في نفس هذا اليوم قبل قليل من الوصول إلي عامها السبعين، رحلت اليوم ممثلة كوميدية من طراز خاص، لم تحظ ببعض الشهرة التي تستحقها إلا في سنواتها الأخيرة، فقد كان اسمها دائمًا يقبع في زاوية صغيرة من أفيشات الأفلام. ربما ينجذب المشاهد إلي أسلوب أدائها الناضج المتمكن، ويحفظ الوجه وإيقاع الحركة ونبرة الصوت، لكنه يجهل الاسم. إنها الممثلة الموهوبة القديرة نعيمة الصغير، التي بدأت رحلتها السينمائية مع المخرج حسن الإمام في فيلم "اليتيمتين" سنة 1948، وقدمت نحو مائة فيلم كان آخرها "الملائكة لا تسكن الأرض"، لكنها في أفلامها هذه قنعت بالأدوار الهامشية الصغيرة محدودة المشاهد، وعندما بدأ الجمهور يتعرف عليها كانت الرحلة تقترب من نهايتها. تفوقت نعيمة الصغير في أدوار الشر والتسلط، فهي اللصة والسجانة وزعيمة العصابة التي تستغل الأطفال في التسول والنشل، وهي الزوجة العنيفة والحماة المولعة بالنكد، وهي في هذه الأنماط السلبية جميعًا تبدو قادرة علي تفجير الضحكات وانتزاع البسمات، مسلحة في تأثيرها بعفوية صادقة مخلصة، وخفة دم حقيقية لا افتعال فيها ولا زيف. عبر تاريخها الطويل، قدمت السينما المصرية عشرات من النجوم والنجمات، كما قدمت المئات من المواهب التي لم تسعفها الظروف الموضوعية علي الصمود والصعود، وليس مثل نعيمة الصغير في التعبير عن نجوم الظل، أولئك الذين يبدعون ويتقنون، لكنهم من أصحاب الحظوظ المحدودة في عالم الشهرة والأضواء. الذين يعرفون نعيمة الصغير من خلال أدوارها السينمائية، قد يجهلون أنها بدأت حياتها الفنية مطربة تشترك مع زوجها محمد الصغير، الذي حملت اسمه، في أداء مجموعة من المونولوجات الاجتماعية الخفيفة، ثم اتجهت إلي السينما فلم تذق طعم النجاح النسبي إلا في سنواتها الأخيرة. هل كانت ضحية لقوانين السوق الجائرة؟، أم أنها "سنة الحياة" التي تضن أحيانًا علي من يستحقون، وتعطي ببذخ لمن لا يستحقون؟!