يقول الدكتور عاطف وصفي: (أما في النظام الطوطمي فينتشر في قبائل السكان الأصليين لاستراليا وقد اهتم به العلامة (دوركايم) وأرد أن يستنتج منه نظرية عامة في الدين تحدد الوظيفة الاجتماعية للدين بأنها المحافظة علي تماسك واستمرار البناء الاجتماعي للمجتمع وتأكيد أواصر التعاون والود بين المنتمين لدين واحد. ورغم أن الأنثروبولوجيين يتفقون مع دوركايم في التحديد السابق للوظيفة الاجتماعية للدين وخاصة في المجتمعات البدائية، إلا أن المعلومات الميدانية التي اعتمد عليها قد تعرضت لكثير من النقد، فمثلا لم يوافق العلامة (فريزر) علي اعتبار الطقوس الطوطمية ظاهرة دينية وإنما نوع من السحر. ويذكر العلامة (راد كليف براون) أن المعلومات التي اعتمد عليها دوركايم غير كاملة وغير واضحة، خاصة أن الدراسات الميدانية للمجتمعات البدائية الاسترالية قد كثرت بعد عام 1912 أي بعد نشر كتاب دوركايم، وقد اعتمد دوركايم في تحليلاته علي قبيلة استرالية تدعي (أراندا) ولكن تبين بعد ذلك أن تلك القبيلة لا تمثل الصورة العامة للعقائد والطقوس المنتشرة عند القبائل الاسترالية وإنما تمثل حالة فردية ولذلك اعتمد هنا علي معلومات العلامة (راد كليف براون) لحداثتها ودقتها. يري الإنسان البدائي الاسترالي أن العالم يعيش في عالم واحد يتكون من البيئة الطبيعية التي حوله وكذلك البناء الاجتماعي الذي ينتمي إليه، فهو يوحد بين البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية في عالم واحد، ويشمل (النظام الطوطمي) مجموعة من العقائد والطقوس تدور حول ذلك العالم الموحد، إذ يعتقد البدائي الاسترالي أن العالم -كما يفهمه- قد تكون في عصور قديمة عن طريق كائنات مقدسة يطلق عليها اصطلاح (طوطم)، ويشمل الطوطم الواحد أحد مظاهر الطبيعة المحيطة فمثلا يوجد الطوطم الكنجارو وهو يمثل جميع أفراد ذلك الحيوان وقد يمثل الطوطم نباتا معينا أو ظاهرة مناخية مثل (طوطم المطر) أو طوطم (الجو الحار) وقد لوحظ أن تلك الطواطم تمثل ظواهر مهمة بالنسبة لحياة القبيلة واستمرارها، ويعتقد الإنسان الاسترالي أن الإنسان يعتمد في معيشته علي ظواهر الطبيعة سواء أكانت تتابع الفصول أو تكاثر الحيوانات أو نمو النبات أو تكاثر الإنسان. إن استمرار تلك الظواهر معناه استمرار حياة الإنسان وبالتالي استمرار المجتمع ذاته، ويعتقد كذلك أنه يستطيع أن يضمن استمرار تلك الظواهر عن طريق طقوس معينة. وتتلخص تلك الطقوس في أن يتجمع أعضاء القبيلة الواحدة في مكان معين يدخل في نطاق إقليم القبيلة، ويعتقدون أن الكائن المقدس قد جاء لأول مرة في ذلك المكان ويمكن تسميته بمركز الطوطم، ويقوم أعضاء القبيلة بأداء طقوس معينة منها الرقص والأدعية للطوطم أو الكائن المقدس بغية استمراره أو غزارته، فمثلا يكون هدف الرقصات والدعوات الإكثار من حيوان الكنجارو أو غزارة المطر ليروي النبات والحيوان أو الإكثار من نسل أفراد القبيلة حتي تقوم وتهزم أعداءها. إن العرض السابق (للنظام الطوطمي) يختلف في كثير من النواحي عن عرض دوركايم الذي تصور أن الطواطم هو الجد الأكبر الذي ينتمي إليه أفراد القبيلة أي الاستراليين يعتقدون في وجود علاقة قرابة دموية تربطهم بالطواطم أما العلامة (براون) فينفي هذا الفهم للطواطم ويري أن الطواطم كائن مقدس يعتقد أفراد القبيلة أن استمراره في عالمهم لا يتم إلا عن طريق طقوس معينة، وقد ذكرت سابقا أن العلامة (براون) قد زار القبائل الاسترالية ودرسها ميدانيا واعتمد في أبحاثه ومقارناته علي كثير من الدراسات الميدانية الحديثة،.أ ما (دوركايم) فلم ير تلك القبائل واعتمد علي معلومات قليلة ناقصة ولذلك فإنني أفضل الأخذ بتحليلات العلامة براون ويجب ملاحظة أن كل من (دوركايم) و(براون) قد أكد الوظيفة الاجتماعية للدين عامة وللنظم الطوطمية خاصة بأنها تأكيد التماسك والوحدة والتعاون بين أفراد القبيلة الواحدة ويترتب علي ذلك استمرار البناء الاجتماعي.. انتهي. (راجع د.عاطف وصفي، الأنثروبولوجيا الثقافية، ص235، 233). وفي النهاية أقول إن المعتقدات الدينية التي تعترف بوجود قوة قاهرة مقدسة صانعة لهذا الكون، موجودة في كل المجتمعات الإنسانية بلا استثناء، وفي ذلك يقول الدكتور عبدالحميد لطفي: (النظم الدينية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية لأنها تسد حاجات اجتماعية مهمة، فالدين يدفع الأفراد إلي تغليب مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرد، كما يساعد علي تكامل شخصية الفرد وتقوية روحه المعنوية فيدفع عنه الخوف ويحيي فيه الأمل بما يبثه فيه من قوي خارقة تتمثل في قوة الإله الذي يقدر علي مساعدته.. وللنظم الدينية دور مهم في تكامل المجتمع عن طريق شعائره التي تؤدي وظيفة العاطفة الجماعية المشتركة، والتي تذكر الفرد وهو غارق في حياته المادية وأنانيته وشحه بولائه لجماعته ولقيمها العليا) انتهي. (راجع د.عبدالحميد لطفي، علم الاجتماع ص73). قائمة المراجع: 1- د.عبدالباسط محمد حسن، علم الاجتماع، الكتاب الأول المدخل، مكتبة غريب، القاهرة. 2- د.أحمد الخشاب، علم الاجتماع الديني، مفاهيمه النظرية وتطبيقاته العملية، مكتبة القاهرة الحديثة، الطبعة الثانية، 1964. 3- أحمد أبوزيد، نظرة البدائيين إلي الكون، مجلة عالم الفكر الكويتية، المجلد الأول، العدد الثالث، 1970 . 4- أحمد أبوزيد، البناء الاجتماعي، الجزء الثاني، الانساق، القاهرة، 1967. 5- السيد محمد بدوي، نظريات ومذاهب اجتماعية، دار المعارف، مصر 1969. 6- د.عاطف وصفي، الأنثروبولوجيا الثقافية، دار النهضة العربية، بيروت. 7- د.عبدالحميد لطفي، علم الاجتماع، دار النهضة العربية، بيروت.