عبر محاولاتهم المتكررة لمحاكاة عملية التركيب الضوئي عند النبات، توصل فريق من العلماء الأمريكيين إلي اكتشاف يبشّر بإمكانية توليد كميات لا حصر لها من الطاقة "الخضراء"، باستخدام الماء وضوء الشمس فقط. فقد قام الباحثون بتجميع فيروسات معدَّلة وراثياً قادرة علي توظيف طاقة الشمس لتفكيك جزيئات الماء إلي العنصرين المكوِّنين لها، وهما الأكسجين والهيدروجين اللذان يمكن استخدامهما في ما بعد كمصدر للطاقة الكيميائية. وفي حال تمكن العلماء من تطوير هذه العملية وزيادة كفاءتها، فإننا قد نتمكن في المستقبل من إنتاج كميات غير محدودة من وقود الهيدروجين، الذي يعتبر من مصادر الطاقة النظيفة التي يمكن استخدامها ضمن السيارات والمركبات الأخري. علي مدي عقود عديدة كانت محاكاة عملية التركيب الضوئي، التي تقوم فيها النباتات بتحويل ضوء الشمس إلي طاقة كيميائية، تمثل حلماً بالنسبة إلي العاملين في مجال الطاقة البديلة. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التحذيرات التي أطلقها الجيش الأمريكي مؤخراً بأن العالم سيعاني نقصاً شديداً في النفط بحلول العام 2015 فإننا ندرك مدي أهمية هذا المشروع. يعتبر تفكيك جزيئات الماء إلي أوكسجين وهيدروجين خطوة أولي مهمة في عملية التركيب الضوئي الاصطناعي. ومع أنه من الممكن تفكيك هذه الجزيئات باستخدام الطاقة الشمسة، إلا أن هذه العملية لا تتمتع بكفاءة عالية. أما الدراسة الأخيرة فتثبت أن العلماء أصبحوا قادرين علي تفكيك جزيئات الماء بواسطة ضوء الشمس مباشرةً، أي من دون اللجوء إلي ألواح الطاقة الشمسية. تقوم النباتات بتحويل ضوء الشمس إلي طاقة كيميائية باستخدام خضاب الكلوروفيل (أي اليخضور او المادة الخضراء) الموجود في أوراقها، حيث تقوم هذه المادة باحتجاز حزمات الضوء واستخدام الطاقة المتولِّدة عنها لنقل الإلكترونات من جزيء إلي آخر داخل خلايا النبتة. بالنتيجة يتحول ثاني أكسيد الكربون والماء إلي جلوكوز، حيث يصبح هذا الأخير قابلاً للتخزين علي شكل نشاء أو كربوهيدرات نباتية. في هذه الدراسة، التي نُشرت نتائجها في مجلة "نيتشر نانوتكنولوجي"، قام العلماء بإدخال تعديلات وراثية علي فيروس "إم13" غير المؤذي، وذلك بهدف جعله يلتصق بالمادة المحفِّزة، التي تُعرف باسم "أكسيد الإيريديوم"، وأيضاً بالخضاب البيولوجي المعروف ب"بورفيرين الزنك". بعد ذلك قامت الفيروسات بالاصطفاف بشكلٍ طبيعي علي شكل أسلاك، في حين قامت المادة المحفِّزة والخضاب بتجميع ضوء الشمس لعزل الأكسجين عن جزيئات الماء. البروفيسورة أنجيلا بلتشر، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قالت إن الخضاب يعمل كهوائي متخصِّص في التقاط الضوء، ما يؤدي إلي نقل الطاقة في أسلاك الفيروسات. وقد تمكَّن الفريق حتي الآن من عزل الأكسجين، حيث تُعتبر هذه المرحلة أكثر مراحل عملية تفكيك الماء صعوبةً. أما الهيدروجين فيتفكك تلقائياً إلي مكوِّنيه الرئيسيين، وهما البروتونات والإلكترونات، ولذلك فإن الخطوة التالية ستتمثل في الجمع بين هذين المكوِّنين من أجل عزل الهيدروجين بشكلٍ كلي، كما تقول بلتشر. ومع أنه لاتزال أمام العلماء مهمة صعبة تتمثل في تحويل ضوء الشمس إلي طاقة كيميائية، إلا أن بلتشر تتنبأ بأن هذه الفكرة قد تتمخض في غضون سنتين من الآن عن منتج تجاري قادر علي تنفيذ عملية تفكيك الماء بطريقة مستدامة. البروفيسور توماس ملوك من جامعة بنسلفانيا قال: إن هذا البحث يعتبر عملاً بالغ الذكاء، فهو يتناول واحدة من أعقد الإشكاليات الكامنة في التركيب الضوئي الاصطناعي، وذلك عبر تنظيم المكوِّنات الجزيئية بطريقة معينة تمكِّننا من التحكم بعملية الانتقال الدقيق للإلكترونات، تماماً مثلما يحدث في عملية التركيب الضوئي الحقيقي. لكنه استبعد أن يتم الانتهاء منه في المستقبل القريب. " نقلاًعن صحيفة ذا اندبندنت"