ليس من المؤكّد، أنّه في الأعوام القليلة القادمة سنحصل علي حالة جذّابة تجمع بين الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي المستمرّ والتحديث الاجتماعي. ربّما حقّقنا قفزة في نمو الناتج القومي العام، لنظلّ في ترتيبنا أو تعلو درجتنا قليلا بين الأمم التي تعاني من مشاكل الفقر والبطالة وسوء حالة التعليم، والرعاية الصحيّة .. وتظلّ الحقيقة أنّ عدد السكان إلي جانب كونه عامل قوّة، يضاعف من مدي مشاكلنا الاجتماعية، الاقتصادية. رغم هذا التقدير المتشائم، فإنّ مجتمعا له نحو ثلاثين سنة تحرّكه الرغبة في الحرّية وفحص عيوبه بإفراط شديد، قادر علي إعادة اكتشاف نفسه. ولاضير أن أقول، إنّ ما يراه البعض خمولا اجتماعيا، ماهو إلاّ عجز هذا البعض عن إدراك أنّ مشاكلنا ممّا يمكن مواجهتها فقط خطوة خطوة. لانتوقّع إجابة شاملة لا في نزاهة الانتخابات أو غيرها، وعلي العكس تتضاعف أسئلتنا كما يشير الدكتور أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام السابق، والنائب السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان في حديث مطوّل علي برنامج أهل الرأي الذي تقدّمه الدكتورة درية شرف الدين علي قناة دريم، يؤكّد مؤلّف "حوار لا مواجهة"، أنّ الحوار الحقيقي هو أداتنا القوية في إحداث التغيير، وأنّه طريقنا لإعادة تنظيم المعرفة التي اكتسبناها ونكتسبها من إرثنا الثقافي والسياسي، ومن مواجهتنا لمتطلّبات عالم متغير. هذه مسألة لا اختلاف بشأنها، وقد بدت واضحة منذ ثمانينيات هذا القرن، فنتذكّر أكثر من دعوة وجّهها الرئيس مبارك لإجراء حوار قومي. لم تكن الصحف الخاصّة، والقنوات الخاصّة قد ظهرت، ووقع الأمر علي عاتق التليفزيون المصري والصحف القومية، وأفردت الأهرام صفحتين من الجريدة مرّة كلّ أسبوع للحوار ، تحت مناشدة الكواكبي لمن ينبّه الناس ويرفع الإحساس ويزيل الالتباس.. ويظلّ النداء ملازما إلي ماشاء الله . يتعين الاعتراف بأنّ الحوار المخادع الذي أشار إليه الدكتور أبوالمجد، يظهر لصيقا للحوار الحقيقي، ودائما في أي زمان ومكان نكابد الجهد للتمييز بينهما، هما صنو الخير والشرّ ! ويعيد الحوار المخادع بلورة نفسه مع إقحام الدين في السياسة سفورا، علي يد الدعوة التي أطلقها الشيخ حسن البنّا وأنشأ علي أساسها جماعة الإخوان. هوسة انطلقت، وكلّ جهة تحدّد مصلحتها مع الوافد الجديد : الاستعمار والقصر الملكي والأحزاب وجمال عبدالناصر، والسادات والشبهات لاتزال مستمرّة ! لاتجهد نفسك في البحث عن الصفقة، التي يصفها عبد المنعم أبو الفتوح بأنّها إشاعة من خصوم الجماعة كما جاء في كتابه "شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية" ولكن فكّر في الأغلبية المسلمة، والإسلام وتأثيره، والكلّ يريد داعما من الأغلبية لوجوده ! يدخل دور الإعلام في القضية، ضمن حوار نائب رئيس حقوق الإنسان السابق، الذي ارتفع زخم ظهوره علي الفضائيات منذ ترك منصبه! وإلي جانب انشغالنا في الجدل المحموم في عصر التكنولوجيا الرقمية بما وراء الواقع وبالحقائق والنظريات حول العقيدة وأحكام الشريعة ، تظهر الصحف الخاصّة والفضائيات الخاصّة، يتعين عليها الاطمئنان إلي نجاحها وانتشارها وتحقيق الأرباح. يستثمرون جيدا نفسيات الأغلبية المسلمة، لماذا لا يتاجر الإعلام هو الآخر بالدين ؟ ويخادع الحوار الحقيقي حول التعليم والصحّة وسقوط صخرة الدويقة، ووقوع تسونامي تعالوا نتفحّص الأمر علي ضوء القيمة الخبرية لواقعة لاتزال طازجة هي هجوم القاعدة علي كنيسة سيدة النجاة في بغداد الذي راح ضحّيته 52قتيلا و67 جريحا، وما أعقبه من الزجّ باسم مصر وتهديد الكنيسة المصرية، نري مإذا كان ممكنا حتّي لحظتنا، الفصل بين حوار حقيقي وآخر مخادع ؟ وبوجه عام لا تقدر أي صحيفة أو كاميرا علي تحاشي الخبر الساخن الذي ورد للتوّ، والذي سيتعرّض للتحليل وعمليات مراجعة وتنظيم وتمحيص، وأفضل صورة في النهاية هي من صناعة بشر، يعتنقون اتّجاهات سياسية ولهم مشاعر شخصية ومن العسير قبول ما يقال عن تحرّر أي شخص من التعصّب . أنهي مداخلتي مع الدكتور أبوالمجد حول أنّ المسألة في النهاية تظلّ معلّقة بتركيز وخيال قارئ ومشاهد في محاولته للحصول علي الحقيقة . والأمر لايختلف من حيث التأثير الدرامي لقتل أناس يصلّون أو خارجين من قداس عيد الميلاد وبين التعليق علي مباراة للكرة بين مصر والجزائر !