فقدت مصر، في اليوم الأخير من أغسطس سنة 1986، الفنان الشامل متعدد المواهب والأنشطة، السيد بدير، بدأ حياته بالكتابة الدرامية للإذاعة قرب نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، ثم عمل بالتمثيل السينمائي، وقدم أدوارا قصيرة لافتة في أفلام ناجحة، ومن ينسي شخصية العربجي الطيب الشهم ابن البلد في فيلم «الأسطي حسن»؟!. فضلا عن الكتابة للإذاعة والتمثيل، حقق السيد بدير كثيرا من النجاح في الحقل السينمائي، كاتبا ومخرجا، وفي الأفلام العلامات التي كتبها، أو شارك في كتابتها: «الفتوة»، «ريا وسكينة»، «شباب امرأة»، «بين السماء والأرض»، أما الأفلام التي أخرجها فقد تجاوزت العشرين، ومنها «الزوجة العذراء»، و«سكر هانم»، و«غصن الزيتون». يقترن اسم الفنان الكبير بتأسيس مسرح التليفزيون في الستينيات، حيث كتب وأعد وأخرج عشرات المسرحيات، التي يذكر له فيها أنه صاحب الفضل في اكتشاف نجوم الكوميديا الذين سيطروا علي الساحة لعدة عقود تالية. كان الرجل البدين المرح شعلة نشاط لا تهدأ، وقد يختلف الكثيرون مع اجتهاداته وأفكاره، لكن أحدا لا يختلف حول إخلاصه لما يؤمن به، وحول حرصه الدائم علي التجديد والإتقان في تقديم ما يري أنه الصحيح الذي يمتع الناس ويسليهم، وإن لم يثقفهم أو يخاطب عقولهم. نصف قرن من العمل الدءوب، وكم هائل من الإنتاج المتنوع، ومازال وجهه الطيب البشوش يطل علي المشاهدين المعاصرين فيسعدوا ببساطته وتلقائيته، ذلك أنه من تلك المدرسة التي تدمن التواضع وتعادي التكلف وتراهن علي رسم الابتسامة ونشر البهجة، كانت متعته في صناعة النجوم، وربما يتفوق عليه بعض تلاميذه في حجم الشهرة والانتشار، لكنهم يدينون له بالنجاح الذي حققوه، والنجومية التي وصلوا إليها. ثراء مصر بلا نظير، ولعل هذا الفتي هو ما يفسر معاناة بعض أبنائها في داء النسيان، وتبقي الحقيقة الراسخة التي لا جدال حولها: التاريخ وحده من ينصف ويقوم بعملية الفرز التي لا تعرف المجاملة، ولا يتخللها الفساد.