ألبوم أنغام «الحكاية المحمدية» يقدم الأغنية الدينية بطريقة تلهب المشاعر الروحيه وتنمي الإدراك. عشر أغنيات تدور كلها حول أمهات المؤمنين، إلا أنها تعتمد علي طريقة الشاعر الغنائي نبيل خلف واعني بها العمق والقدرة علي الإيجاز والإعجاز والوصول بالمعاني من أقصر طريق حيث يعتمد علي أسلوب الحكاية السهل والمشوق والحكاية ليست سردا للمواعظ والإرشادات وإنما كشف صوفي لأشد اللحظات الدرامية في حياة أمهات المؤمنين. وقد اختطف الملحن وليد سعد هذه الحالات ليصنع منها سيمفونية بديعة ومتفردة صنعها بقلب الملحن ووعي الموسيقي الخبير وقد استغل وليد سعد صوت أنغام الملائكي ليرفع من سقف العمل. أما الموزع الموسيقي أسامة الهندي فقد اختار لكل أغنية إيقاعها الخاص فلا هي ترتفع لتحجب صوت أنغام ولا هي تنخفض لتضيع في الخلفية. الألبوم وضع أنغام علي عتبة تجربة جديدة وقد شعرت بأن أنغام كانت متشوقة لغناء هذا الألبوم الذي أمدها بالكلمات والألحان التي تميزت في أدائها وكأن الطرب قد وحشها فأرادت أن تعود إليه وهي محملة بعشر أغنيات من العيار الثقيل. «آمنه وأم أيمن وعائشة» أنغام في حياة الرسول يعتمد الشاعر نبيل خلف في أغنية «السيدة آمنة» علي رصد الأجواء المحيطة بميلاد الرسول من وجهة نظر الأم التي لم يسع الكون فرحتها وقد مهدت المقدمة الموسيقية للجو العام في الأغنية مما جعل الموسيقي واللحن والكلمات تناسب في إطار هارموني جميل.. ويقول بعض كلمات الأغنية واصفة مولد الرسول: «لما ينام ويقوم النور يزيد يا نجوم.. ابني الغلام فرحان.. بالبركة لما تدوم.. الكون بحاله اهتم.. وما ساعش قلب الأم.. والفرحة بالمولود.. للجد قبل العم». أما أغنية «أم أيمن» فهي من أجمل أغاني الألبوم حيث تبدأ بمقدمة موسيقية من خلال العزف علي آلة القانون وما تعكسه أوتاره من شجن شرقي أصيل يمهد لحالة الحزن الذي يسيطر علي أجواء اللحن وقد وصلت هذه الأغنية بصوت أنغام إلي أجمل ما فيه من حيث الأداء، فالأغنية ملحمة صغيرة جديرة بالإعجاب والتقدير ويقول بعض كلماتها: «الرسول قال شايله همي.. حبها يجري في دمي.. جارية لكن أم أيمن.. هي أمي بعد أمي.. لما هاجرت للمدينة.. في الطريق من غير طعام.. لجل ما تحصّل نبينا.. وروحها شبعت م الصيام.. الرسول الكريم.. بالنخيل بيراضيها.. كان علي خلق عظيم.. لما تغضب بيداديها.. الرسول ربي يزيده.. تشرب الميه في إيده ..قال لعيشة متزعليش.. ربي ارحم من عبيده».. ويواصل الألبوم نفس الخط الدرامي ويصنع الناي طاقة روحية هائلة مع وصف لدورها في الدفاع عن الرسول في غزوة أحد ولا تكتفي الأغنية بموقف إنساني واحد وإنما تقدم مواقف إنسانية كثيرة تكشف الأبعاد النفسية لأم أيمن ودورها في علاج الجرحي وسقاية المحاربين وتأثرها بفقد زوجها وابنها ووفاة الرسول، وتختتم الأغنية سياقها بمقطع يقشعر له البدن وهو يقول «الوصية مش كتابة.. بأمره بتزورها الصحابة.. يبكوا ويا أم أيمن.. كان حنين عالغلابة». والجميل أن الأغنية تصف مآثر الرسول الكريم وتدلل عليها من خلال مواقف تاريخية. وتأتي أغنية «السيدة