لم تشأ جماعة الإخوان المسلمين المحظورة أن يمر شهر أبريل دون أن تطلق أكذوبة كبري تحاول معها خداع بعض السياسيين، بتقديم نفسها كجماعة سياسية تؤمن حقيقة بالديمقراطية. الجماعة التي اعتادت اطلاق الأكاذيب قالت وهي بصدد الترتيب للأكذوبة الجديدة إنها ستعد وثيقة للإصلاح السياسي تتفق عليها جميع القوي والأحزاب السياسية المعارضة بعد أن نجحت لقاءاتها وحواراتها الأخيرة مع بعض هذه الأحزاب، رغم أن ما تم من لقاءات لا يعدو كونه زيارات افتقدت الحوار المتعمق ذلك أن عناصرها تعمدوا التصريح بأن الجماعة توافق علي دولة مدنية مرجعيتها الدستور، وهو ما اعتقدوا أنه عنوان براق تبدو معه الجماعة في ثوب مدني ليبرالي وهو الثوب الذي ما لبث واتضحت حقيقة اهترائه وتلوثه بصيغة الدولة الدينية، عندما رفضوا الاجابة عن حقيقة موقفهم من مسألة مواطنة الأقباط والمرأة من حيث حقهم في الولاية العامة، وأمور أخري جوهرية وطلبوا من قيادات حزب الوفد إمهالهم بعض الوقت لحين التشاور والبحث عن إجابة تتناسب وطبيعة تصوراتهم حول شكل الدولة التي يدعون إليها، أي أن لقاءات المحظورة مع الأحزاب لم تكن في الأصل حوارًا ولو كانت كذلك فهو حوار فاشل حسب ما أكدته قيادات الأحزاب التي زارت عناصر الإخوان مقارها. ولا أعتقد أن الوثيقة التي أعلنت المحظورة عن إعدادها ذات أهمية تذكر، خاصة أن الجماعة رغم ما تدعيه من تاريخ نضالي طويل فشلت حتي الآن في ايجاد نقاط تلاقٍ حقيقية مع أحزاب المعارض الشرعية بل وبعض القوي والحركات الاحتجاجية، كما أنها وفقا لما تدعيه من رغبتها في تطبيق الشريعة الإسلامية، وطبقا لرؤيتها المؤدية حتما لصيغة الدولة الدينية ترفض مبدأ التصويت علي برنامجها وأفكارها التي تصفها بالإلهية إذ كيف تقبل التصويت علي ما تعتقد أنه نص إلهي واجب النفاذ حسب اعتقادها، وأذكر في هذا السياق محاولة الاكاديمي د. صلاح الزين مؤسس الحزب المصري الليبرالي «تحت التأسيس» في تعريف العلمانية بأنها التصويت في صندوق الانتخابات علي برامج سياسية أي أن كل الرؤي والتصورات المطروحة حول كيفية حكم مصر تخضع في بادئ الأمر وآخره إلي مبدأ التصويت، ويقيني أن مبدأ الحاكمية لله الذي تقوم علي أساسه جماعة الإخوان المسلمين يرفض التصويت كآلية ديمقراطية وإن قالت عناصرها عكس ذلك فتلك هي الكذبة الكبري، والتصويت بالنسبة لها ليس إلا تعبيرًا عن مرحلة ضعف الجماعة ولا بأس من استخدامه لحين القفز علي السلطة طالما ظل هو الخيار الوحيد وهو ما يعني أنه في حالة توافر خيارات أخري انقلابية يكون العنف أداتها الأساسية فلن تتواني الجماعة عن الأخذ بها للإمساك بقضبة الحكم. وأذكر هنا بالاستعراض العسكري الذي قامت به مليشياتها في جامعة الأزهر قبل ثلاثة أعوام وإعلان مرشدها السابق محمد مهدي عاكف عن امتلاكه عشرة آلاف مقاتل مستعدين للجهاد إلي جانب عناصر حزب الله إبان حربه مع إسرائيل، ووجود مثل هذه المليشيات ينفي بشكل قاطع إيمان الجماعة بالديمقراطية والدولة المدنية. كما ينزع عنها صفة التنظيم السياسي، بل إن العنف والإرهاب يبقيان السمة الأساسية للبناء التنظيمي والفكري للجماعة المحظورة طالما استخدمت في وجه معارضيها فزاعة الحاكمية لله وتطبيق شرعه، فهل هناك عنف أو إرهاب فكري ونفسي أكثر من القول بأن الإسلام هو الحل مصحوبا بشعار المصحف والسيف؟! إن الضغط علي وتر الدين الذي تمرسه الإخوان عبر أدواتهم التي تبدأ ببعض دعاة ومشايخ الفضائيات وتنتهي لدي بعض الصحفيين والإعلاميين قد أشاع نوعًا من أجواء عدم الثقة واختلاق الأكاذيب عبر الخلط المتعمد في مفهوم الدولة المدنية. بل وأشاع سلوكيات العنف والإرهاب، ذلك أن الدعوة المقامة ممن أسموا أنفسهم مجموعة محامين بلا قيود لمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة تندرج في واقع الأمر في سياق منهج الجماعة المحظورة حتي لو لم يكن أولئك