معرضان تعاقب افتتاحهما لأحدث زوجين شابين في الوسط التشكيلي، الفنان وائل درويش ومعرضه الذي افتتح في أتيليه القاهرة، وزوجته الفنانة هند الفلافلي التي افتتحت معرضها في مركز الجزيرة للفنون. الزوجان الفنانان هما وجهان ولكن ليسا لعملة واحدة، دائما ما يثيران الفضول كثنائي فني، فوائل هو خريج التربية الفنية ويدرّس بها، أما هند فهي خريجة الفنون الجميلة وتدرّس بها، وائل أسلوبه الفني معاصر جدا لكن هند أسلوبها الفني كلاسيكي جدا! معرض وائل درويش تميز بالشخوص، والتجريد، والشحنة التعبيرية القوية، والازدواجية، والغموض، وطاقة فنية قوية جدا تقتحم كمد البحر، رغم مسحة الألوان الزرقاء الباردة كواقعنا الآني، هذا هو الإحساس العام للأعمال الزيتية الجديدة المعروضة. مساحات لونية تتقاطع لتكون شخوص وائل درويش، ظاهرها ليس كباطنها، تشبه ازدواجنا، عندما نظهر ما لا نبطن، ونغلق علي دواخلنا بأغلاق من حديد، أحيانا يصعب علينا نحن أن نفتحها مرة أخري، ظهرت الأقفال بالفعل في معظم الأعمال، وفي أكثر من مكان، لكنها تؤدي نفس الوظيفة وهي إحكام الغلق علي صفحات حياتنا لإخفاء وجهنا الثاني. من الطبيعي أن يتطور أسلوب وائل ليصل للتجريدية التعبيرية فمن البداية وائل يبحث في أساسيات العنصر ويلخص التفاصيل، فأصبح يهتم بالعينين فقط التي هي الأخري ليست سوي مساحة سوداء تبحلق في العالم من خلال عتمتها، فماذا نشاهد؟! لن نشاهد سوي الواقع الأسود، إنهم شخوص مكتئبة، تبحث عن الجديد والمختلف فلا تجد، رغم تحركاتها بحرية في اللوحة في محاولات لرؤية الواقع بزوايا أخري، لكن الحقيقة أن واقعنا هو الذي يتفرج علينا ويسخر منا. وائل درويش حقق المعادلة الصعبة والتوازن في الحوار ما بين أمامية اللوح وخلفيتها من خلال مساحات اللون المختلفة لكنها في النهاية جاءت مشتركة في اللون الأزرق وهو البطل في هذه الأعمال، لأنه أكد حالة الإهمال والتراخي والبرود السائد الآن لأننا فقدنا إحساس الاندهاش والانبهار لتشابه أيامنا وأحداثها. المفاجأة الكبري جاءت من الفنانة هند الفلافلي في تطورها الملحوظ جدا، فلقد تعودنا من هند أسلوبها الكلاسيكي وتميزها بقوة الرسم والخط واللون، وكذلك التكوين القوي المحكم جيدا، ذو التفاصيل الواقعية، التي تقدم في النهاية عملا يقترب من الصورة الفوتوغرافية، لكن اليوم بمركز الجزيرة للفنون فاجأتنا بتطور ملحوظ في التكوين والأوضاع، بدأت هند تحرك سكان أعمالها وتمنحهم اللحظة الأبدية من خلال الأوضاع الحداثية للموديل أيضا تناولها لموضوعات جديدة يتضح ذلك من ملابس الموديل المعاصرة فهي تلتقط لحظات من الواقع الحاضر لفتيات هن زميلات أو صديقات لنا. مزجت هند اللون مع الأبيض والأسود واستخدام وسيطي الرصاص والألوان الزيتية معا، واحتفظت بمهارتها الواضحة في الرسم، واختزلت الكثير من التفاصيل ليكون التركيز الأساسي علي الموديل وحالتها الانفعالية التي تعكس الأمل والانتظار، واستخدمت اللون علي عنصر واحد باللوحة مثل الوردة، غطاء الرأس، وكأن هذا العنصر هو بقعة الضوء في العمل ونقطة البداية أو مفتاح العمل الذي يجب أن تبدأ منه العين كأول كلمة في الجملة المفيدة التي يطرحها العمل. كذلك عملية ترديد اللون في بعض أعمالها لترسم مثلثا خفيا يعطي للعمل ثقلاً وثباتاً، استخدمت هند الدرجات الصريحة من اللون الأزرق والأحمر والبرتقالي لتحقق معادل لوني متوازي مع الأبيض والأسود فلا يكون هناك نفور للعين، فجاءت لوحاتها ناعمة جدا وتحاور العين حوارا عميقا جدا وهادئا.