عائشة».. لتشهد لفريق العمل في الألبوم بالبراعة لأن توزيع الموسيقي لأسامة هندي وجودة اللحن وقوة الصوت عناصر لا يمكن أن يتجاهلها أحد. والأغنية تستعرض حياة السيدة عائشة من وجهة النظر النسائية بدءاً من نشأتها في بيت الصديق حتي مواقفها لنصرة الدين وغيرتها علي الرسول الكريم. وفي أغنية «حليمة السعدية».. ينجح نبيل خلف في التقاط أدق التفاصيل الإنسانية في صورة مشهد سينمائي مفعم بالأجواء الإيمانية وتبدأ الأغنية بالعزف علي البيانو في هدوء وانسيابية مع عزف علي الناي وعبر هذا المزج الموسيقي تصنع الأغنية حضورها ويقول بعض كلماتها «حليمة الهي يوعدها.. ومن كرمه بيسعدها.. يشوفها نبينا يسندها.. وعبايته عشانها يفردها». ويفاجئنا نبيل خلف بأغنية السيدة صفية زوجة الرسول التي تنحدر من أصول يهودية ليدل علي أن الإسلام يعز أهله وتقدم الأغنية نفسها في هالة من الواقعية السحرية وتقول كلماتها: «كان في حلمك يا صفية نفحة طاهرة ونورانية.. القمر واقع في حجرك.. والملايكة رايحة جاية». بنات الرسول تعتبر أغنية «السيدة فاطمة» من أشد الأغنيات اقتحاما للنفس من فرط ما تقدمه التجربة من إحساس عميق بالمكانة التي وصلت إليها المرأة في بيت النبوة ومطلع الأغنية يذكرنا باستهلال أمير الشعراء أحمد شوقي في نهج البردة عندما يقول «أبا الزهراء قد جاوزت قدري» فيقول أيضا نبيل خلف. «أنا مين أكون علشان أقول.. علي فاطمة بنت الرسول أنا بارتعش من الخجل.. وأتمني انول القبول». والأغنية تضم مزجًا هارمونياً بديعاً بين الآلات الشرقية والغربية حسب الحالة الشعورية للعبارات حيث تقول: «يا زاهدة من مولدك.. سيدنا النبي بيوعدك حيموت وبعده تحصليه.. وفي الآخر ربي حيسعدك». ويعرض الألبوم تجربة أخري لحياة السيدة زينب ابنة الرسول ويستهلها بمقدمة موسيقية بديعة تمهد لطلب ابن الربيع ليد ابنة الرسول ولكن بعد الزواج لا يؤمن ابن الربيع بالإسلام ويقع أسيراً في بدر وتقول الأغنية وزينب بتبكي من الذهول. «في بدر كان جوزها أسير.. تفديه بعُقد أمها.. وسيدنا الرسول بيوصي خير.. صلوا وسموا وكبروا.. بيرق قلبه يحرره»، وأجمل ما في الأغنية أنها تقرب الحكاية التاريخية بطريقة عصرية وبألفاظ من حياتنا اليومية ليتم اختصار المسافة الزمنية الفاصلة ويصبح التاريخ حقيقة حية ونابضة. ويبقي أن نقول إن أغنية ماريا القبطية من أبدع أغاني ألبوم الحكاية المحمدية علي مستوي اللحن والتوزيع الموسيقي حيث يداعب العزف علي القانون مشاعر المستمعين ويتدخل العزف علي العود ليعكس أصداء موت ابن الرسول وهو مازال رضيعاً وتأثر النبي به وتقول الكلمات: «والولد اللي اتحسد.. يبتليه بالمرض.. الرسول يبكي عليه.. والدموع تغسل عنيه مرضعه في الجنة تاخده.. والملايكة بتراضيه» ولا يترك نبيل خلف الفرصة تفوته بل يؤكد في الأغنية علي الوصية التي وصي بها الرسول علي أهل مصر وتقول كلمات الأغنية: «البشارة من سنين.. ووصي خير علي أهل مصر.. ادخلوها آمنين.. سالمين» الحقيقة هي لفتة ذكية ربط الكاتب من خلالها بين السيرة النبوية والتاريخ وحبه لوطنه.