ربما كانت السيدة هيلاري كلينتون بارعة في أمور عديدة، لكنها بالقطع غير معروف عنها أنها بارعة في التنكيت وإطلاق النكت.. وهي شخصياً آثرت أن تؤكد ذلك بتلك النكتة السخيفة التي أطلقتها في إسرائيل أثناء زيارتها لها وأثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعها مع نتانياهو. قالت وزيرة الخارجية الأمريكية إنه يتعين بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فوراً وبدون شروط.. أما مسألة تجميد الاستيطان التي كان يشترطها من قبل رئيسها، فإن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف تشملها! وسخافة النكتة التي أطلقتها سيدة أمريكا الثانية لا تكمن فقط في أنها تتضمن اعترافاً أمريكيا رسميا بتراجع إدارة أوباما أمام العناد الإسرائيلي وضغوط اللوبي اليهودي الأمريكي عن إلزام إسرائيل بتجميد الاستيطان في الضفة والقدسالشرقية، إنما تتجسد هذه السخافة في إحالة أمر تجميد الاستيطان إلي مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم أن هذه المفاوضات مستمرة منذ 17عاما مضت دون التوصل إلي أي اتفاق حول تجميد الاستيطان، ودون توقف الإسرائيليين عن بناء مزيد من المستوطنات، وتوسيع المستوطنات القائمة. لقد فشل السيد ميتشيل المدعوم من الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية الأمريكية في إقناع الإسرائيليين بمجرد توقف مؤقت عن البناء الاستيطاني لمدة عام أو تسعة أشهر، رغم ما لدي أمريكا بجلالة قدرها من وسائل وقدرات لممارسة الضغوط علي حكومة نتانياهو.. فهل سيتمكن أبومازن وسلطته الفلسطينية التي تعاني ضعفا واهتزازاً أن يقنعا الإسرائيليين بتجميد الاستيطان؟.. هذا هو جانب من سخافة النكتة التي أطلقتها هيلاري كلينتون في مؤتمرها الصحفي المشترك مع نتانياهو. أما الجانب الآخر لسخافة نكتة هيلاري فإنه يتمثل في الطريقة التي تدعو بها إلي استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لقد اكتفت وزيرة خارجية أمريكا بالدعوة لمفاوضات جديدة بدون تحديد لا مداها الزمني، ولا جدول أعمالها، ولا تحديد للدور الأمريكي في هذه المفاوضات. لقد صار هدف إدارة أوباما، الآن هو مجرد إعادة الطرفين إلي المفاوضات وليس تحقيق السلام الدائم في منطقتنا وإنهاء الصراع الإسرائيلي، كما بشرنا بذلك باراك أوباما كثيراً في أحاديثه وتصريحاته الصحفية وفي كلمته التي وجهها من القاهرة لجميع المسلمين. فهل بعد ذلك يمكن أن يفتح أحد في منطقتنا أذنيه لمسئول أمريكي في هذه الإدارة الجديدة التي لم تعد جديدة، فهي استنفدت عاما إلا شهرين من عمرها؟.. هل يمكن لأحد في منطقتنا أن يصدق أن إدارة أوباما هذه جادة في تحقيق سلام في منطقتنا.. أو يصدق أنها عازمة بالفعل علي إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي؟! لقد سرب الأمريكان مؤخراً أنهم اقتنعوا بأن مفاوضات تبدأ بترسيم الحدود للدولة الفلسطينية وإسرائيل ستتجاوز عقبة الرفض الإسرائيلي لتجميد الاستيطان، لأنه سيكون بعدها معروفا المستوطنات التي سوف يحتفظ بها الإسرائيليون ويمكنهم البناء فيها، وتلك المستوطنات الأخري التي سوف تزال والتي سيكون عليهم إلا يبنوا فيها.. لكن ها هي السيدة هيلاري كلينتون تدعو لمفاوضات بدون تحديد القضية الأولي التي ستبدأ بها. وفي الوقت الذي رفضت فيه أن تقول كلمة واحدة في مؤتمرها الصحفي عن الأعمال الإسرائيلية العدائية في القدس وحول المسجد الأقصي وبناء المستوطنات فيها، فإنها اهتمت بالقول إنها أبلغت أبومازن بضرورة استئناف المفاوضات بدون تجميد للاستيطان.. أي بدلاً من أن تمارس إدارة أوباما الضغوط علي نتانياهو فإنها مارست هذه الضغوط علي أبومازن.. المهم أنها تمارس ضغوطاً! أليست هذه نكتة سخيفة أخري أطلقتها السيدة هيلاري كلينتون في إسرائيل؟! ولا يقلل من سخافة نكت وزيرة الخارجية الأمريكية ما تم تسريبه صحفيا حول المواجهات المزعومة بينها وبين نتانياهو بسبب السياسات الإسرائيلية التي تسبب لواشنطن حرجاً في المنطقة. نحن لنا الموقف العملي، والموقف العملي الوحيد لواشنطن حتي الآن هو ممارسة الضغوط علينا نحن.