شاركت في واشنطن في مؤتمر لقادة الأديان بدعوة من مركز التفاهم الإسلامي المسيحي Center for Muslim-Chistian Understanding التابع لجامعة جورج تاون، وخلال المؤتمر سمعنا بأسي بالغ عن المبادرة التي أطلقها حزب الشعب السويسري بخصوص المآذن في سويسرا.. ولا يعد هذا الإجراء الذي يحظر بناء مآذن في سويسرا هجوما علي حرية الاعتقاد فحسب، بل أيضًا محاولة جادة لإهانة وجرح مشاعر المجتمع الإسلامي داخل سويسرا وخارجها.. مبادرة حظر بناء المآذن لا تسهم في حماية الوئام الديني في سويسرا ويستعمل القائمون عليها الدين لأغراض سياسية مما سيؤدي إلي خلق مناخ من عدم الثقة بين الرأي العام. أطالب بفتح أبواب المراكز الإسلامية أمام الجمهور للتعرف علي الإسلام الصحيح من خلال المسلمين أنفسهم وللتعرف علي واقع هذه المراكز والنشاطات التي تقوم بها.. كما أناشد المنظمات الإسلامية بتوحيد صفوفها والتحدث بلغة واحدة، وبتكثيف تعاون المنظمات الإسلامية مع جميع الأطراف السويسرية المناهضة للمبادرة مثل المجلس السويسري للأديان. إن الحرية الدينية أحد عناصر التعايش السلمي بين الأديان والثقافات مشددا علي أن الاختلاف بين الأديان لا يعني عدم إمكانيتها في التعايش علي أسس الاحترام المتبادل، وعلي الجانب الآخر فإن إقصاء الآخر لا يساعد علي وحدة المجتمع. وبصفتي رئيسًا مشاركًا لمؤسسة الحوار العالمي C1 World Dialogue في بازل يتحتم علي أيضًا أن أدعو إلي عدم إساءة استخدام هذه الفعلة السخيفة في سويسرا لصالح أهداف سياسية من قبل أطراف آخرين، وأناشد المسلمين في الخارج ألا يستفزهم ذلك، فقد تعلمنا من أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية أن هناك طريقا واحدا فقط لجلب التفاهم والاحترام بين الأديان، ألا وهو الحوار. لقد وقعت أمريكا والغرب في السنوات الماضية ضحايا عنف المتعصبين، الذين تصرفوا باسم الإسلام، ويعد الحادث المأساوي في الحادي عشر من سبتمبر 2001 أكثر هجماتهم وحشية، لذلك تهتم السلطات وأيضًا المحللون السياسيون في الغرب بطرح السؤال: أين المعتدلون؟. وبنفوس يائسة يبحث كثير من الذين لا يرون أمامهم إلا تعصب قلة من المتطرفين عن شركاء مشهورين مسالمين في العالم الإسلامي يتطلعون للأمام. جهاد من أجل الملاءمة لقد توجب علي المسلمين أن يوفقوا بين الإسلام والحداثة قبل أن يهتم به الغرب، فلقد بدأت قضية الحداثة بالفعل إبان القرن التاسع عشر عندما ولدت حركة الإصلاح الإسلامية في جامعة الأزهر بالقاهرة. ودائما نعمل جاهدين في دار الإفتاء المصرية وهي أكبر هيئة مصرية لإصدار الفتاوي الإسلامية -والتي أترأسها- علي تطبيق الإسلام علي العالم الحديث، فنقوم بإصدار آلاف الفتاوي والمراسيم الملزمة والتي نشدد فيها مثلا علي حق المرأة في الكرامة والتعليم والعمل وتقلد المناصب السياسية، كما نندد بالعنف ضدهن. لقد دعمنا حق الحرية الأدبية، وكذلك حرية الرأي في حدود الآداب المتعارف عليها، وأثنينا علي النقاط المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وشددنا علي أن سلطة الدولة لابد أن تقوم علي العدل وسيادة الشعب. إننا ملتزمون بالحرية الإنسانية في إطار حدود الشريعة الإسلامية، وقد أدنا بوضوح العنف ضد الأبرياء، وذلك أثناء المعركة التي خاضتها مصر نفسها ضد الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات، وأيضًا بعد الهجمات النكراء في الحادي عشر من سبتمبر. إننا نقوم بذلك أيضًا في مناقشات علنية مع المتعصبين حول وجهة نظرهم في الإسلام، وكذلك من خلال مبادرات للمدارس والمنظمات الشبابية، وفي إطار تثقيف الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم للمعاهد الدينية في مصر، وأيضًا أثناء رعاية الإرهابيين المسجونين. وكوني علي رأس إحدي أهم السلطات الإسلامية أود أن أكرر: إن اغتيال الأبرياء جريمة في حق البشرية وفي حق الله، والذي يستحق مرتكبوه العقاب في الدنيا والآخرة. وفي حين أنه يجب علينا محاولة تدعيم المبادئ المشتركة بيننا، ينبغي علينا أيضًا أن نحترم نقاط الخلاف بين بعض المبادئ والعقائد، فإن احترام نقاط الخلاف هو أساس التعايش، ولم يكن أبدا أساسا للصراع.. إننا نستطيع بإذن الله أن نصل إلي مستقبل أكثر أمنا، إذا تعلمنا أن يحاور بعضنا بعضا بدلا من أن نتسرع في إصدار الأحكام أو أن نتصرف بدون حكمة. المقال ينشر بالتزامن مع جريدة تاكسينزيجر السويسرية