كنت أتحدث بالأمس عن ماهية الشقيق، ومن هو الأخ الحقيقي، وهل هناك دول متآخية وأخري ليست بينها قرابة، أم أن علاقات الدول ليست علاقات أسرية بقدر ما هي علاقات تحكمها المصالح والتوازنات السياسية.. وكنت قد كتبت في نهاية المقال المثل الشهير «أنا وأخويا علي ابن عمي وأنا وابن عمي علي الغريب».. وأبدأ من حيث انتهيت وأتساءل عن ماهية الأخ وابن العم والغريب في حالة العلاقات الدولية. وقد تتم ترجمة المثل علي أن العلاقة الأخوية - إن جاز التعبير - هي علاقة أبناء الوطن الواحد بعضهم ببعض.. فيصح فيهم المعني الإنساني للأخوة كما يجوز سياسيا أن يدعوان إخوة في المواطنة لبلد واحد بحقوق واحدة وواجبات واحدة وتحت قانون واحد ونظام حكومي واحد، حتي وإن اختلفت توجهاتهم السياسية أو الفكرية أو العقيدية، وحتي لو اختلفت مستوياتهم الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وحتي لو كانوا يسكنون شمالا أو جنوبا.. فهم يلتفون حول علم واحد ويحملون جنسية مشتركة تؤمن لهم تلك الأخوة. وإلي هذا الحد أتفق مع مسمي الشقيق أو الأخ.. ولكن آخرين يرون أن لأبناء العمومة مكانا في نطاق العلاقات القومية!! وأن أبناء العمومة هم أبناء القومية الواحدة من دول مختلفة.. ويعتقد أصحاب هذه الأيديولوجية الأسرية أن الأخ هو ابن وطنك، وابن العم هو ابن الدولة التي تتشارك معك في القومية.. وبالتالي يصبح الغريب بالنسبة لهؤلاء هو الدول التي تبتعد عن علاقات القومية.. ويصير المثل منطبقا في أحداث بعينها عندما تنشأ الخلافات بين دولة وأخري فتستعين الدولة بأبناء عمومتها من القومية نفسها لتجابه بهم الغريب أي الدولة المعادية.. وربما في وقت مضي كانت المقولة تنطبق علي مؤازرة أصحاب القومية لبعضهم البعض. ولكن هذا التفسير السطحي عليه كثير من التساؤلات أهمها عن مفهوم القومية وتعريفها.. فلا يوجد تعريف واضح لما يدعي القومية، ولم يتفق كثيرون علي مفهومها وهل هي عرقية أم تاريخية أم لغوية أم دينية أم جغرافية وهل هي طبيعية يفرضها الواقع أم بشرية تختارها الدول لأن لها فيها مصالح مشتركة! كما لم تظهر القومية في أي من بقاع العالم إلا في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في الدول التي تتحدث اللغة العربية.. وعلي ذلك لا توجد علي أرض الواقع قومية أخري يمكن أن تقاس عليها تلك القومية.. إذا فالمثل به خلل ولا وجود لمصطلحي أبناء العمومة والغرباء. لقد تغيرت المفاهيم حول العالم.. وانتقل العالم بسرعة هائلة من مرحلة القديم إلي الحديث إلي ما بعد الحداثة.. ولأننا لا نتابع الفكر المعاصر، لم نتمكن من استيعاب ما بعد الحداثة.. وفيها يقف المثل عند أنا وأخي، ولا يذهب أبعد من ذلك.. لقد فاز نجيب محفوظ وجارسيا ماركيز بنوبل لأنهما أدركا أنه في عصر ما بعد الحداثة: أنا وأخي في ناحية والعالم كله في الناحية الأخري.. أنا وأخي نكون الوطن وخارج هذا النطاق الكل غرباء، إما نرتبط مع الغرباء بعلاقات التفاهم المتبادل أو لا تكون بيننا أي رابطة.