الأزهر ،جامعا وجامعة ودورا وطنيا وحضاريا، وضدّ التطرّف الفكري والإرهاب ليس حكاية إعلامية !يتباهي برنامج العاشرة مساء وتكرّر مقدّمته مني الشاذلي أكثرمن مرّة أنّها تلتقي بشيخه الجديد د. أحمد الطيب في اليوم الأوّل لاستلامه لمهمّته ! نتوق كمشاهدين إلي مستوي آخر من تعريفنا بالأحداث الجديدة والمهمّة. والميزات الانفرادية التي تطمح إلي فكر مغاير، تقفز في عالم اليوم، عالم المعرفة المفتوحة،فوق شهوة السبق الصحفي والإعلامي إلي قراءة الواقع من أجل إظهار حالات جديدة من الآثار والنتائج. الحديث الآن عن الأزهر هو حديث عن الأمّة العربية والاسلامية بكافّة تناقضاتها وأوضاعها.في زمن يضع فيه البعض مفهوم صحوة الأمّة في إطار عملية استرداد حالة من الماضي ويرفعون شعار"الإسلام هو الحل " وقد دفعت آليته التنظيمية بالمسلمين إلي رأس قائمة الإرهاب في العالم.من المفارقات أنّ الأزهر يبني ويؤسّس من أوّل لحظة علي اتّصال بالعلاقة بالآخر! فمنذ حوالي 1200سنة وضع جوهر الصقلّي قائد جيش المعزّ لدين الله الفاطمي وباني القاهرة عاصمة مصر، حجر الأساس للجامع الأزهر سنة 359هجرية الموافق لسنة 970ميلادية. جوهر الصقّلي ولد عام 928 ميلادي وكان مملوكا من أصل كرواتي أسر أثناء الحرب بين كرواتيا وفينيسيا وباعه تجار نورمانديون كعبد في صقلية التي ينتسب إليها اسمه إلي يومنا هذا، ليصل من خلال تجارة الرقيق إلي الخليفة المنصور بالله الفاطمي الذي كان يتخذ من مدينة المهدية في تونس عاصمة له حيث قضي جوهر معظم سنوات حياته. أصبح بعد ذلك قائد القوات الفاطمية في عهد المعز لدين الله الذي اعتقه وجعله من المقربين إلي البلاط الفاطمي وسرعان ما أثبت جوهر كفاءته بأن ضم مصر التي كانت تحت حكم الإخشيديين وسلطان العباسيين إلي سلطان الفاطميين . تعيش لحظة مميزة في قراءة وقائع التاريخ وأنت تكتشف أن ّمصر تختار وتنتقي صبغتها الخاصّة بين مختلف العهود السياسية ويكاد الأزهر يكون مثالا لذلك. فرغم ارتباطه كركن رسمي للدولة وتعبير عن السلطة السياسية السائدة،فقد ظلّت رسالته العلمية والتعليمية هي اللاعب الأساسي بالنسبة للدور السياسي. سيتجلّي وضوح الأمر في عصر محمّد علي حيث بدأ بناء مصر الحديثة،فكانت البعثات العلمية لأوروبّا معظمها من أبناء الأزهر، وكان طبيعيا أن تقوم علي أكتاف هؤلاء وشيئا فشيئا مع عودتهم من بعثاتهم وبعد أن تعرّفوا علي مجتمعات حديثة ومتقدّمة الاحتكاك والتناقض والتصادم بين الثقافتين الشرقية والغربية.وعندما قامت الثورة العرابية كانت غالبية رجالها ممّن تعلّموا بالأزهر وعلي رأسهم أحمد عرابي قبل أن يلتحق بالحربية. كذلك كانت غالبية الذين تزعّموا الحركة الوطنية والفكرية مثل محمّد عبده والمنفلوطي وسعد زغلول.. والقضية المحورية التي مازالت تستدعي الجدل حتّي يومنا هذا ظلّت تتعلّق بتطوير الأزهر.والحالة لاتختلف عمّايجري بالمجتمع والأزهر واحدة من مؤسّساته، حيث يهاجم التطوير فئة تضع العلم والدين في إطار تغييب العقل باسم الإسلام. والتخلّف هو جزء من تدهور المؤسّسة التعليمية في مصر برمّتها، وتغييب العقل لايوجد في الأزهر وحده ، إنّه يريد أن يبتلع المدارس والمدرّسين والأساتذة وقد اخترقت أفكار التطرّف والتعصّب البيوت والشوارع والمدارس والجامعات! هذا مايجب أن يقود تطلّعاتنا نحو دور د. أحمد الطيب شيخا جديدا للأزهر.لانشغله بأزماتنا السياسية، نستسهل الوقوف علي سطح الأحداث،وعلي ما نستطيع استنتاجه من كون الرجل عضوا بالحزب الوطني !يؤكّد الإمام الأكبرفي مؤتمر صحفي في يومه الأول في مشيخة الأزهر، حرصه الشديد علي تطوير التعليم الأزهري، ومواصلة المسيرة التي بدأها الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل. وقال الطيب في المؤتمر :إن تركيزه الشديد ينصبّ علي النهوض بالتعليم الأزهري، وتطويره كل خمس سنوات، وأضاف أنه سيفتح ملف التعليم الأزهري بشكل كامل، وبخاصة التعليم قبل الجامعي. وأكد الطيب أن دور الأزهر مستمر في الحوار بين الأديان، وكذلك في الحفاظ علي الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط.. ومن أهمّ ما يجب أن نشجّعه ونساعده، قوله أنّ الأزهر ليس لديه أجندة سياسية! هكذا يعبّر الأزهري الذي يجيد الفرنسية ودرس بالسوربون، عن استطاعتنا أن نخلق شروط صحوتنا انطلاقا من اللحظة التي نتخلّي فيها عن الاستهلاك السياسي لكلّ حدث.