يا رب فك أسر كل مظلوم فى مصر، فى فلسطين فى السعودية، فى سوريا، وتحت كل سماء يا رب. صحيح أن مقالى هذا حول الإضراب عن الطعام الذى يواصله الأسرى الفلسطينيون فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، إنما مقاومة الظلم عادة ما تقلب المواجع ضد كل ظالم ومن أجل كل مظلوم.
الأسرى الفلسطينيون يدخل إضرابهم عن الطعام أسبوعا رابعا، فيصادف حلول ذكرى النكبة واحتلال فلسطين عام 8491. ومع استمرار الإضراب بدأت أصداؤه تظهر على المستوى الدولى، فشعبيا خرجت العديد من المسيرات المؤيدة لمطالبهم العادلة، ورسميا بدأت ردود الفعل تظهر على المستوى الدولى منها ما أعلنته وزارة الخارجية الفرنسية حول أن باريس قلقة جدا من التدهور السريع لصحة عدد من المعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وأنها تطلب من إسرائيل اتخاذ التدابير العاجلة المناسبة. كذلك الصين التى طالبت إسرائيل بضرورة مراعاة المبادئ الإنسانية وتحسين الظروف المعيشية والطبية للأسرى. أما الاتحاد الأوروبى فقد طالب إسرائيل بإيجاد حل سريع لهذه القضية. كذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر التى عبرت عن قلقها العميق إزاء تدهور الأوضاع الصحية للأسرى الفلسطينيين.
هذا الإضراب الواسع المهم لم يلق التغطية الكافية فى مصر نظرا للمستجدات الداخلية المتتابعة، أما التغطية الإعلامية خارج مصر فقد استوقفتنى منها عبر شبكة الإنترنت صورة أوجعت قلبى لسيدة مقدسية هى والدة الأسير ( نائل عبيد ) المحكوم عليه بالمؤبد والمضرب عن الطعام مثل زملائه المطالبين بتحسين ظروفهم فى السجن. ولقد حملت الأم صورته مثل غيرها من أمهات الأسرى اللاتى يرفعن صورهم ويشاركن بها فى الأنشطة المرافقة لإضراب الأسرى فإذا بمحاولتها لكبح جماح انهمار الدموع تفجر آهات كل من يشاهد الصورة.
إنها آهات تتواصل مع ما تفجره المعلومات المتعلقة بالأسرى خاصة المعزولين فى الحبس الانفرادى كأنهم قد تم إلقاؤهم فى قبر منذ سنوات طويلة حيث تجاوزت مدة استمرار البعض فى زنزانة انفرادية العشر سنوات. هل يتخيل أحد ما الذى يعنيه بقاء إنسان فى زنزانة انفرادية وحده عشر سنوات لا يتحدث مع أحد ولا يرى أحدا.
من هؤلاء المحبوسين انفراديا منذ عشر سنوات الأسير البطل ( عبدالله البرغوثى ) مما جعله يؤكد أنه وغيره من الأسرى المعزولين متفقين على عدم التفاوض على مطالبهم مع إدارات السجون، فمطلب الأسرى فى العزل واضح تماما ويتلخص فى( إما الخروج من العزل، أو الخروج من القبر إلى القبر ).
أما ابن محافظة القدس وعميد الأسرى المعزولين ( محمود عيسى ) والذى يقبع فى زنزانة انفرادية منذ 11 عاما فقد تم تهريب دراسة منه جاء فيها : لم يبق شىء اسمه ممنوع إلا وجُرب علينا، مُنعنا من زيارة أهلنا، حتى ما عدا أحدنا يتخيل شكل أهله، وما عاد أهلنا يذكرون ملامح وجهنا. كما حُرمنا من التعليم، وحيازة الكتب، والكتابة، وصودر مرارا ما كنا نكتبه من خواطر.
مُنعنا حتى من الخشوع فى صلاتنا، فالصراخ والشتائم والموسيقى الصاخبة تصم آذاننا طوال نهارنا، مُنعنا من رفع الأذان للصلاة، مُنعنا حتى من رفع صوتنا من الزنزانة ليسمع أحدنا الآخر فى الزنزانة المجاورة، فكلما نادى أحدنا الآخر جاء السجان قائل لنا : ممنوع الكلام.
وأضاف عيسى : حتى دخول الهواء إلى الزنزانة ممنوع، ولقد زارنى مرة فى زنزانتى المحكمة الإغلاق مدير السجن ومسئول المنطقة العسكرية، فسألنى الأخير هل من مشاكل. فقلت أريد أن تسمحوا للهواء بالدخول، فاتجه نحو الشباك الموصد بصفائح الحديد، فوجد بضعة ثقوب صغيرة. وقال يمكن للهواء أن يدخل من هنا.
ملحوظة : قبل الطبع مباشرة ورد خبر سعيد يتضمن أن إدارة السجون فى إسرائيل قد اضطرت مع ضغط المساجين الفلسطينيين إلى نقل صاحب الكلمات السابقة عميد الأسرى محمود عيسى خارج العزل الانفرادى. ومازالت معركة الأمعاء الخاوية فى سجون الاحتلال الإسرائيلى مستمرة. يا رب انصر المظلومين يا قادر يا سميع يا عليم.