أكثر ما يلفت الانتباه في التصريحات التي أدلي بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الرياض هو توقعاته بعودة المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل قريبا فقد علل أردوغان توقعاته بأن لدي الطرفين الرغبة في العودة إلي التفاوض والحوار بوساطة فردية. هذه التوقعات لافتة للانتباه لأنها تأتي بعد أن أبدي نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتراضه علي الوساطة التركية مع سوريا وطالب بوسيط آخر، كما أنها تأتي أيضا بعد معارضة سوريا للمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوساطة أمريكية، وأيضا بعد زيارة رئيس الحكومة الإيرانية أحمدي نجاد لدمشق وتلك المظاهرة الدعائية التي قام بها. لكن لأننا نعرف أن رئيس الوزراء التركي لا يقول شيئا إلا وهو يعنيه فنحن إذاً أمام موقف جديد سواء علي الجانب الإسرائيلي أو الجانب السوري. علي الجانب الإسرائيلي نحن أمام تغيير في موقف نتانياهو تجاه الوساطة التركية للمفاوضات غير المباشرة مع سوريا.. ولا يمكن أن يحدث مثل هذا التغيير إلا إذا طرأ بالفعل تحسن علي العلاقة التركية - الإسرائيلية، تحسن تكون قد تجاوزت به ما مر بها من أزمات منذ العدوان الإسرائيلي الوحشي علي غزة، وصدام أدروغان مع بيريز، ثم الصدام الدبلوماسي بين إسرائيل وتركيا علي إثر إهانة نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للسفير التركي. أما علي الجانب السوري فنحن أيضا أمام موقف سوري تجاوز مرحلة التهديدات بالحرب التي طالت سوريا من قبل الإسرائيليين، أو المطالبات الإيرانية لها بالاشتراك في التصدي لأي ضربة إسرائيلية تطال المنطقة بما فيها إيران.. هذا يعني أن العلاقات الوثيقة والمتينة والاستراتيجية بين سوريا وإيران لا تمنع خوض سوريا غمار مفاوضات مع إسرائيل عبر الوسيط التركي.. كما يعني أن طهران لم تتمكن أن تكبح جماح الرغبة السورية في مثل هذه المفاوضات، وأن نجاد لم ينجح في إثناء القادة السوريين عن ذلك في وقت يتزايد فيه التهديد الإسرائيلي لإيران بضربة عسكرية لمنشآتها النووية. وإذا صحت توقعات أردوجان وتم استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا فقد يكون ذلك بديلاً مناسبا للإسرائيليين وربما الأمريكيين أيضا للتعثر الذي أصاب المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل أن تبدأ.. فهذه المفاوضات سوف تعطي انطباعاً بأن العملية السلمية تتحرك وليست جامدة، كما أنها سوف تكون بمثابة رافعة ضغط علي الفلسطينيين لكي يقبلوا خوض المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين بدون أن يتم إلغاء قرار بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدسالشرقية، خاصة أن سوريا تري كما قال وزير خارجيتها وليد المعلم أن استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين لا يحتاج لموافقة عربية، كما أنه أبدي استعداده أيضا لاستعادة الأراضي السورية المحتلة تدريجيا. إننا إذن إزاء وضع يحتاج بالفعل لموقف عربي جديد.. موقف يقطع الطريق علي الإسرائيليين في العودة إلي لعبتهم القديمة، لعبة ضرب المسارات، خاصة أن المبادرة العربية هي صفقة شاملة يحصل بها الفلسطينيون علي دولتهم المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية والسوريون واللبنانيون علي أراضيهم المحتلة، في مقابل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل. ولعل القمة العربية القادمة تكون مناسبة لاتخاذ هذا الموقف العربي الجديد الذي يحمي الفلسطينيين من لعبة المسارات ويحمي السوريين من التحايل الإسرائيلي.. لكن الشرط الضروري لتحقيق ذلك هو التوافق عربيا وفلسطينيا علي ما يمكن عمله بعيدا عن اليأس وأيضا بعيداً عن الأوهام.