أغرب مشاهد السباق في انتخابات مجلس الشعب، حتي الآن، والتي تجري رسميا في 28 نوفمبر الجاري، كانت من نصيب عائلة «السادات» في دائرة تلا بمحافظة المنوفية، وهم «الإخوة السادات»: زين وعفت وطلعت، أبناء عصمت السادات شقيق الرئيس الراحل «أنور السادات»، الذين يتنافسون علي مقعد واحد. مصدر الغرابة هو السجال في وسائل الإعلام بين الإخوة السادات الذين يبيتون في منزل واحد، ورغم أن هذه السجالات والمناظرات السياسية، تعد أمرا طبيعيا بين المتنافسين السياسيين في الغرب والشرق علي السواء، فإن غالبية الشعب المصري صاحب الخبرة النيابية الطويلة، الذي قدم للعالم أول برلمان في المنطقة عام 1866، لم تتقبل هذا التلاسن اللفظي بين الإخوة، ناهيك عن فكرة «التنافس» بينهم التي تفسد صلة الرحم. فما السبب (أسباب) ذلك؟ وهل هذا يتعلق بالثقافة الديمقراطية للمجتمع؟ قبل أسابيع قليلة نقلت وسائل الإعلام العالمية مراحل السباق الذي جري علي زعامة حزب العمال البريطاني بين الأخوين: «ديفيد» و«إد» ميليباند، وتابع العالم هذه الدراما السياسية العائلية بالصوت والصورة، في محاولة للإمساك بخيط الدخان الذي يفصل بين ما هو (ذاتي) أو شخصي وما هو (موضوعي) في بنية النظام الديمقراطي الراسخ في انجلترا. اللافت للنظر في هذا السباق بين الأخوين «ميليباند» هو أن الشعب الإنجليزي صاحب أعرق الديمقراطيات في العالم، لم يتقبل أيضا فكرة الجمع بين (العداء) و(الحب)، الخصومة والمودة بالنسبة للإخوة بصفة خاصة، والعائلة السياسية الواحدة بوجه عام، فهو أمر لم يتقبله بعد الحس السليم ولا (المنطق) العقلي البارد. وهو ما كشف عن أمر جديد كل الجدة بالنسبة للديمقراطية، في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو أن الانتقال من السياسة العاطفية إلي السياسة النزيهة المجردة من الهوي الشخصي واحد من أصعب التحديات التي تواجه أنصار الديمقراطيات الراسخة، فضلا عن المنادين بالتحول الديمقراطي في كل مكان. لكن إلي أي مدي يمكن الفصل بين الشخصي والسياسي؟ وإلي أي درجة يمكن (تصديق) هذا الفصل؟ هذا السؤال طرحته «إيفا هوفمان»، رئيسة تحرير مجلة نيويورك تايمز سابقا، في مقالها المهم والمعنون (سياسة الدم) ونشر في موقع (بروجكت سيندكت)، تقول: «كان السباق بين الأخوين ميليباند في بريطانيا بمثابة مثال صارخ لما قد نطلق عليه مكافحة المحسوبية - أو محاولة تجريد السياسة من كل الارتباطات الخاصة أو الشخصية. فبينما جلس الأخوان معاً، وتحدي كل منهما وجهات نظر الآخر، حاول كل منهما أن يحافظ علي (وهم مزدوج) مفاده: أنهما من ناحية لا يوجد بينهما ارتباط خاص، وأن خلافاتهما الشرسة من ناحية أخري لم تؤثر علي عواطفهما الأخوية». لكن بمجرد أن فاز الأخ الأصغر «إد» بنسبة ضئيلة، انكشف الأمر برمته في سلسلة من الأحداث غير اللائقة، وظهرت مقارنات في وسائل الإعلام بين هذه الأحداث المؤسفة وبين سرقة يعقوب لحق أخيه عيسو (في البركة من والدهما اسحق سفر التكوين 27) كما جاء في العهد القديم، وبين العديد من الوقائع الشكسبيرية التراجيدية. «هوفمان» تشير إلي صعوبة الفاصل بين الشخصي والسياسي في نهاية مقالها المهم، وتقول: «رغم أننا قد لا نريد للساسة أن تحركهم مصالحهم الذاتية، فلابد وأن نعترف بأن أهل السياسة (بشر) يتشكلون ويتأثرون بالعديد من العوامل - والعواطف». وبعبارة أخري، لا ينبغي لنا أن ننظر إلي السياسة من زاوية ضيقة تجعلها أشبه بعملية آلية لمعالجة السياسات، بل يتعين علينا أن نتذكر ولو علي سبيل إصدار حكم أكثر اكتمالاً وواقعية أن الساسة بشر مثلنا». وللحديث بقية..