المحامون من أعضائها، إلا أن سلوكهم يأتي مطابقًا لفكر الجماعة وممارسات نوابها، وأخطر ما في ذلك هو التشكيك في جميع مؤسسات الدولة واتهامها بالعمل ضد الدين، وهو الاتهام الذي يخفي مضمونًا مفاده أن هذه المؤسسات كافرة لترويجها لقيم تخالف تصوراتها. ومضابط مجلس الشعب مليئة بطلبات الإحاطة والاستجوابات ضد معظم المؤسسات الثقافية والإعلامية التي دأبت علي التشكيك في نزاهة عملها، بل واتهامها دائمًا بالتآمر علي ثوابت الأمة وقيمها الإسلامية.. إن أخطر ما اقترفته هذه الجماعة من جرائم في حق المصريين هو محاولة جرهم للاعتقاد في أن المصداقية رهينة بكل من تكلم في السياسة باسم الدين، وأن الثقة في الآخرين لا تكون إلا في مسلم ملتحٍ، أو سيدة محجبة، ونستطيع ملاحظة هذا المرض الاجتماعي في تفضيل بعض السيدات للجوء إلي طبيب ملتحٍ أو طبيبة منقبة أو مختمرة.، بل إن الحوار الاجتماعي والإنساني أضحي قائمًا علي أساس التمييز الطائفي والمذهبي الذي وصل لحد السؤال عن المرجعية المذهبية بين بعض الشباب المقبلين علي صداقات جديدة أو علاقات زواج بالاستفسار عما إذا كان الطرف الآخر للعلاقة وهابيا أم سلفيا لتكون الاجابة هي المحدد الأساسي لاستمرار العلاقة من عدمه. وإذا كنت أستطيع تفهم انزلاق بعض البسطاء في مستنقع الإخوان فما لا يمكن تفهمه هو انزلاق مثقفين وسياسيين دأبوا علي إبداء تعاطفهم مع إرهاب المحظورة، وتماهي إعلاميين مع أفكارهم بشأن الدولة الدينية علي نحو ما شاهدته في إحدي الفضائيات المصرية الخاصة حيث أبدت المذيعة «غير المحجبة» تعاطفها وتأييدها لفكرة الدولة الدينية التي روج لها ضيفاها من أعضاء التنظيم في مواجهة ضيفين آخرين من أنصار العلمانية. المؤكد أن الزميلة الإعلامية ليست من الإخوان لكن ما قالته في نهاية الحلقة يقول عكس ذلك، وهو ما أراه نتاجًا لتلوث جانب من أجواء النقاش العام ببكتيريا أفكار المحظورة. وظني أن التغيير الحقيقي المنشود ينبغي أن ينصب في الأساس علي تطهير هذه الأجواء من تلك البكتيريا عبر سلسلة إجراءات عملية قد يكون أقلها حظر وضع ملصقات تدعو للتمييز الطائفي والديني في جميع المؤسسات والأماكن العامة مثل ملصقات الدعوة لارتداء الحجاب وذلك علي غرار ما فعلت إدارة مترو الأنفاق، ومنع ارتداء النقاب في جميع المؤسسات الرسمية والعامة، فليس من المعقول التعامل مع موظفة منتقبة، أو تلقي دروس من خلف حجاب أسود، وليس في ذلك اعتداء علي مبدأ الحرية الشخصية بل إن العكس صحيح فالنقاب علاوة علي أنه محاولة لاختطاف جوهر الشخصية المصرية فهو يمثل رمزًا للإرهاب والانكفاء علي الذات. وقد يكون من المناسب أن تنفذ تلك الإجراءات عبر نص قانوني يحفظ الطابع المدني للدولة علي غرار ما حدث بحظر استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات السياسية العامة. إلي ذلك أضحي من الضروري إحداث تعديل تشريعي يمنع كل مروج لملوثات بكتيريا الإخوان من رفع دعاوي قضائية تطالب بمصادرة الإبداع كما حدث في قضية ألف ليلة وليلة، غير أن أكثر ما نحتاجه قانون يفعل نص حرية العقيدة في الدستور بحيث يقطع الطريق علي مروجي الفتنة كلما أراد أحدهم تغيير ديانته، ليمضي هذا الأمر في هدوء كونه مسألة شخصية محضة. مثل هذه الخطوات قد تأتي في سياق المنهج الذي اتبعه الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم، الذي بدأ بمراجعة مناهج التربية القومية والدينية ومناهج التاريخ، وهي العملية التي من شأنها أن تعيد بناء عقول أبنائنا وفق منهج التفكير النقدي الباحث عن المعرفة، كما قال الوزير بدر، وهو المنهج الذي ينبغي استنساخه في مراحل التعليم الجامعي التي عانت هي الأخري طوال عقود من منهج الكتاتيبت القائم علي الحفظ والتلقين. المهم أن تسرع وزارة التربية والتعليم لانجاز مهمتها وصولاً إلي مصر خالية من بكتيريا الإخوان وكل تنويعات الإسلام السياسي.