أشارت البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية، والتي نشرتها الصحف مؤخراً، إلي أن عدد بلاغات التحرش الجنسي التي تم تقديمها خلال فترة عيد الأضحي تقل بمقدار النصف عن مثيلتها التي تم تقديمها سواء في عيد الفطر الماضي أو خلال عيد الأضحي من العام الماضي.. وأشارت الصحف إلي أن ذلك قد يكون بسبب البرد الشديد الذي صاحب عيد الأضحي، وإلي أحداث مباراة مصر والجزائر التي ألقت بظلالها علي الشارع المصري.. والحقيقة، أن حالات التحرش وأعدادها لم تختلف عما مضي، بل أكاد أزعم أنها قد زادت مؤخراً، وإن انتقلت من مجال التحرش الجنسي إلي مجال التحرش السياسي!! إن من يقرأ مانشيتات الصحف الحزبية والمستقلة في الفترة الأخيرة لابد وأن يخرج بانطباع عام مؤداه أن هذه الصحف لا تعالج قضايا، وإنما تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تتحرش بمن يعارضها، وهي في الأصل المعارضة، وأن تجر رجال الحزب الوطني ومسئوليه إلي قضايا فرعية الغرض منها تشتيت جهودهم من ناحية، وزيادة توزيع هذه الصحف من ناحية أخري. قبل خمسة قرون تقريباً من ميلاد المسيح، وفي اليونان القديمة ظهر فريق من الفلاسفة أطلق عليهم اسم "السوفسطائيون" ويرجع ظهور السوفسطائيين إلي الطلب المتزايد علي التعليم الشعبي الذي كان مطلبا من أجل المعرفة، والنجاح السياسي، ومن أشهر هؤلاء السوفسطائيين بروتاجوراس وجورجياس اللذين أشارا إلي أن الإنسان معيار كل شيء، ولعل هذا هو ما تفعله الصحافة الحزبية والمستقلة حالياً، والتي تعتبر نفسها معيار كل شيء، والحكم علي كل شيء.. كان السوفسطائيون يتكسبون عيشهم من حالة الجدل التي خلقوها، ومن حالة الحوار الهدام التي دعوا إليها وهو شبيه بما يفعله السوفسطائيون الجدد. لم يكن للسوفسطائيين مدرسة فلسفية أو منهج فكري، وإنما أفكار متناثرة وطرق مختلفة، وهو شبيه بكثير من الصحف الحزبية والمستقلة.. كان السوفسطائيون ينتشرون في ربوع اليونان القديمة، يعلمون الناس البلاغة والخطابة ويأخذون عن ذلك مبالغ طائلة.. وكذلك يفعل السوفسطائيون الجدد. ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه ما يفعله السوفسطائيون الجدد بما كان يفعله السوفسطائيون القدامي.. لقد كان أفلاطون وأرسطو وسقراط يتحاشون مجادلة هؤلاء السوفسطائيين خوفاً من أساليبهم الملتوية وطريقتهم النافذة في الإقناع ويعتبرونهم أخطر علي اليونان من أي عدو خارجي، ولذا نظموا أنفسهم وتلاميذهم لمحاربتهم بالعقل وبالمنطق. لقد كان هؤلاء السوفسطائيون يمارسون ما نطلق عليه حالياً "التحرش السياسي" الذي يمارسه السوفسطائيون الجدد، مع فارق بسيط وهو أننا لا يوجد لدينا أمثال أفلاطون وسقراط وأرسطو لكي يدافعوا عن المجتمع ...