في زيارته الأخيرة إلي الصين، سعي الرئيس الأمريكي أوباما للحصول علي تأييدها لفرض عقوبات جديدة ضد إيران. بكين لم توافق علي طلبه لسببين، الأول هو مصلحة الصين الاقتصادية، لأنها تحصل علي 12٪ من النفط والغاز من إيران، والسبب الثاني هو أن الصين تؤيد المفاوضات مع إيران، ولا تشعر بالقلق الكبير تجاه برنامجها النووي، مثلما هو حال الولاياتالمتحدة واسرائيل. العقوبات الاقتصادية علي إيران لم تثبت جدواها، طيلة الفترة الماضية، فقد واصلت إيران استكمال بنيتها التحتية النووية. وصرح علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قبل أيام (3 ديسمبر)، بأن إيران تحتاج الي 20 منشأة لتخصيب اليورانيوم لتوفير الوقود اللازم لمؤسساتها النووية، مؤكدا أنه ليس لدي إيران أي خطط للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. في نفس اليوم أعلن روبرت جييتس السكرتير الصحفي للبيت الأبيض ردا علي سؤال حول مسألة فرض عقوبات جديدة، أنه لم يبق أمام طهران سوي شهر لتمتثل لمطالب المجتمع الدولي، وأن تبرهن علي الطابع السلمي لبرنامجها النووي، حتي نهاية السنة الحالية. علي خلفية التوتر المتواصل بخصوص الملف النووي الإيراني، بدأ العديد من الخبراء العسكريين الدوليين، رسم سيناريوهات محتملة لمختلف الضربات العسكرية التي قد تسدد الي ايران من طرف اسرائيل أو الولاياتالمتحدة أو من كليهما، وهي نغمة تتردد في سيمفونية رتيبة منذ العام 2006 . إيران استبقت ذلك كله، منذ سبتمبر الماضي، بإجراء مناورات جوية وصاروخية للدفاع الجوي تحت اسم " المدافعون عن سماء الولاية "، تم فيها اتقان التدريب علي صد الضربات الجوية المحتملة للمواقع النووية، من خلال طلعات المقاتلات الفعلية واطلاق الصواريخ الحقيقية علي العدو المفترض. عقارب الساعة وضعت الرئيس أوباما، الذي لم يكمل عامه الأول بعد، علي مفترق طرق متشابهة، إذ سيتعين عليه اتخاذ قرارات صعبة، تبدأ بالعقوبات وتنتهي بعمل عسكري ما، لأن مصداقيته باتت علي المحك، وخيار إيران دولة نووية غير قابل للتفاوض لا مع الولاياتالمتحدة أو إسرائيل بالتأكيد، التي لم تتوقف قط عن إبداء استعدادها لضربة عسكرية تعرقل البرنامج النووي الايراني، وهنا بيت القصيد. الخطر الذي تشكله ايران علي منطقة الشرق الأوسط بامتلاكها السلاح النووي قد لا يكون باستخدامها ذلك السلاح ضد اسرائيل أو غيرها، وإنما هو في توظيفها امتلاك هذا السلاح لغرض الهيمنة الإقليمية، وما سيسفر عنه السماح لها بامتلاكه من سباق علي التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ككل. أما الخطر الذي تشكله إسرائيل فهو لا ينحصر في امتلاكها السلاح النووي المحظور، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، وإنما في تهربها الدائم من تحقيق السلام مع الفلسطينيين، والانفلات المستمر من استحقاقاته، وهذان الخطران معا، إيران وإسرائيل، يشكلان امتحاناً صعبا أمام الرئيس أوباما، وليس البرنامج النووي الإيراني فقط. في الرابع من ديسمبر الجاري نشرت مجلة " السياسة الخارجية " الأمريكية مقالا مهما بعنوان ( إيران ليست تهديدا وجوديا )، أما العنوان الفرعي فهو: نجاح دبلوماسية أوباما مع الجمهورية الإسلامية، تتوقف علي صمت إسرائيل عن اطلاق الصرخات (والشعارات الجوفاء)! المؤلفان، فلينت ليفريت وهيلاري مان ليفريت، لديهما الخبرة الكافية (20 عاما) في قضايا الشرق الأوسط خاصة إيران، فضلا عن أنهما استشاريان في المخاطر الدولية، ويعملان لحساب وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي. برأيهما أن الولاياتالمتحدة تسير في الطريق الخاطئ، لأن فرض العقوبات علي إيران لن يثنيها عن استكمال بنيتها التحتية النووية، أما الحل العسكري بدعم إسرائيلي فهو كارثي، ومحفوف بمخاطر غير محسوبة أو محتملة. المؤلفان يذكران أوباما بحديثه في الرابع من يونيو بجامعة القاهرة، وتحديدا: جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ورغم ان هذه الفكرة ليست جديدة، إذ طالبت مصر بها مرارا وتكرارا، فإن العقبة الكأداء في سبيل تنفيذها هي " إسرائيل النووية "، والإصرار الأمريكي علي تفوقها العسكري والنوعي في المنطقة. المؤلفان ينصحان أوباما بأن تمتثل إسرائيل، ولو مرة، لرغبة الولاياتالمتحدة والعالم بجعل المنطقة خالية بالفعل، وذلك بالانضمام إلي المعاهدة الدولية، وهو موقف يستحق التفكير بجدية من قبل الخارجية الأمريكية والنخب السياسية. حتي الآن لم تثبت إسرائيل للولايات المتحدة أنها جديرة بالثقة في عملية السلام في الشرق الأوسط علي كافة المسارات: الفلسطيني والسوري واللبناني، وحتي المرة الوحيدة التي أثبتت ذلك، كان السبق فيها للحكمة المصرية، التي استطاعت من خلال اتفاقية " كامب ديفيد " عام 1978 أن تبدد كل مزاعم ودعاوي إسرائيل عن المنطقة، خاصة الجيوش العربية التي ستتوحد من أجل " إلقاء اسرائيل في البحر". الصرخات المدوية التي تطلقها إسرائيل بصفة دورية، حيال خطورة إيران النووية، لا تصمد - من وجهة نظر المؤلفين - أمام المنطق السليم، والغرض منها هو تكريس الحفاظ علي هيمنة إسرائيل العسكرية وتفوقها النوعي في المنطقة. صحيح أن الولاياتالمتحدة - برأيهما - لديها التزام ثابت لبقاء اسرائيل والحفاظ علي أمنها، ولكن لا ينبغي أن نخلط بين هذا الالتزام وبين هيمنة إسرائيل العسكرية علي المنطقة إلي الأبد، والتي أصبحت ضد حركة التاريخ. فقد حان الوقت بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الدوليين للحصول علي تعهدات جادة من إسرائيل بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخلق بيئة أكثر أمنا لجميع دول المنطقة، وعندئذ فقط: ستمتثل إيران لمطالب المجتمع الدولي، وإلا ستجد نفسها في مواجهته.