدناه فى الجزء الأول من «سلسال الدم» رجل صعيدى هادئ مُسالم لا يتوقع منه أحد أى شر.. لكن فى الجزء الثانى من العمل شاهدنا ماذا فعل به القهر والذُل الذى تعرض له من قبل هارون الصفوانى.. وباختفائه من الأحداث سيفتقد المٌتفرج مُتعة مُشاهدة أدائه المُختلف لشخصية فى غاية الصعوبة بخلاف المُباراة التمثيلية بينه وبين رياض الخولى «هارون». عبلة كامل لاتزال محُتفظة فى النصف الأول من الأحداث بالهدوء الذى يخفى وراءه بُركان غضب لاتدرى متى سينفجر فقط تلاحظ تعبيرات وجهها المُعبرة عن انفعالاتها الداخلية دون حوار.. تحاول التماسك أمام عائلتها لاترغب فى الكشف عن نواياها، دور مثل «ناصرة» يحتاج فقط مُمثلة من العيار الثقيل بحجم اسم «عبلة كامل» التى صنعت لنفسها مكاناً مُتميزاً بعيداً عن مصنع النجمات الوهمى. وللحديث بقية •