من المؤكد أن هناك عشرات المعضلات التي يعاني منها المواطن المصري في مجالات مختلفة، وحال السياسة بالنسبة له ليس أفضل من الاقتصاد، وأمور الحياة والمعيشة الضرورية ليست أجمل بالنسبة له من أمور الترفيه والفسحة و"التفاريح". ويكفي مطالعة الصحف كل صباح، والتنقل بين قنوات التليفزيون كل مساء لندرك أن الحياة "ليست أكثر بياضاً"، وأن "ثوب الحياة" مطلخ بالبقع التي لم يعد أي مسحوق قادراً علي إزالتها. قد تجد في مصر من لا يستطيع تدبير نفقات الحياة أو من يبحث عن شقة ولا يجدها، وإن وجدها فليس معه ثمنها، وقد يشهد الناس ارتفاع أسعار كل شيء وضيق الحال والعجز عن تدبير الأكل والشرب للأسرة والأبناء، ومؤكد أن هناك حالة استياء من مستوي التعليم وتدني الأحوال في المدارس، وسوء مستوي المناهج وال"هرجلة" والارتباك في معالجة أزمة أنفلونزا الخنازير، وسيطرة الدروس الخصوصية في المدارس والجامعات. وربما يذهب البعض إلي الشكوي من انعدام الثقافة وسفه الإنفاق والمظاهر الكذابة وكثرة الاحتفالات والمهرجانات في بلد يعاني أزمة في رغيف الخبز، وقد تصاب بالذهول عندما تري أسطول السيارات الفارهة لكبار المسئولين في دولة تزيد فيها معدلات الفقر يوماً بعد يوم، وقد ينتشر الفساد ليتجاوز الركب إلي الأعناق، ويتخطي المحليات إلي غالبية الدوائر الحكومية وحتي غير الرسمية. ونندهش يومياً لانتشار العشوائيات أمام أعيننا وتحت سمع وبصر المسئولين حتي "تعشوأت" البلد من كل جهة وفي كل مكان، وقد يسأل أحدنا: لماذا نهدم بعض البنايات المخالفة ونترك أخري في أماكن أخري رغم أنها أيضاً مخالفة؟. وقد يلحظ بعضنا انتهازية في الإعلام وركوباً لموجات إرضاء الناس بالباطل ونفاق المسئولين بالعاطل، وقد يمل بعضنا من كثرة التحذير من فتاوي شيوخ الفضائيات من دون جدوي وتدني مستوي خريجي الأزهر من دون فائدة، وربما ينشغل البعض بالبحث عن أسباب الفتن الطائفية التي تثار لأقل الأسباب وأتفهها تماماً كما ينشغل آخرون بتوقع مستقبل البلاد والبحث عن شكل الحكم في السنوات المقبلة وترشيح هذا أو ذاك للانتخابات الرئاسية. وقد نتعجب جميعاً لتدهور مستوي السكك الحديدية في بلد لديه تاريخ طويل مع القطارات والطرق والمواصلات، وقد نضرب أخماساً في أسداس عندما نتذكر الضجة التي أثيرت عند إقرار قانون المرور الذي كان جديداً وأصبح الآن قديماً وبقي المرور علي حاله بل زاد الازدحام والارتباك وتعطيل خلق الله. وقد نفاجأ كل فترة بقرار أو قانون أو إجراء جديد يضع أعباء علي المواطنين الذين لم تعد ظهورهم تتحمل مزيداً من الأعباء، وقد يجد بعضنا حلولاً لزيادة موارد الدولة أو تقليل الإنفاق بدلاً من زيادة الضرائب العقارية أو المعملية الفذة، وقد نسأل أنفسنا لماذا يتم تعذيب المواطن إذا أراد أن يسلم إقراراً ضريبياً أو يحصل علي رخصة أو حتي يسدد التزاماته للدولة باختيار أصعب الوسائل وأكثر الطرق تعقيداً لبهدلته وإنهاكه وإنهاء ما تبقي لديه من قدرة علي مجرد العيش، كلها أمور بالغة الأهمية وتستحق التفكير العميق وتدعو إلي الحيرة لاستفحالها يوما بعد يوم. لكنك تصاب بالجنون عندما تقرأ عن مشروع لنقل رفات الموتي من المقابر التي كانت في زمن سابق تقع خارج الأحوزة السكانية من مصر القديمة وحتي البساتين لتحل محلها منتجعات وحدائق وملاهي ومولات، هكذا ضيقنا العيش علي الأحياء وعكننا علي الموتي. هل انتهت متاعب الأحياء وحلت مشاكلهم لنبحث عن أماكن أرحب وأكثر اتساعاً وبُعداً عن الصخب والازدحام للموتي؟ هل انتهينا من الجدل الديني حول كل قصة حتي لو تافهة لنفتح جدلاً جديداً حول حرمة الموتي ونقل رفاتهم؟ من الذي ضايق من؟ هل زحفت المقابر وهجم الموتي علي مساكن الأحياء أم أن الفوضي والفساد وغياب التخطيط كانت أسباباً لزحف المساكن والعشوائيات علي بيوت الموتي؟ اتركوا الموتي علي حالهم ويكفيهم أنهم "ارتاحوا" وصاروا في ذمة الله.. خلي عندكم ذمة.