مع إيقاع الحياة السريع تراجع تراث مجتمعنا وقيمه كي تتلاءم مع متطلبات العصر فلم تعد الشهامة شهامة ولا الصداقة صداقة وصار المطلوب منا أن نتحول مائة وثمانين درجة عن طريق الإنسانية الحقة وأن نقرأ الأشياء بالمقلوب كي نساير العصر وإلا اعتبرونا شاذين وغير معاصرين، قليل هم من يحرصون علي إرثهم الثقافي والأخلاقي أبا عن جد هؤلاء أحد حراس وحماة مهنة صناعة الخزف والفخار هما «أشرف ونيسان». يحدثنا أشرف محمود عابدين «44 سنة» عن حياته مع صديقه نيسان في قرية الفخارين بمصر القديمة فيقول إن الفضل في دخوله إلي عالم الفخار والخزف يرجع إلي والده شيخ الصنعة والذي كان يملك مصنعا للفخار واعتاد أن يتردد علي مصنعه منذ كان طفلا في مصر القديمة وهناك الناس علي حد قوله طيبون وقريبون قوي زي الأهل في منطقة تجمع فئات مختلفة تحيطهم مقدساتهم جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة والمعبد اليهودي باختصار مجمع أديان وما إن تخرج في المعهد الفني التجاري حتي التحق بالعمل إلي جوار والده كتفا بكتف في تلك الفترة التقي بصديقه نيسان لأول مرة وتعارفا ضمن مجموعة من الشباب انضمت للعمل بمشروع قرية الفخارين عام 1992 فهو إنسان مهذب جدير بالاحترام وجمع بينهما أن كليهما يحب المهنة ويريد أن يضيف بصمة خاصة كما أن كليهما يكمل الآخر فهو حرفي ونيسان فنان تشكيلي وخريج فنون جميلة له رؤية خاصة في الفنيات والتصميمات أحيانا ما كان يطلب منه تصميمات خاصة وكثيراً ما يطلب منه نيسان أن يعد له ألواناً تناسب تصميماته وهكذا تحولت الجيرة إلي حب وصداقة وعشرة عمر. ويذكر أشرف أنه تعرض لأزمات جميعها يجد نيسان الصديق والجار أول من يقف إلي جانبه ويدعمه حتي يجتازها، يذكر ذات مرة أن محله تعرض لحريق وكان علي وشك الدخول لإطفاء النيران والأنابيب داخل المحل بنفسه من شدة انفعاله لولا أن منعه نيسان من الدخول واعترض طريقه حتي هدأ وقام بالاتصال بالمطافئ وكان أول من وقف إلي جواره في تلك الأزمة. ويروي لنا نيسان دوس أمين 39 سنة تاريخ علاقته بصديقه أشرف وعائلته فيقول إنه علي مدي 15 عاما لا يمر يوم دون أن يري أشرف في قرية الفخارين كل يوم يحمل لهما أحداثاً جديدة فرحاً حزناً مرضاً وفاة فهو يعتبر نفسه فرداً من أسرة كبيرة مكونة من 30 فرداً هم عدد العاملين في هذا المكان علي الرغم من كونه المسيحي الوحيد بينهم فإنه يشعر بأنهم عائلته فلقد بدأت علاقته بوالد أشرف الذي كان بمثابة الأب له أيضا فكان يرافقه في كل مكان يذهب إليه كي يكون عونا له وأنشآ معا الجمعية المصرية لتنمية وتطوير صناعة الفخار فكان والد أشرف هو رئيس الجمعية وكان نيسان سكرتير الجمعية وأمين الصندوق وقام بالتصدي لمهمة تخليص الإجراءات والأوراق الرسمية من المؤسسات الحكومية لإدخال المرافق إلي القرية من ماء وكهرباء وشبكة صرف والتليفونات وعندما حدث خلاف بينه وبين أحد العاملين قام والد أشرف بالتدخل لإنهاء الأمر.