تكتسب القمة الثلاثون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تستضيفها الكويت يومي الرابع عشر والخامس عشر من كانون الأول- ديسمبر الجاري أهمية خاصة، بل استثنائية، لن تكون القمة مجرد لقاء عادي بين زعماء الدول الست التي يضمها المجلس لأسباب عدة، في طليعة هذه الأسباب الوضع في اليمن حيث تدور حرب حقيقية في منطقة محاذية للمملكة العربية السعودية. وقد وجدت المملكة نفسها مضطرة إلي دخول الحرب بعد تسلل المتمردين الحوثيين إلي أراضيها. ادركت السعودية اخيرا أن الحوثيين الذين يستفيدون من التركيبة القبلية لليمن، خصوصا في محافظات صعدة وعمران والجوف، يلعبون الدور المرسوم لهم من قبل إيران إما لجهة استفزازها او لجهة إثارة الغرائز المذهبية في تلك المنطقة الحساسة الممتدة علي جانبي الحدود. انها المرة الأولي التي تنعقد فيها قمة لمجلس التعاون فيما احدي الدول الأعضاء منهمكة بنزاع عسكري صارت معنية به علي نحو مباشر. صحيح أن الحرب العراقية- الإيرانية خرجت بين العامين 1980 و1988 عن الإطار المرسوم وان إيران اشتبكت جويا مع السعودية في معركة مشهورة جعلت الإيرانيين يعيدون حساباتهم ويفكرون الف مرة قبل الدخول في هذا النوع من المغامرات، لكن الصحيح ايضا أن الوضع هذه المرة مختلف جذريا عما كان عليه في الثمانينيات. هناك وضع يمني في غاية الخطورة والتعقيد. وتبدو الحرب مع الحوثيين طويلة. ومن خلال هذا الوضع، تمارس إيران بشكل ذكي لعبة تطويق السعودية من كل الجهات وايجاد مناطق نفوذ لها في شبه الجزيرة العربية عن طريق جزر امنية خاصة بها، كما هو الحال الآن، في محافظة صعدة اليمنية، بكلام أوضح.. تعمل إيران علي ايجاد مواقع نفوذ لها في كل ارجاء العالم العربي مستفيدة خصوصا من النجاح الذي حققته في لبنان حيث استطاعت اقامة دويلة خاصة بها صارت اقوي من الدولة اللبنانية، خصوصا بعدما تبين أن الوجهة الحقيقية لسلاح "حزب الله" هي أهل بيروت والجبل. هذا ليس وقت طرح اسئلة من نوع هل تأخر مجلس التعاون في السعي إلي معالجة الوضع اليمني ام انه لم يكن لديه ما هو قادر علي عمله علي الرغم من القناعة الراسخة لدي كل الدول الأعضاء أن امن دول المجلس لا ينفصل عن امن اليمن؟ من يريد اضاعة وقته يستطيع التلهي بالإجابة عن هذا السؤال. تجد دول مجلس التعاون نفسها الآن امام معضلة اسمها الوضع البالغ التعقيد والخطورة في اليمن. ليس امامها سوي السعي إلي استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق تطويقها بكل الوسائل المتاحة. لا بدّ هنا من دعم الجيش اليمني الذي يتصدي للحوثيين ولكن لا مفر في الوقت نفسه من العمل علي عدم استفادة الحوثيين من التركيبة القبلية لليمن. وذلك يعني في طبيعة الحال توفير مساعدات حقيقية تصرف بطريقة واضحة عالية الشفافية لإخراج اليمن من ازمته الاقتصادية مع تركيز خاص علي محافظتي صعدة وعمران حيث يوجد شعور بالإهمال والظلم منذ فترة طويلة. هذا الشعور مبرر، لكن الدولة، في ضوء ضعف امكاناتها، ليست وحدها المسئولة عنه. ليس اليمن وحده جديد قمة الكويت. هناك دبي وازمتها التي هزت الأسواق المالية في العالم. كيف يكون تعويم دبي واعادتها في الوقت ذاته إلي ارض الواقع وجعلها تميز بين الحقيقة والأوهام؟ هذه ليست مهمة سهلة، لا سيما بعدما تعودت الإمارة منذ فترة طويلة علي نمط معين من التصرفات معتقدة انه سيكون هناك دائما من يهب إلي نجدتها متي تعرضت لأي خضة. الأمور تبدو مختلفة هذه المرة. هناك حاجة إلي الشفافية قبل اي شيء آخر كي يعرف من يريد اخراج دبي من ورطتها أن الأزمة الراهنة لن تتكرر وهناك امام قمة الكويت الجديد القديم الذي اسمه سياسات النظام في ايران. ما العمل مع نظام دخل في مواجهة مع المجتمع الدولي بسبب ملفه النووي؟ كيف التصرف مع نظام يعتقد بكل ثقة انه قادر علي اختراق العالم العربي من المحيط إلي الخليج والتصرف من منطلق أن هناك فراغا عربيا لا بد من ملئه. ما العمل مع نظام يمكن أن يقدم علي تصرف غير عقلاني خارج ارضه في ظل الغليان الداخلي الذي يشهده البلد ورفض الشعب بأكثريته الديكتاتورية المفروضة عليه بقوة السلاح والقمع؟ في هذا المجال، المجال الإيراني، عرف الخليجيون دائما التصرف بحكمة، حتي عندما كان مطلوبا منهم أن يفقدوا صوابهم. في الأصل.. كان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية من اجل ايجاد مظلة تساعد الدول الست ذات الأنظمة المتقاربة علي مواجهة الانعكاسات المترتبة علي الحرب العراقية- الإيرانية التي اندلعت في سبتمبر- ايلول من العام 0891. تأسس مجلس التعاون في ابوظبي في مايو- ايار من العام 1981أي بعد ثمانية اشهر من اندلاع الحرب. ولعب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، دورا محوريا في جعل المجلس يبصر النور. وطوال ثماني سنوات استغرقتها حرب أنهكت المنطقة، تعاطي الخليجيون مع التهديدات والاستفزازات الإيرانية ومع ثورات الغضب التي كانت تنتاب صدام حسين بين الحين والآخر، خصوصا أن الرئيس العراقي الراحل اكتشف متأخرا انه اقدم علي مغامرة دخول الحرب مستندا إلي حسابات خاطئة وجهل في الوضع الإيراني والوضعين الإقليمي والدولي. عرفت الإمارات، بفضل العقل الراجح للشيخ زايد وحكمته كيف تحمي نفسها. وعرفت الكويت التي تعرضت لسلسلة من الاستفزازات والتعديات مصدرها ايران، كيف تحمي نفسها ايضا وذلك بفضل حنكة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، وبفضل بعد النظر الذي يتمتع به أميرها الحالي الشيخ صباح الأحمد، الذي كان وقتذاك وزيرا للخارجية. عرفت خصوصا كيف توظف القوي الدولية علي رأسها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي الطيب الذكر في عملية معقدة تستهدف ضمان امنها وتوفير السلامة لأهلها واستمرار تدفق النفط من موانئها. استطاعت الدول الست تمرير الحرب بأقل مقدار ممكن من الخسائر حتي سلطنة عمان التي تتحكم بمضيق هرمز الاستراتيجي لعبت دورا في هذا المجال عبر اتخاذ موقف متوازن ساعدت في حماية المنظومة الخليجية. منذ جريمة الاحتلال العراقي للكويت التي اقدم عليها شخص مجنون، لم تشهد قمة خليجية مثل هذا النوع من التحديات المتعددة المصدر والسبب. هل يقدم قادة مجلس التعاون علي خطوة محددة في الاتجاه الصحيح، ام تغرق القمة في جدل عقيم ليبقي مجلس التعاون مجرد مظلة تساعد في هذه المرحلة في مناقشة المشاكل والتحديات في جو راق، فيما تستمر الخلافات في العمق، خلافات في شأن كل كبيرة وصغيرة بدءا من النظرة إلي اليمن وانتهاء بالعملة الخليجية الموحدة!