قرية «هربيط» واحدة من أكبر قري مركز أبوكبير بمحافظة الشرقية .. لكنها ليست مثل كل القري، لأنها كانت مقر لعبادة الاله «حورس» ايام الفراعنة، إلا أنها بعد كل هذه السنوات غرقت في المشاكل والأزمات بين عدم وجود صرف صحي ونقص في الخدمات كل هذا حي من ذاكرتها وتاريخها ناهيك عن المستوي الاجتماعي لسكانها إذ لا يعرف السواد الأعظم منهم أي شيء عن مكانتها القديمة. حاولنا رصد حكاية هربيط والقصص والخرافات المتناثرة هناك عن آثارها والحفر داخل البيوت للبحث عنها. البداية كانت من خلال عدة كليبات حصلنا عليها تظهر فيها قطع أحجار قيل إنها أثرية وجزء من تابوت أثري ملقي بجوار مدافن القرية ويظهر أيضا عدد من الأهالي وهم يصورونها ليلاً. مصدر مسئول بآثار الشرقية عندما عرضنا عليه الكليب قال إن الآثار الموجودة في قرية بالشرقية تدعي «هربيط» وحسب ما قال تنتشر الأحجار الأثرية في شوارع القرية الغريب أن الأهالي هناك لا يعرفون أي شيء عن تلك الأحجار والتابوت الذي ظهر بالكليب والمكان الوحيد الذي يعرفه الناس هناك أنه متعلق بالآثار هو «تل الشيخ عيسي» التل يقع أمام مدرسة هربيط الاعدادية المشتركة مرتفع عن الأرض بحوالي 3 أمتار أعلاه بقايا بناء قيل أنه كان ضريح «الشيخ عيسي» وبالأسفل مجموعة أعمدة رومانية أثرية عثر عليها أثناء الحفر لبناء مسجد حماد بيه البقري ولم يجدوا مكاناً لها فوضعوها أسفل التل.. الأعمدة غارقة تماماً في أتربة التل والقمامة التي تحيط بها خاصة أن المساحة حول التل يقام فيها سوق يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع. بركات الشيخ عيسي من هو الشيخ عيسي وما حكاية هذا المقام والتل الذي يحمل اسمه؟ لا أحد يعرف.. الحاج محمد علي 68 عاماً يسكن أمام التل منذ أن وعي علي الدنيا وجد التل هكذا باسمه تل الشيخ عيسي والأعمدة الموجودة عليه عثروا عليها أسفل الجامع وأحضروها منذ عامين لهذا المكان لأنه تل أثري وله حارس. لا يعرف الحاج محمد مثل أهل القرية من هو الشيخ عيسي والأحجار الموجودة فوق التل بقايا ضريحه الذي كان موجوداً حتي 15 سنة ماضية حيث تم هدمه ونقله إلي الجامع الكبير حسب قوله ولم يتبق منه سوي هذه الأحجار المثير أن أهالي القرية رغم جهلهم بالشيخ عيسي أو أية معلومات عنه إلا أنهم يعتقدون في بركته وكراماته اعتقاداً راسخاً في تزويج العوانس وتحقيق أمنيات الحمل والإنجاب يقول كل صاحب جاموسة لاتدر لبنا يحضرها إلي التل الذي يقع فوقه المقام ويدور بها حوله عدة مرات وبعد أسبوع يفاجأ باللبن الغزير منها وكرامة للشيخ يوزع صاحب الجاموسة بعضاً من لبنها علي الناس فضلاً عن إقامة ما يسمي «بطية» حيث يقوم بعمل كميات أرز باللبن ويوزعها علي الأطفال في المنطقة المحيطة بالتل ابتهاجاً بحلول بركة الشيخ علي الجاموسة. أين الآثار؟ من غير المعقول أن يختصر تاريخ هربيط في تل ومقام تنتشر حوله الخرافات والكرامات أين الآثار إذا؟ يقول الحاج محمد سمعنا كثيراً أن قريتنا فيها آثار وأن أرضها كلها أثرية لكننا بنينا بيوتنا وأقمنا فيها منذ سنوات طويلة ولم نجد شيئا حكايات النصب بالآثار منتشرة في هربيط وهو ما حدث للحاج محمد الذي كاد يقع في إحداها حينما أتاه أحد الأشخاص وحاول إقناعه أن أسفل منزله آثار ويتركه يحفر داخله لاستخراجها لكنه رفض لأنه لم يعثر علي أية آثار أثناء الحفر لبناء المنزل منذ سنوات وبالتالي لن يجدها حاليا. السيد عبدالحميد يعمل حارس آثار منذ 35 عاماً ومكلف بحراسة تل الشيخ عيسي الأثري أوضح أن هربيط قديما كانت مقراً لعبادة حورس وأبيس ولا يوجد بها أي آثار سوي هذا التل وهناك في منزل أحد السكان ما يشبه القبة أو بوابة هجرية أثرية كانت علي أرضه وبني حولها منذ سنوات عديدة. نقص الخدمات رغم أن هربيط من أكبر قري محافظة الشرقية إلا أنها تعاني من مشاكل عديدة ونقص في بعض الخدمات ألهت الناس عن معرفة تاريخ قريتهم وأدت لانتشار محاولات النصب بدعوي التنقيب عن الآثار وأحلام الثراء السريع منها.. المستوي الاجتماعي للناس هناك متواضع جداً وأغلبهم يعملون بالزراعة كما أنها حسب السيد عبدالحميد تعاني من عدم وجود شبكة صرف صحي قوية وربما انتبه المسئولون مؤخراً لذلك وبدأوا منذ خمس سنوات تنفيذ مشروع صرف صحي للقرية ولم يتم الانتهاء منه حتي الآن ويتردد أنه سوف ينتهي بعد 6 شهور ونحن نأمل ذلك. الرعاية الصحية ضعيفة بالقرية نتيجة لوجود وحدة صحية بها صغيرة ولا تتناسب أبداً مع حجم السكان هناك وتحتاج إلي تطوير وتحديث بما يجعلها تؤدي دورها علي الوجه الأكمل كذلك تحتاج القرية إلي مركز شباب متكامل ملحق به ملعب مناسب يمارس فيه شبابها الرياضة ويحتويهم خاصة أنه حسب السيد عبدالحميد كان يوجد بالفعل مركز شباب مبني علي أرض أوقاف وتمت إزالته منذ خمس سنوات. أرض فضاء مشكلة أخري لا تقل أهمية عما سبق وتتمثل في أن زمام هربيط ضيق بمعني أنه لا توجد بها أية مساحات أرض فضاء لاستغلالها في إقامة أية مشاريع خدمية تحتاجها القرية وهو ما يؤرم كل السكان هناك والمساحة الوحيدة المتوفرة وتصلح لذلك الغرض هي تل الشيخ عيسي والمنطقة المحيطة به إلا أن خضوعها لسلطة المجلس الأعلي للآثار يصعب من ذلك. ليس هذا فقط فالقرية تعاني بشدة من خلل في التعليم بمراحله المختلفة هناك مدرستان ابتدائي فقط وتعمل كل منهما فترتين ومدرسة اعدادية واحدة ولا توجد بها مدرسة ثانوية. محمد صلاح أحد أهالي القرية أكد علي كل المشاكل السابقة وأضاف إليها واحدة أخري وتتمثل في معاناة السواد الأعظم من سكان هربيط مع وزارة الأوقاف. فيوضح أن أغلب الأراضي الزراعية في القرية إن لم تكن كلها أوقاف ومؤجرة للفلاحين ويعانون من مغالاة وزارة الأوقاف في رفع قيمة الإيجار بما لا يتحمله الناس ويرهقهم ماديا بما لا يتناسب مع مستواهم الاجتماعي والمادي المنخفض بدليل أن عددا من يمتلكون أراضي زراعية قليل جداً في هربيط مقارنة بالمستأجرين مشيراً أيضا إلي مشاكل عديدة وقضايا متبادلة بين بعض الأهالي المستأجرين لأراضي من الأوقاف وبنوا عليها بيوتاً أرادوا إحلالها وتجديدها لا تصرح لهم بذلك إلا بعد دفع رسوم مرهقة مادياً. توابيت أبوياسين بعيداً عن هربيط بعدة كيلو مترات تقع منطقة تل أبوياسين التي تشترك معها في جهل أهلها بما إذا كانت بها آثار أم لا؟ اللهم إلا منطقة التوابيت التي تقع تلك المنطقة في منتصف تل أبوياسين وتحتوي علي 6 توابيت أثرية من الجرانيت الأحمر حالها لا يختلف أبداً عن الأعمدة الأثرية الموجودة في تل الشيخ عيسي بهربيط. المكان باعتباره أثرياً مفترض أن يكون له حارس يحميه من أي تعديات لم أجد أحداً حينما ذهبت إلي هناك ناهيك عن عدم وجود سور يحمي التوابيت خاصة أنها تقع وسط الكتلة السكنية والمنازل ملاصقة لها تماماً، مما أدي إلي انتشار القمامة حولها بل وداخلها نظراً لأنها جميعاً مفتوحة بطريقة تكاد تكون متطابقة وتدعو للدهشة. ناصر سائق توك توك من هربيط يعمل بينها وبين أبوياسين قال إن العديد من أهالي تل أبوياسين يسعون وراء الثراء السريع عن طريق الحفر خلسة داخل منازلهم بحثاً عن الآثار وعادة ما ينتهي الأمر إلي كوارث آخرها منذ شهرين حينما سقط خمسة أفراد ولقوا حتفهم في حفرة داخل منزل أحدهم حفروها لاستخراج آثار ويضيف سمعت ذات مرة أن اثنين عثرا بالفعل علي قطعة أثرية باعوها وأصبحا ثريين. النصب علي الأهالي ما بين اختلاط الحقائق بالخيال في تاريخ هربيط وآثارها وحكاية توابيت أبوياسين كان لابد أن نعرف مواضع الصدق من عدمها. عادل حسين مدير عام آثار شرق الدلتا أكد أن هربيط بالفعل واحدة من أهم الأماكن في التاريخ الفرعوني ولها تاريخ كبير كانت عاصمة أحد الأقاليم المصرية عندما كانت صان الحجر عاصمة البلاد في عهد الأسرة السادسة عشرة. وأضاف لابد من الحصول علي موافقة الآثار أولاً في حال البناء أو التعامل علي الأرض هناك لأن آثارها تحت الأرض. وفيما يتعلق بالأهالي قال إن مستواهم الاجتماعي منخفض بالفعل ويعانون من مشاكل عديدة كما أنهم لا يمتلكون الوعي الكافي بأهمية تاريخ وآثار قريتهم مشيراً إلي أن ذلك أدي إلي أن يصبح همهم الأول كيف يصبحون أغنياء بسرعة ولا تتجب عندما تستمع هناك للكثيرين والكثير من حكايات النصب بدعوي التنقيب والبحث عن الآثار. وقال إنه تم العثور علي توابيت تل أبوياسين منذ سنوات أثناء الحفر في ذلك المكان وهي خاصة بالعجل المقدس أبيس وأكد أن الأهالي هناك تعاملوا معها بجهل شديد بقيمتها ولم يرتدعوا عن إلقاء المخلفات فيها. التنقيب بالمدافن سألنا إبراهيم سليمان مدير عام آثار الشرقية عن هربيط وأبوياسين ونفي في معرض حديثه ما جاء في الكليبات من وجود أجزاء من توابيت أثرية في مدافن هربيط وإن أكد علي وجود شواهد أثرية بالفعل عبارة عن بعض الأحجار وأجزاء من أوان فخارية في القرية والمدافن. وأوضح أن هناك رغبة بالفعل في التنقيب بتلك المدافن إلا أن ذلك صعب جدا نظرا لطبيعة المكان خاصة أن الجبانة قديمة وهناك مراقبة دائمة لها. وقال إن هربيط كانت مقراً لعبادة حورس خاصة إن اسمها كان حوربيت وتعني حورس في بيته ومع الوقت حرفت إلي هربيط لسهولة النطق وتل الشيخ عيسي الموجود فيها أثري وهناك نية للتنقيب فيه. وحول ما إذا كانت بعض بيوت القرية بها آثار أكد أنه منزل واحد فقط توجد به بوابة معبد قديم وهي خاضعة للقانون ونبحث عن حل لنقلها نظراً لأن الشارع الذي يوجد به المنزل ضيق جداً.. الغريب أن مدير عام آثار الشرقية إبراهيم سليمان رفض التعليق علي الأعمدة الأثرية الموجودة في تل الشيخ عيسي ولماذا هي متروكة هكذا كذلك توابيت العجل المقدس في تل أبوياسين وتحولها إلي مقالب قمامة بما يتنافي مع قيمتها الأثرية.